هيثم الزبيدي
تفتح الأبواب على العوالم المختلفة والآراء. الباب، أو البوابة، تحمل رمزية الحماية أو الانغلاق. مفردة باب مفتوح على مصراعيه تحمل الكثير من التفسيرات. الأديان مليئة بفلسفة الأبواب.
الأبواب تعكس ثقافات الشعوب وأنماط عيشها
تواصل معي صديق اشترى بيتا جديدا ويعمل تشطيبات قبل استلامه. سألني ما رأيي في اختيارات الأبواب. أنا الآن خبير أبواب وعن استحقاق. قمت بتصليحات في بيتي واعدت اكتشاف عالم الأبواب الواسع. الألوان والأحجام والسمك والقدرة على تحمل السنين. تصفحت الكثير من المواقع والكاتالوغات قبل الاستقرار على شكل ولون أبواب بيتي. لا توجد شهادة في “علوم” الأبواب. ولكن لو كانت موجودة، كان منحوني إياها.
الباب قطعة مهمة من أساسيات التصميم في الكثير ممّا يحيط بنا. ربما أول إحساس بالأمان للإنسان كان يوم بنى داره ووضع لها بابا يحميه من الحيوان والإنسان. أعاد تقطيع الدار إلى غرف، وتمتع بالخصوصية بوجود الأبواب الداخلية. الشباك باب صغير أيضا، أتاح له بعض النور في البيت، بدلا من إحساس الكهوف. نستخدم الأبواب يوميا ونعاملها كتحصيل حاصل. المفتاح في الجيب، يقول لك إن بيتك محروس بأبوابه.
الأبواب تعكس ثقافات الشعوب وأنماط عيشها. البيت الياباني ضيق ومن خشب. إذا وضعت بابا عاديا بين الغرف، عليك أن تترك مساحة لحركة الباب فتحا وإغلاقا. المصمم الياباني القديم قرر أن يكون الباب منزلقا. سيكون أقل أمنا، ولكن الأمان داخل البيت أقل إشكالية والهدف هو الخصوصية. الباب الخارجي يبقى بابا عاديا.
التصميم محير أيضا. تصل عند أغلب الأبواب ولا تعرف أتدفع أم تسحب، خصوصا تلك الأبواب التي تجلس بلا إطار، مثل أبواب المحلات التجارية ومداخل العمارات والأبنية الكبيرة. في مرة زرت بيتا قريبا شيدته شركة نرويجية لوزير بريطاني. لفت نظري أن الباب يُفتح إلى الخارج، بدلا من المعتاد بأن تدفع الباب وتدخل. كان ردّ صاحب الدار لافتا. هذه كانت بيت وزير، ووزراء بريطانيا بلا حراسات. إذا حاول احدهم اقتحام الدار، فإن عليه شد الباب. ستنكسر عتلة الباب من الشد قبل أن ينهار الباب. لو كان دفعا، سيكون واردا أن يكسر بدفعه بقوة.
في الشرق والكثير من الدول الأوروبية، باب الغرفة يُفتح ناحية الحائط. إذا فتحت الباب، سيكون بموازاة الحائط، ولا يعيق الحركة. إلا في بريطانيا. الباب يفتح وسط الغرفة. تسأل لماذا؟ يأتيك الرد: حفاظا على الخصوصية. حتى عندما يكون الباب نصف مفتوح، فأنت لا ترى ما يجري في الغرفة، في حين أن الباب المفتوح ناحية الحائط يكشف. ثقافة تصميم مختلفة.
الألوان بدورها محيّرة. الأبواب جزء من ديكور المكان غير المعلن. تدخل في بيت ضيق بأبواب داكنة فتحس بالاختناق. تزور فيلا واسعة بأبواب بيضاء، فتحس انك في مستشفى. لون الباب الخارجي يعطيك إحساسا بترحاب البيت أو رفضه للقادم. تقف أمام باب مغربي أنتيكة منقوش بالألوان في سوق تقليدية، فتفكر بصانعه وذوقه وعصره. ترى بابا صغيرا ضمن بوابة كبيرة. هذا باب بيت وبوابة حوش في نفس الوقت.
الأبواب ترتحل معنا في سياراتنا. أمان وحماية ودفء من نوع آخر لا تقدره إلا حين ترى حال راكب الدراجة. الابواب تحلق في الطائرات وتفصل بين عربات القطار. وإذا صدقنا أفلام “ستار تريك” و“حرب النجوم”، فستشاركنا مغامرة غزو الفضاء.
الباب فكرة مجازية أيضا. تفتح الأبواب على العوالم المختلفة والآراء. الباب، أو البوابة، تحمل رمزية الحماية أو الانغلاق. مفردة باب مفتوح على مصراعيه تحمل الكثير من التفسيرات. الأديان مليئة بفلسفة الأبواب، هذا يأخذك إلى النعيم وذاك إلى الجحيم.
اقترحت على الصديق نقشا عرضيا للباب، ولونا بين البني والرمادي. كان قد اختار نفس الباب وتطابقت الآراء. ألم اقل لكم إني خبير بيبان؟
0 تعليقات