مِنْ مَسِيرَةِ الْحَيَاة أَتَعَلَّم

مشاهدات



صَلَاح يُوسُف الدَّهَش


يَبقى التَعَلُّم مُستَمِرّاً لَا يَتَوَقَّف مَهما طالَ بِنا العُمر (اُطْلُب العِلْمَ مِنَ المَهْدِ إلَى اللَحدِ).

مُنذُ صِباي، وما أزالُ أُحاوِلُ أن أَتَعَلَّمَ أَدَبِيّات الحَياةِ مِن خِلالِ ما أقرأ مِن كُتُبٍ ومَقالاتٍ (دينِيّةٍ، أدَبِيَّةٍ، عِلْمِيَّةٍ و فَلْسَفِيّة) مُضافاً إلَيْها ما أستَوعِبَهُ مِمّا يُطرَحُ في المُحاضَراتِ والنَدَواتِ التي أَحضَرُها وكَذلكَ المُمارَسَات والتَجَارب اليَومِيّة خِلالِ مُخالَطَة أنواعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ البَشَرِ. فَقَد سَبَقَ لي أَن كَتَبْتُ بَعضَ الخَواطِرِ القَصيرَة في هذا المَجالِ أو ذاك بِعَدَدٍ مِنَ الصُحُفِ والمَجَلّاتِ، وعَلى صَفَحاتِ التَواصُل الإجتِماعي، أو ما أرسِلُهُ لِبَعضِ أصدِقائي ومَعارِفي على أرقامِهِم الخاصّة. وَمِن بَينِ ما نَشَرتُ، بِمِضمارِ دروسِ الحياةِ، كانَ مَوضوع ” تَجاربي في الحَياة “ بِتاريخِ ١٠ / ١٢ / ٢٠١٦ وَمَوضوع ”خَواطِرٌ مُبَعثَرَةٌ “ بتاريخ ١٤ / ٥ / ٢٠١٩ ومَوضوع ” سَنَواتُ عُمُري التي مَضَت “ بِتاريخ ٢١ / ٩ / ٢٠٢٠ .

وقَبلَ فَتْرَةٍ لَيْسَت بالقَصيرَةِ، إطّلَعتُ، بِعُجالَة، على رِوايَة لِلشاعِر والرِوائي أيمَن العَتّوم تَحتَ عِنوان ” أنا يُوسُف “ التي تَروي بِإسْهابٍ قِصّة النَبي يُوسُف عَلَيْهِ الَسَلام، فَتَناوَلْتُ المِصْحَفَ الشَريف لإعادَة قِراءَة سورَة يُوسُف بإمعانٍ وتَدَبّرٍ ولَيسَ كَما سَبَقَ لِي أن قرأتُها وبَقِيَّة سُوَرِ القُرآن الكَريم عِدَّة مَرّاتٍ في حَياتي، فَوَجَدتُ نَفسيَ أُدَوِّن بَعض الخَواطِرِ التي إستَوْقَفَتْني وما يَتَوَجَّبُ إِقتِناءه وتَعَلُّمه منها والإقتِدَاء بِهِ في حَياتِنا اليَوميّة. وَهَا أَنَا أجِدُ نَفسي اليَوم أكْتُبُ بَعْضَاً مِمّا تَعَلَّمتُهُ بِصيغَةِ خَوَاطِرٍ مُختَصَرَةٍ، عَسَى أَن تَكُونَ تَذْكِرَةً مُفيدَةً لِمَن لَدَيهِ مُتَّسَعٌ مِنَ الوَقتِ ويَرغَبُ في قِراءَتها :

هُناكَ بَعضُ البَشَرِ لا يُحِبُّونَ في الناسِ مَن يَمْلُك صِفاتاً جَميلَةً وحَسِنَةً (بأَشكالِهِم وَهَيآتِهِم وأَخلاقِهِم وكَرَمِهِم وتَعاملِهم…). قَد يَعُودُ ذلِكَ لِسَبَبِ فُقدانِهِم هذِهِ الصِفَة أو تِلك وَعَدَم رَغبَتِهم بِمَن يُذَكِّرَهُم بِها. ولِبَعضِهِم عُيوناً ضَيِّقَةً وَأَفئِدَةً أضيَق، يَنظُرُونَ مِن خِلالِها بِحَسَدٍ إلى ما أنعَمَ الله عَلى غَيْرِهِم، مُتَناسينَ ما وَهَبَهُمُ الله مِنْها. والله، سبحانَهُ وتَعالى، يَهِبُ العِلْمَ والمَعرِفَةَ والحِكْمَةَ لِمَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ المُتَّقينَ بِقلوبِهِم، حَيْثُ يَتِمُّ صَقْلَها في الحَياةِ الدُنيا ليَنهَلوا مِنها لِأَجلِ تَنوير الآخَرينَ.

هُناكَ أُناسٌ يَغْتَنِمونَ الفُرَصَ لإِقتِناءِ أقنِعَة يَلبَسونَهَا لِتَمْويهِ الآخَرينَ وكأَنَّهُم مِنَ النّاصِحينَ ويُريدُونَ لَهُمُ الخَيرَ، وهُم يُضْمِرونَ عَكْسُ ذلك. فقَد يُظهِرَ بَعضُ الطَّيِّبينَ، بِبَراءَةٍ، نُقاطَ ضُعْفِهِم فَتُستَخْدَمَ مِن قِبَلِ الآخَرينَ كأَهدافٍ سَهلَةٍ لِلنَيْلِ مِنْهُم.

الخَيرُ والشَرّ يُعَدّانِ مِنَ الواقِعِ المَعْلُومِ لَدى الجَميع، لكِنَّهُما لَيْسا شَيْئَينِ ثابِتَينِ بَلْ يَعتَمِدانِ عَلى طَرائِق وإِمكانِيَّاتِ إِستِخدامِهِما كأَدَواتٍ وَدَلائِلَ لِتَحقيقِ غاياتٍ مُعَيَّنةٍ. وفي دَاخِلِ كُلِّ إِنسانٍ صِفات يَتَّصِفُ بها؛ فالكَريمُ لا يَغدِرُ صاحِبَهُ، والنَبيلُ لايُؤذي أحَداً قَطْ، وهكَذا كُلِّ صِفَةٍ تَعكِسُ طَبيعَتها (حُسْناً أو عَكسَ ذلِكَ). وَهُنا لابُدَّ مِنَ التَأكيد على أنَّ الظُّروفَ والأوضَاعَ المُحيطَةُ بالإنْسَانِ لا تُجْبِرهُ على الظُلْمِ والتَعَلّلِ في أذَى الآخَرينَ. فَقَد يأتي الأَذى والألَم، بِقَصْدٍ أَو دونَ قَصْد، مِن أَقرَبِ النّاس إلَيكَ وَلَيْسَ مِمَّن لا يُحِبُّونَكَ فَحَسْب.

النّاسُ مَعَادِنَ مُختَلِفَةٌ، مِنها الأصِيلُ ومِنها الرَديء. فَمَنْ يَمْلِكُ إيمَاناً رُوحِيّاً صَادِقاً في نَفسِهِ لا تَغْلِبَهُ مَرارات الحَياةِ الدُنْيا ولا تُغَيِّر مِن طِباعِهِ. وتَبقى وسائِلُ الإرتِباط بالله والدُعاء إلَيهِ وحَمْدهِ وشُكْرهِ عُرْوَةٌ وُثقْى يَتَمَسَّكُ ذلك الإيمان بِها.

كُتْمانِ الآلامِ وعَدَمِ الشَكْوى لِغَيرِ الله (سُبْحَانَهُ وتَعالى) تُجَنِّبُ المؤمِنَ كَثيراً مِنَ التَعْقيداتِ. والنّاسُ في الغالِبِ صِنفان، أمّا مُحِبٍّ صَادِقٍ يَتَأَلَّمُ لأَلََمِكَ أو مُبغِضٍ حَاسِدٍ يَفرَحُ لِذلِكَ ويَشْمَتُ بِكَ، وكِلاهُما لا يَملِكانِ شَيئاً مِمّا أنْتَ فيهِ لأَنَّ الأمر بِيَدِ الله وَحدَهُ.

في هذِهِ الدُنْيا، يَبْقى الحَقُّ والباطِلُ، بأشْكالِهِمَا المُختَلِفَة، في حالَةِ حَرْبٍ مُسْتَعِرةٍ مُسْتَمِرَّةٍ الى يَوْمِ الدِّين. ولِكُلٍّ مِنْهُما خُطَط وتَدَابير مِنْ أجْلِ الوُصُولِ لِغايَتِهِ المَنْشُودَة. وغالِباً ما تَكونُ سُوء الإدارَةِ سَبَباً أساسِيّاً لِلفَسادِ والفَوْضَى وضَياع الخَيراتِ والموارِد مَهْما كانَت خَزائِنُها كَثيرة، خاصَّةً حينَما تَكونُ المَناصِب بأَيادٍ جاهِلةٍ غَيرُ أمينةٍ. وباليَقينٍ إنَّ الله (سبحانَهُ وتَعالى) يَخْتارُ دَوْماً السِلاح المُناسِب بالوَقتِ المناسِب لِيَنصُرَ الحَقّ ويَنشُرَ العَدْلَ بَعدَ أن يأخُذَ الجَميع الدُروسَ والعِبَر مِن تِلكَ التَجارب.

خِتاماً،

تَبْقى للحُبِّ عُطُورَهُ الفَوّاحَةُ الَّتي لا يُميِّزُهَا إلّا مَنْ جُنَّ فِيهِ صِدْقاً، مِمَّا يَجعَلُني أنْ أَجِدَ في نَفْسِي لُزُوماً في التَجاهُلِ (والتَجاهُلُ مِن صِفاتِ النُبْل) مِن أجْلِ إبْقاءِ الوِدِّ، والتَّصَرُّفُ كأَنّي لا أفهَمُ ما يَدُور، وبالأحْرى أَتَغَابى (وسَيِّدُ القَوْم المُتَغابِي) مِن أجلِ إبقاء مَتانَة روابِط العِلاقاتِ.

وحَمداً للهِ وشُكراً لَهُ عَلى كُلِّ حَالٍ نَحْنُ فِيهِ.


إرسال تعليق

0 تعليقات