رياض بوعزة
التلازم السلبي في تعامل المنظمات الدولية مع الأزمات له علاقة بين استراتيجيات الدول وأساليب وبرامج تلك الكيانات.
تحدّ صعب
كشفت جائحة فايروس كورونا المستجد عن ملامح مستقبل مضطرب للنظام العالمي في ظل منظمات دولية لا تزال تعمل بطرق تبدو ضعيفة وتطرح مسألة التلازم السلبي في التعامل مع الأزمات. فهل لذلك علاقة باستراتيجيات الدول التي باغتها هذا المرض أم أن للأمر علاقة بأساليب وبرامج تلك الكيانات الدولية متعددة الجنسيات؟
على الرغم من الوظائف الحيوية، التي يفترض أن تؤديها المنظمات الدولية في ضبط التفاعلات الإقليمية وتحفيز التعاون الدولي وتنسيق الاستجابة للأزمات العابرة للحدود، إلا أن واقع مواجهتها للوباء حتى اليوم يثير الجدل حول مدى فاعليتها في إدارة المشكلات على النحو الأمثل.
ويبدو أن احتواء تأثيراتها نتيجة للهوة المتسعة بين مستوى التوقعات المرتفع لأدوار هذه المنظمات من جانب الفاعلين الدوليين والواقع الفعلي لقدراتها ومواردها والصلاحيات الموكلة إليها، هو أحد العوامل الرئيسية لذلك، ولكن ذلك ليس كل شيء فهناك انتقادات أخرى تتعلق بكفاءة الإدارة وتخصيص الموارد والشفافية والمحاسبة وأدوار القيادات داخل المنظمات الدولية.
إن وجود تباين بين المسؤولين في أي منظمة دولية أو أممية من حيث الخبرات والمهارات ومستوى التأهيل وطريقة التفكير والأهداف الشخصية، وما يترتب عليه من تنافس أو تقصير، قد يؤدي إلى نتائج عكسية بحيث لا يمكن البناء والتطوير عليها لأن القناعة السائدة تقول إن “النجاح جماعي والفشل فردي”.
من الواضح أن المناسبة، التي احتفلت بها الأمم المتحدة، تعطي لمحة عن ذلك، فمع حلول اليوم الدولي للقضاء على الفقر، والذي صادف السبت الماضي، اختارت له المنظمة الدولية موضوعا بعنوان “العمل معا لتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع” يبرز أن التحدي المتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية للجميع لا يزال قائما ولم يتغير منذ سنوات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، منحت نوبل للسلام هذا العام برنامج الأغذية العالمي هذه الجائزة بفضل جهوده في مكافحة الجوع حول العالم ، وهي للمرة الثانية عشرة منذ تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 تختار لجنة أن تمنح جائزتها العريقة إلى مؤسسة أو شخصية مرتبطة بالمنظمة الدولية.
وكان هذا دافعا على ما يبدو من أجل رسم معالم شراكة جديدة في المستقبل بين المنظمات الدولية تقوم على أسس ومعايير مضبوطة بقوانين لأن الظروف الاقتصادية العالمية تجعل من أمر التعاون الوثيق أمرا في غاية الأهمية زمن الأوبئة.
يعتبر انتشال الناس من براثن الفقر من بين الخطوات الأساسية والضرورية لضمان أهم حقوق الإنسان الأساسية الخاصة بهم، وتحسين المساواة والاستقرار الاجتماعيين، والسعي إلى تحقيق التنمية الشاملة. ولكن كيف يمكن إعطاء تلك الجهود دفعة دبلوماسية حتى تحقق أهدافها.
طيلة عقود، وبفضل الجهود المشتركة التي بذلها المجتمع الدولي، حققت البلدان تقدما ملحوظا في تحسين الظروف المعيشية للشعوب وبناء مجتمع أكثر عدلا وازدهارا داخل حدودها، فوفق إحصائيات البنك الدولي، تقهقرت نسبة من يعيشون في فقر مدقع خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى 8.4 في المئة قياسا بحوالي 36 في المئة في عام 1990، وهو ما يعني أن أكثر من مليار شخص قد تحرروا من سجن الفقر المدقع.
ومع ذلك، فإنه في مواجهة التحديات المعقدة للوباء واقتصاد عالمي مترنح وغير ذلك من الأزمات مثل التغيرات المناخية، تحتاج الحكومات والمنظمات الدولية إلى فهم أفضل لحقيقة مثيرة للقلق مفادها أنه من دون استجابات سريعة ومنسقة وفعالة، فإن الحملة العالمية الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشأن الحد من الفقر بحلول عام 2030، ربما لا تنجح.
وما يجعل من هذا التحدي صعبا للغاية في هذه الفترة هو ما أشار إليه البنك الدولي في تقرير حديث حينما قال إن قرابة 115 مليون إنسان ينضمون إلى جحافل الفقراء ليعيشوا على أقل من 1.9 دولار يوميا بسبب الفايروس والركود الاقتصادي الناتج عنه.
وهذا لن يتحقق دون وجود اقتصاد عالمي متنام بقوة لخفض الفقر، وبالتالي، يتعين على المجتمع الدولي التكاتف بشكل أكثر إحكاما لاحتواء التفشي الذي لا يزال كبيرا حتى يتمكن الاقتصاد العالمي من الخروج من الركود والشروع في المضي على مسار الانتعاش في أسرع وقت ممكن.
لقد عملت الرياح الحمائية والانعزالية، التي تهز التجارة العالمية والمعاملات التجارية بسبب حروب الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب ضد الصين، على إضعاف آفاق تحقيق نمو اقتصادي عالمي قوي، ولذلك فإن الانفتاح الاقتصادي اليوم بات أمرا ملحا.
منذ بداية أزمة كورونا ظهرت تحولات اقتصادية واجتماعية كثيرة بعضها خلف آثارا سلبية على كثير من الدول، وخاصة النامية، وقد عجزت عن معالجتها حتى الدول المتقدمة، وقد تلاشى دور المنظمات الدولية بشكل يدعو إلى الاستغراب في تطبيق قوانينها العاجزة، والتي كانت تطبق بكل تمييز بين الدول المتقدمة والفقيرة.
ومن بين الأمثلة على ذلك، عدم تحرك منظمة التجارة العالمية تجاه أزمة الوباء العالمية، بالنظر إلى الصراعات بين كبار الأعضاء فيها، ولكنها تركت عملية انسياب البضائع والخدمات بين بلدان العالم يقتصر على قدرات ومبادرات ذاتية من الحكومات دون الرجوع إلى القيود المفروضة، حتى أنه يمكن القول إن الدافع الإنساني كان هو المنظم لتلك العملية. وكل ذلك يجعل من المنظمات الدولية تواجه مستقبلا مضطربا قد يمتد إلى سنوات طويلة.
0 تعليقات