رالونتي

مشاهدات



لبنى الحرباوي


يشبه الوقت إلها.. ذاك الشيء الذي يملك كل شيء وغير قابل للتدمير، نصفه إنسان ونصفه الآخر ساعة، مثل ذاك الذي ظهر في فيلم “آليس عبر المرآة”؛ حين عادت إلى أرض العجائب.

الوقت كالسيف

في العام الأول من دراستي الجامعية كان لدي الكثير من أوقات الفراغ التي لم أعرف كيف أستثمرها، كانت المرة الأولى التي أبتعد فيها عن منزلنا إلى مكان لا أعرف فيه أحدا. ما عقّد الأمر أن الجامعة والمبيت كانا بعيدين عن مناطق العمران؛ كانا في الخلاء والقفار بأتمّ معنى العبارتيْن، في الغرفة لا تلفزيون ولا كتب ولا شيء… تحسن الأمر قليلا بإضافة تلفزيون و”كَرْكرةِ” كتبي القديمة من منزلنا. رغم ذلك بقيت لديّ الكثير من أوقات الفراغ.

لأضيّع الوقت صرت أُنجز كل شيء ببطء شديد.. من الذي قال إنه عصر السرعة؟!

انسحب الأمر بعدها على حياتي في تلك الفترة، أظنني في تلك الفترة صرت أتكلم بـ”الرالونتي” أيضا.

لكن ما الوقت؟ ولماذا يمر بتلك الطريقة؟ وكيف يمكن أن يتباطأ عندما يحل الملل ويمر سريعا في لحظات الفرح؟

الحقيقة العلمية تقول إن اليوم ثابت بعداد ثوانيه ودقائقه وساعاته، وما يغير إدراكنا له هو ما نفعله خلاله.

كل صباح يتسلم كل منا 24 ساعة هي من الأشياء القليلة في هذا العالم التي نحصل عليها مجانا وتصبح الساعة كما قال هنري فان دايك “بطيئة جدا بالنسبة إلى أولئك الذين ينتظرون، وسريعة جدا بالنسبة إلى أولئك الذين يخافون، وطويلة للغاية بالنسبة إلى أولئك الذين يحزنون، وقصيرة جدا بالنسبة إلى أولئك الذين يفرحون.. ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يحبون الوقت ليست كذلك”، دعْنا من العشاق الذين لا يعترفون بشيء وهم خارج نطاق المنطق دائما.

في بعض أيامي المضغوطة جدا أفكر في كيفية استرجاع وقتي الضائع؛ لماذا لا نحتفظ بساعات “الرالونتي” المجانية التي لم نفعل فيها شيئا في بنك مثلا، مثل احتفاظ بعضنا بنقوده لأيامه المقفرة، وقد يستثمرها لاحقا في زيادة أوقات سعادته؟ ولماذا لا يكون اليوم 14 ساعة في أيام الملل والحزن بدل 24 ساعة ويكون 34 ساعة أيام العطل والأفراح؟!

يشبه الوقت إلها.. ذاك الشيء الذي يملك كل شيء وغير قابل للتدمير، نصفه إنسان ونصفه الآخر ساعة، مثل ذاك الذي ظهر في فيلم “آليس عبر المرآة”؛ حين عادت إلى أرض العجائب…

كانت آليس في صراع مع الوقت لتخطف منه كرة الزمن، حاولت واجتهدت وحصلت عليها، ولكنها فهمت أنه لا يمكن استعادة الزمن، يمكننا قراءة الماضي والاستفادة منه وليس تغييره بكل تأكيد.

إرسال تعليق

0 تعليقات