علي الصراف
المسؤولية عن ضياع فرص وقف انتشار فايروس كورونا إنما تقع على غيبريسوس نفسه وعلى فريق المسؤولين المحيطين به الذين لا تعرف ما هي الدوافع التي جعلتهم يتأخرون إلى ذلك الحد.
سوء تقدير غيبريسوس لفايروس كورونا عمّق أزمة المنظمة العالمية
حتى ولو بقي يوم واحد من ولاية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فإنه يجب أن يعتذر ويستقيل، ويُقدم إلى المساءلة عن فشله في إدارة منظمة الصحة العالمية.
الأمر لا علاقة له باتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذرائعية والطائشة لتبرير فشله الخاص. وإنما بالمسؤولية المباشرة التي تقع عليه في السماح لوباء كورونا بالتفشي من قبل أن تعلن منظمة الصحة عنه كوباء عالمي.
الأدلة على تفشي وباء خطير بدأت تظهر في نوفمبر من العام 2019. ولقد أثارت المعلومات المتاحة عن مستويات التفشي في الصين ما يكفي من الذعر في مختلف أرجاء العالم، بينما ظلت منظمة الصحة العالمية تتردد في الإعلان عن كورونا كوباء عالمي.
كان الضحايا يتساقطون كالذباب في الشوارع. وشنت السلطات الصينية حملة عزل غير مسبوقة لمقاطعة ووهان، مصدر التفشي الأول. ولكن ذلك لم يحرك إلا القليل من الحس بالخطر لدى قيادة منظمة الصحة العالمية.
هناك ما يكفي من البراهين على أن إجراءات وقائية تُتخذ قبل أسبوع يمكن أن توفر حياة الآلاف من البشر. هذا هو واحد من أهم الانتقادات التي توجه لإدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي استهان بالمخاطر حتى تحولت إلى كارثة.
اليوم إذا كنا نجرؤ على إدانة ترامب بسبب تأخره لأسبوع أو أسبوعين، فإن إدانة مضاعفة يجب أن توجّه لغيبريسوس لتأخره ثلاثة أشهر على الأقل.
منظمة الصحة لم تعلن عن كورونا كوباء عالمي إلا في الأسبوع الثاني من مارس الماضي.
تمتلك هذه المنظمة، من أدوات المعرفة والتواصل مع السلطات الصحية الصينية الكثير مما كان يمكن أن يساعدها على اتخاذ قرار بشأن مخاطر الوباء. كما أنها تمتلك من الخبرات في عالم الأوبئة ما يكفي لكي تتوصل إلى تقدير حصيف لطبيعة تلك المخاطر. المسألة هنا، مسألة إدارة، أكثر منها مسألة معرفة. فلو أن دول العالم اتخذت من الاستعدادات ما يكفي للحد من السفر من وإلى الصين، ولو أن إجراءات تتبع وعزل وفحص تم اتخاذها حيال من تسرب الوباء إليهم، لما كنا انتهينا الآن بأكثر من مليون ضحية، وأكثر من 37 مليون إصابة أكثر من ربعها من دون شفاء فعلي.
وحتى الأسبوع الأول من فبراير 2020، كان غيبريسوس مسترخيا تماما، وخرج ليصرّح بأنه لا حاجة لكي تتخذ دول العالم تدابير “تتعارض دون داع مع السفر والتجارة الدولية”.
وهذا وحده، كان دليلا ساطعا على مدى سوء التقدير. إنه دليل إدانة صارخ أصلا.
ومنذ مطلع ذلك الشهر، بدأت الأسئلة تبرز حول ما إذا كان فايروس كوفيد – 19، مرضا جديرا بالاعتبار كوباء. بعض الأجوبة الهزيلة كان يقول إن دول العالم ربما لم تكن على استعداد كاف لقبول تكاليف هذا الإعلان، لأنه سوف يترتب عليها اتخاذ إجراءات صارمة للحد من التفشي. ولكن موقف الدول من التكاليف، إذا كان ذلك صحيحا من الأساس، ليس من مسؤولية منظمة الصحة العالمية. وعلى أي حال، فإن الاستعدادات لم تكن لتصبح استعدادات كارثية مثلما أضطر الجميع إليه من بعد ذلك.
سلسلة من إجراءات الوقاية، من قبيل فرض ارتداء الكمامات، والحد من التجمعات، وعزل كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة أخرى، وتوفير أدوات التعقيم، وزيادة فرص العمل من المنزل، ما كانت لتكلف الكثير، ولكن كان بوسعها أن تنقذ حياة مئات الآلاف من البشر، كما كان بوسعها أن تحد من الحاجة إلى إغلاق عام وشامل. وحتى لو كنا سوف ننتهي إلى حاجة مماثلة، فإن إبطاء سرعة التفشي كان يمكن أن يوفر الكثير من الوقت، وذلك بينما تستنهض المختبرات العالمية هممها للبحث عن علاج، أو توفير لقاح معقول، أو حتى مجرد إتاحة فرصة أوسع للعلماء لفهم طبيعة الفايروس. هذه الفرصة كان يمكن أن تعني الكثير بالنسبة للأطباء بدلا من حالة الفوضى العامة التي اجتاحت المستشفيات بحالات لم يعرف المعالجون سبل التعامل معها.
معدلات الوفيات تتناقص الآن بين المصابين بالحالات الشديدة، لمجرد أن الأطباء صاروا يعرفون من أين يجب الإمساك بالمرض. لا ينجحون دائما، ولكنهم أصبحوا قادرين على توفير فرص أفضل للمرضى للنجاة.
هذا يعني، أنهم كانوا بحاجة إلى المزيد من الفهم، والمزيد من الوقت. ولو أن إجراءات عزل ووقاية مبكرة قد تم الأخذ بها، فإن معدلات الوفيات سوف تتناقص إلى درجة كبيرة للغاية.
الإعلان المبكر عن كورونا كوباء عالمي، كان بوسعه أيضا أن يخفف الاحتقان السياسي الذي نجم عن التأخر، ويحد من الانتقادات التي تعرضت لها منظمة الصحة العالمية، ويوفر الكثير من التكاليف والخسائر التي تجاوزت 6 تريليون دولار.
المسؤولية عن ضياع كل هذه الفرص إنما تقع على غيبريسوس نفسه، وعلى فريق المسؤولين المحيطين به، الذين لا تعرف ما هي الدوافع التي جعلتهم يتأخرون إلى ذلك الحد.
المساءلة واجبة في جميع الأحوال. وإجراء تحقيق في المسؤولية هو إحدى أكثر القضايا أهمية لحماية البشرية من أخطاء مديرين كسالى.
وباء كورونا تحول إلى كارثة صحية واجتماعية واقتصادية وباء كورونا تحول إلى كارثة صحية واجتماعية واقتصادية
والمساءلة، لا تعني انتقاما، ولا بأي صورة من الصور. وما من حاجة لتوجيه إدانات ذات طبيعة جنائية. ولكن المقارنة بين ما كانت تفعله منظمة الصحة، وما كان يجب أن تفعله، على امتداد الأشهر الأربعة بين نوفمبر 2019 ومارس 2020، سوف توفر الكثير من الأدوات التي يمكن أن تساعد دول العالم على مواجهة المخاطر المقبلة.
الاعتقاد السائد يقول إن غيبريسوس كان وزير صحة ناجحا في إثيوبيا، ولكنه ليس من دون سوء تقدير جسيم.
بعض الحقائق تشير إلى أن قيادته لوزارة الصحة الإثيوبية بين عامي 2005 و2008 نجحت في بناء 4000 مركز صحي، والحد من تفشي أوبئة السل والملاريا والإيدز في ذلك البلد. كما أنه لعب أدوارا مهمة في عدة مناصب، منها منصب رئيس شراكة دحر الملاريا، ومجلس تنسيق برنامج الأمم المتحدة المشترك لفايروس نقص المناعة البشرية، والصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا، والرئيس المشارك لشراكة صحة الأم والوليد والطفل، وغيرها. مما يعني أنه يمتلك من الخبرة ما يكفي لمعرفة الخطر، وسبل مواجهته. وعندما أصبح وزيرا للخارجية بين العامين 2012 و2016، فقد بنى ما يكفي من العلاقات التي مهدت له الطريق لتولي منصبه الراهن، ابتداء من الأول من يوليو 2017.
واحدة من أكبر زلات القدم التي ارتكبها، كانت اختياره لرئيس زيمبابوي روبرت موغابي لمنصب سفير النوايا الحسنة لمنظمة الصحة العالمية للمساعدة في التصدي للأمراض غير السارية في أفريقيا. وهو ما اضطره، وسط سيل من الانتقادات، إلى التراجع عنه. موغابي، كان هو نفسه، مرض دكتاتورية ساريا في أفريقيا، يتطلب توفير لقاحات ضده.
مع ذلك، فإن النجاح على المستوى المحلي، لم يناظر نجاحا على المستوى الدولي. ولا كان يجب أن يُنظر إليه كمعيار كاف، لأن المعيار العملي الصحيح هو القدرة على الإنجاز في مواجهة المخاطر.
النجاح يقود بعض البشر إلى الاسترخاء، ظنا منهم أنهم موهوبون بما يكفي لتحقيقه باستمرار، وأنه سيأتي إليهم كتحصيل حاصل.
وهذا لم يتحقق في مواجهة وباء كورونا، بل تحول إلى كارثة صحية واجتماعية واقتصادية لم يعرف لها العالم مثيلا حتى الآن، ولا حتى عندما اندلع وباء الإنفلونزا الإسبانية في عشرينات القرن الماضي.
ولقد مرت لحظات، أدرك فيها غيبريسوس، أنه أفلت الزمام. ولكن انتقادات دونالد ترامب ذات الطبيعة السياسية، عملت في الواقع على تبرئته من المسؤولية الحقيقية.
كوفيد – 19 ليس الوباء الأول، ولن يكون الأخير. والقادم ربما يكون أخطر. وهو ما يتطلب أن يكون على رأس منظمة الصحة العالمية مدير يقظ، لا مدير يسترخي في منصبه، ويتساهل مع المخاطر.
استقالة غيبريسوس، هي أقل ما يمكن تقديمه كعربون اعتذار لأكثر من مليون إنسان فقدوا حياتهم، تحت قيادته.
وهذا ما يجب أن يحصل من قبل أن تنتهي ولايته.
انتظار نهاية الولاية حتى يوليو 2022، هو في الواقع إهانة غير مبررة للضحايا.
0 تعليقات