حاورته / د. دنيا علي الحسني
الفنان نصير شمة موسيقي عراقي مؤلف وعازف محترف له مساهمات على المستوى الفني والإنساني العالمي، من خلال نشر الموسيقى وتقديم نتاج فني غني لكثير من البلدان التي تحتاج للموسيقى والتعليم، للنهوض بجيل شباب نحو مستقبل أفضل، وذلك بالتزامه في دعم التربية الموسيقية للشباب في العراق ولغيره من الدول، بجهوده التي لا تنضب من أجل نشر السلام من خلال عروضه الموسيقية، وهو يجوب مدن العالم عازفاً لحن الحضارة العراقية بأصابع سومرية قادمة من أعماق العراقيين جميعاً، حيث عزز مكانة العراق الثقافية والحضارية والإنسانية بين دول العالم كما يعزز صورة بغداد الحضارة والسلام والمحبة .
كان" لموقع ريموت نيوز " شرف اللقاء بالموسيقار العالمي نصير شمة ووجهت له ثمة أسئلة في حوار موسيقي آسر لما له خصوصية فنية راقية ومميزة، ليمدنا بهذه السطور التي تؤرخ عمر اللقاء الذي ينبثق منه المتعة والرؤية بما قاله ووضحه بالإجابة عن تكوينه ورؤيته وعلاقته بالمشهد الفني والإنساني .
* كيف ترى نفسك الآن بعد هذه الرحلة الفنية والإنسانية منذ بدايتك ونشأتك إلى الآن ؟
- أرى أني ولدت في وسط ظروف صعبة وأجواء ساخنة ومحتدمة وحروب، من بداية عمري كتلميذ واستمرت إلى هذا اليوم في العراق، وهذا يرمي بظلاله في واقع الروح والذاكرة مما يؤثر على الفن نتاج الإنسان الذي يقدمه ، كونه ابن بيئته أعتقد إني في كل هذا حاولت أجد الطريق ولم يكن الطريق سهلاً، خصوصاً الثبات على القلب والعقل والروح يحتاجهم الإنسان في إي منطقة يعمل فيها، وأقول هذا الكلام للشباب الذين يريدوا أن يحققوا شيئاً في حياتهم، أولاً: لابد من الإبعاد عن الانتهازية، التذبذب، التلون، العنصرية ويبقى الإنسان ثابت في مبادئه حتى لو كان العالم كله ضده يبقى عنده نوع ليس العناد لأن العناد عادةً يكون على جهل لكن يكون فيه شيء كما يقال في الحكمة العظيمة: "أنا والحق أغلبية" هذه الكلمة يجب يؤمن بها الإنسان الذي يريد أن يرسم مستقبل كبير.
* إلى أي بقعة من بقاع العالم استطعت أن تصل ومعك العود لنشر الثقافة العربية والموسيقى الشرقية عبر مدارس العود؟
- أكملت الطريق الذي بدأه شريف محي الدين حيدر والراحلين جميل بشير، منير بشير، سلمان شكر وغيرهم من أسماء العود الكبار الأساتذة علي الإمام، سالم عبد الكريم روح الخماش، كل هذه الأسماء المهمة التي ظهرت في عالم العود العراقي، أكملت طريقهم لأصل إلى مناطق أخرى في العالم والحمد لله وصلنا إلى معظم الدول التي تهتم بالموسيقى و تسخر ميزانيات لاستقبال الفنانين، خصوصاً إني أسافر ويكون معي دائماً نخبة من موسيقي العالم الكبار فبالتالي هذا يحتاج إلى تنظيم وتذاكر سفر وإقامات وأجور حيث يشكل بالنتيجة مبلغ من المال، إذا ما كانت الدول مهتمة بالثقافة وترصد ميزانية معقولة لمجال الثقافة لا يمكن أن نصل إلى دول العالم بمعنى هذا أحياناً أذهب إلى الكثير من الدول متبرع كونه هذا البلد مهتم بالموسيقى لكن لا يملك إمكانية مالية وهذا أبداً لا يكون عائق أمامي، المهم تتوفر الظروف الفنية الملائمة والمال أخر اهتماماتي مع إنه ضرورة مهمة جداً في الحياة، خصوصاً هناك التزامات إنسانية تتشكل عندي منذ سنين طويلة هذا الأمر مرهق مادياً يبقيني بضنك دائم تقريباً كل عمري لم أحس بالوفرة والثراء إلى هذا اليوم ودائماً ما يشغلني الوضع الاقتصادي يكون بالناقص ومتردي تحت الصفر أحياناً، لأن التزاماتي الإنسانية كثيرة ومتعددة لذلك يحتاج الفنان الذي لديه هذه الصيغة من الحياة التي يختارها يكون له دخل جيد لكن في العائدة مهما يكون الدخل جيد وكبير جداً، هو لا يكفي حاجة العراقيين ولا السوريين ولا الفلسطينيين، من الاحتياجات الإنسانية من دواء وعمليات جراحية والخ.. لذلك وصلت في العود إلى مناطق مهمة أعتبرها لأول مرة من العالم العربي أو الشرق الأوسط وصل لها عازف يحمل آلة مثل آلة العود، لكن مازال هناك طريق طويل إذا عشنا سنواصله وإذ يستحق من يأتي من بعدنا أن يكمل هذا الطريق إن ينظر بإحترام إلى تجارب الأساتذة الذين رحلوا، لأن إحترام تجارب الآخرين جزء من النجاح وعدم الاستهزاء والاحتقار والانتقاص منها هو بحد ذاته منصة يعلو عليها العازف والفنان.
* نصير شمة فنان اليونسكو للسلام ماهي أهم النشاطات والمبادرات التي قمت بها لتعزيز مبادئ وقيم المنظمة في العالم ؟
- تقريباً كل ما قمت به في حياتي المتواضعة كان ضمن أهداف اليونسكو، بالصدفة أو لأننا نؤمن بنفس الأهداف هي الثقافة والتربية والعلوم، بالنسبة لي هذه الثلاثية هي ركيزة الحياة، لذلك عملت على نشر الموسيقى والاهتمام بالآلات القديمة ومنذ بداياتي أسست فرقة البيارق في بغداد وأنا طالب في السنة الثانية بمعهد الدراسات النغمية، هذه الفرقة فيما بعد الحقت بدائرة الفنون الموسيقية، بعد ذلك تركتها وسافرت حيث كانت هذه الفرقة للحفاظ على التراث الشفاهي بالآلات مثل السنطور، الجوزة ، الناي ، والقانون ، والعود والإيقاعات، وغيرها من الآلات العراقية هذا كان واحد من أهداف اليونسكو وبادرت بتأسيس بيت العود والاهتمام بهذه الآلة التي يعود تاريخها إلى العصر الأكدي في العراق 2350 قبل الميلاد، وهذا أقدم ظهور للعود لهذا أسست مدارس العلوم في مجال الموسيقى والتربية وأنشأت جيل كامل من العازفين الشباب يملؤون مسارح العالم الآن، يدرسوا ويقدموا عروض في كل مكان، وكل هذه أهداف أساساً نلتقي عليها مع سياسة منظمة اليونسكو التي تختار بعناية شديدة وبدراسة سفرائها لهذا الموضوع من غير الممكن أن تدخله المجاملات لأن فيه تصويت دون أن يعلم الفنان أنه مرشح أو قبل ذكر أسمه، لكن نجد اليونسكو يبادرون لتعزيز مسيرة الفنان وثباته على أهداف طويلة المدى وكل ما قدمناه تحقق جزء من هذه الأهداف بعد التسمية في 2017 - 2019 قبل أيام بسيطة تم تمديدها هي قفزة على قانون الأمم المتحدة يسمح للسفراء بسنتين فقط ذلك لأهمية المشاريع الثقافية وهذه السابقة حسب علمي أول مرة تحصل بهذا التكليف هو جهد كبير وليس فخراً لكن كون بلدي العراق العزيز يحتاج الى حضور دولي هذا شرف لي وللثقافة العراقية .
* ماهي المبادرات الجديدة لمنظمة اليونسكو في المستقبل ؟
- في الفترة القادمة نوسع دائرة اهتمامنا بربط القارات ثقافياً بمبادرة سيعلن عنها قريباً في باريس المقر العام، بعد ذهابي إلى فرنسا لهذا الغرض، أعتقد ستحقق هذه المبادرة نقلة لإختصار المسافات بين مثقفي العالم، هنا نتكلم عن مبدعين من القارات تجاوز صوتهم المدى ليصل إلى نقاط بعيدة في العالم هؤلاء الذين أثروا وتأثروا بمن سبقهم وأثروا بأجيال يستحقوا أن يكونوا على خط واحد من التواصل ليس خط تواصل إلكتروني بل هي مبادرة شاملة بعد أن يعلن عن تفاصيلها ومناقشتها في اليونسكو مع رئيسة اليونسكو "أودري أزولاي".
* حدثنا عن أهم الإنجازات التي حققتها في مشروع ألق بغداد؟
- بخصوص ألق بغداد المبادرة مستمرة وحققت أهداف ممتازة في وقت كان الجميع مراهن على فشلها بدون أستثناء جميع الأصدقاء الذين يعيشون داخل وخارج العراق، وكل يقيني بالله واعوذ من كلمة "أنا" كان عندي يقين من قوة قلبي وإيماني بأن التجربة ستنجح وطالما العمل نظيف ونقي سينجح بقوة ويحقق أهدافه لتطوير عشرين ساحة في العاصمة بغداد، 10 في الكرخ – 10 في الرصافة تم بالكامل تأسيسها من جديد وتصميمها بطرق وبنى تحتية لم تكن موجودة سابقاً وكانت مدة إنجاز الساحات لم تتجاوز سبعة أشهر، وبدأنا في ترميم وبناء الكنائس المهدمة في بغداد وبوابات بغداد من عدة جهات ومنتزه- 14- تموز، هذا كله يناقش في داخل مقر "ألق بغداد"، بعد ذلك جزء تحقق بأموال المصارف العراقية الخاصة، التي تبرعت فيها بشكل مباشر للساحات ووضعت الأموال في البنك المركزي، ولم يتمكن أي شخص حتى أنا رئيس المبادرة من أن يلمس دينار عراقي واحد من هذه الأموال، لأنها أودعت من المصارف المتبرعين بشيكات إلى حساب "ألق بغداد"، تحت إشراف البنك المركزي واقترحت أيضاً كرئيس للمبادرة نشكل صندوق يغذي مشاريع ألق بغداد، لكن الصندوق ما أن وصل إلى البنك المركزي وأصبحت فيه الأموال من كل المصارف وكل الصرافات كانت شهرياً تستقطع المبالغ بموافقة شركات البنك وأصبح ينفذ المشاريع بنفسه دون الرجوع الى ألق بغداد، لذلك العمل أخذ المبادرة إلى طريق ثاني لم أشاء أن أروج لهذا الموضوع وأنتقده لأنه يخدم بغداد ونحن ليس لدينا أهداف شخصية ولا نعمل من أجل منصب أو مركز، نحن حياتنا منتظمة وطبيعية خارج العراق لكن تبقى عيوننا على بغداد دائماً كلما نشاهد شيء مهم في العالم نتمنى يكون في بغداد والعراق .
* هل هناك مشاريع مهمة وأهداف لم يتم تنفيذها لحد الآن ؟
- هناك مجموعة من المشارع منها مسرح اليونسكو و الباب الوسطاني آخر أبواب بغداد القديمة باب خراسان عمره 1260 سنة، وبعض المشاريع الأخرى الكبيرة جداً أن شاء الله بعد إنتهاء أزمة كورونا في العراق سأعود ويتم إعادة العمل بهذه المشاريع التي توقفت، ونحن أكملنا أوراقها ودراستها وأصبحت جاهزة ولن تستغرق منا غير إعطاء إشارة البدأ، لكن أريد أن أكد لكل المصارف والصرافات التي تعتقد إنها تدفع لألق بغداد، الحقيقة هذه الأموال في صندوق أسمه "تمكين" وهذا الصندوق ليس لي فيه أي علاقة، فقط تربطني بعض الصداقات، أقترح فقط لدعم بعض العروض والحالات للفنانين من هذا النوع ويتم الاستجابة لهذه العروض والأموال تحت سيطرة البنك المركزي و تصرفهم حيث يستقطع من المصارف والصرافات والتمويل داخل صندوق " تمكين"، وليس لنا أي سلطة عليه، لكن المفروض هذا الموضوع يتصلح لأنه غير هذا الإتفاق الذي تم من أجله إطلاق صندوق "تمكين".
*ما منظورك عن الثقافة الكونية وهل ترى أن مهامك بنشر الأفكار الإيجابية والمشاريع للفنون ستحقق نجاحاً ثقافياً لربط القارات عبر مشروع ثقافي كبير تطمحون إليه في اليونسكو؟
-الثقافة الكونية تبدأ بأن تعولم الأفكار البسيطة في بيئتك كفنان وتحول بمهارة وحرفية عالية الأشياء، السهل الممتنع المتوارث كما فعل كوداي في بودابست، حول ألحان صغيرة هنغارية إلى أعمال عالمية وهذه الفكرة الكونية للثقافة حيث تكون الأفكار خارج الصندوق والقفص وخارج البلد والأطر الدينية والسياسية وكل ما هو يعرقل من لا محدودية الفكر وأن تذهب إلى أفق بعيد جداً بروحك قبل عقلك، وهذا يحتاج الى ثقافة حقيقية يحتاج إلى معرفة وإطلاع في تجارب العالم ثم الانطلاق بالتفكير والتنفيذ وتجسيد العمل الفني أرى أن هذا الموضوع جزء من الموهبة، لكن ستقف الموهبة عند حد معين وتنضب إذا لم تدعم بعلم ودراسات وثقافة حقيقية وموسوعية ، لكن بموهبة صغيرة مع أشياء كثيرة وملحقة ممكن أن تحقق أهداف كبيرة هذا في جانب واحد من النظرة الشمولية للفن والثقافة الكونية، الباقي للجهد الشخصي الذي يبذله الفنان ليصل للكون أجمع وتصبح الموسيقى أو أفكاره أو أعماله التشكيلية عابرة للقارات وللذوق المحدود طالما يفكر الإنسان ضمن المحدودية يبقى عمله محدود، يستطيع الفنان المثقف أن يسمح لمخيلته إبتكار الأعمال العجائبية سيصل إلى العالم متى توفر الإتقان ولغة جديدة وحرفية العالية والثبات على وقت طويل لحين يرسخ الشكل الفني الذي يريده، بذلك يستطيع الوقوف على منصة صلبة ويقول للعالم أنا "هنا" وهذه لا تعني ال "أنا" المفردة إنما تعني ال "أنا" في هذه النقطة "الكل" ولا تعني دين أو بلد أو جيل ولا سياسة تعني فكر خلاق يعبر القارات .
*هل توجد علاقة بين آلة العود والصوفية ؟
-العلاقة بين العود والصوفية علاقة وطيدة جداً إذ إن العود ظهر بالمعابد في بابل منذ آلاف السنين، كان العود حكر على كهنة المعبد ولا يجوز نزوله للشارع ولا في الاحتفالات خارج المعبد، إلا بعد سنين طويلة، كان الكاهن هو عازف العود نفسه ولديه عازف ناي وإيقاع، وهذا الثلاثي هو الذي يشكل الجسر لطقوس العبادة ، حينما تشكل العود بشكل فلسفي على أساس كل وتر يمثل جزء مهم في النفس مثل العقل والقلب والروح ثم أضاف له زرياب الوتر الخامس الدموي الذي يحرك كل هذه الأجزاء، إذاً هناك علاقة روحية مهمة جداً وهذه العلاقة تبقى ممتدة حيث نجد حالات وأساليب جديدة تخرج لدى عازفين جدد في كل مكان في العالم، تشبه البصمة التي لا تتكرر من إنسان لآخر، لكن كما قلت العمل الدؤوب والثبات على الهدف والرؤية والحلم بأحلام اليقظة هو يشكل الفارق من واحد لآخر ويعزز المشروع ويلغي مشروع آخر.
*وسط الجدل الذي أشعله الرئيس الفرنسي ماكرون عند لقائه بالفنانة الكبيرة فيروز خلال زيارته إلى لبنان حيث فتح النقاش في الأوساط العراقية عن الشخصية العراقية التي تعادل فيروز في لبنان هل تم إختيار الفنان نصير شمة كأسم يفتخر به العراق أمام الأمم الأخرى ؟
-في بلدنا هناك أسماء كبيرة وكثيرة أفضل مني وتستحق التقدير والاحترام وما أنا إلا حالة وسنبلة صغيرة من سنابل كثيرة مملؤة في العراق، لكن من الخسائر الغير المرئية بالنسبة للعامة خسارة وضع الفنان العراقي الذي عاش داخل العراق والذي خرج خارج العراق من الملحنين لم يستطيعوا العمل وإكمال مشروعهم لأن المشروع يكون أساسه بيئته يحتاج إلى فرق موسيقية من المغنين والملحنين، مثل الطور البغدادي، الريفي ،البدوي، الخ .. كله يحتاج بيئته وناسه ومؤيديه حيث أن أغلبية الموسيقيين والفنانين والممثلين ضاع عمرهم في آخر عشرين سنة بمشاكل العراق حيث كانت الأعمال قبل هذه الفترة جزء منها جيد وأنا اليوم أشعر بحزن كبير لتردي الوضع الفني والثقافي، لذلك وضعنا يد في الدراما الآن حتى يرجع الفنان العراقي يحقق نجوميته التي يستحقها، ونرى الآن ظهرت الدراما السورية ،اللبنانية، المصرية، والتركية دخلت على الخط لكن أين الدراما العراقية وسط كل هذا الحراك وهذه النجومية التي تحققت للكثير من الأسماء، لم نشعر نحو الأفضل والخسائر الفنية كبيرة جداً، التي حصلت في آخر ثلاثة عقود في العراق سيبقى تأثيرها لسنوات قادمة إذا ما كان هناك رؤية واضحة وتخطيط .
*متى سيتم عرض الأعمال الدرامية التي اشتغلتم عليها بالفترة الأخيرة ؟
- سيخرج عمل درامي جديد، لنا يد فيه حيث اشتغلنا عليه في رمضان الماضي إلى اليوم، ويعرض في رمضان القادم إن شاء الله، سيحقق ويعيد التوازن لنجوم وفنانين عراقيين لكل مفاصل العمل التلفزيوني، ومجالات الإضاءة والديكور التلفزيوني ، الإنتاج بمال عراقي وبنفس الوقت سيكون بمشاركة فنانين عرب وسيعرض على أهم الشاشات العربية بمشاركة من كتاب ومخرجين وفنانين من كل مكان، وهذا لنعيد الاعتبار لمكانة الفنان العراقي نتيجة ضياع الرؤية العامة للفن وسط الجهل السياسي لهذه الأمور مما جعل الفن تراجع كثيراً في العراق.
*ما مدى النجاح الذي تحقق من مشروع بيت العود العربي ؟
- نحمد الله على ما تحقق لبيت العود خلال 22 سنة من النجاح المتواصل وتأسيس عازفين وصناع وترسيخ شكل مضمون العود بمواصفات إحترافية على مستوى العالم أجمع اليوم أصبح العود حاضر ولن نخشى على مستقبله لمئتين سنة قادمة، من خلال العدد الكبير من الموسيقيين الذين كان لنا الشرف بتأسيسهم عبر بيوت العود، حسب التسلسل التاريخي، مصر، أبوظبي ،إسكندرية، بغداد، خرطوم، البيت القادم سيكون مفاجأة قريبة جداً وربما سيأخذ أبعاد أخرى منها ترسيخ ثقافة العود، تاريخه، صناعته، بحوثه مهرجاناته وكل ماله علاقة بهذا العالم الجميل، حالياً هناك إهتمام حقيقي من الدكتور حسن ناظم وزير الثقافة، هذا الاهتمام سينعكس لجيل قادم بدور حقيقي، بعد أن تنطلق مجموعة من الأفكار سيكون التعاون بيننا وبين وزير الثقافة واليونسكو في مصلحة الموسيقيين العراقيين والذائقة العراقية والعامة .
*أي أنواع الموسيقى تصنف علاجية وهل الموسيقى الشرقية تعتبر كذلك مقابل الموسيقى الغربية ؟
- حالياً هناك أكثر من أربعين شكل للعلاج بالموسيقى رسمي تدرس لأربعة سنوات بكالوريوس في جامعة المانيا وغيرها من الدول المتقدمة وهذا الشكل موجود عربياً من أيام آبن سينا ربما قبل ذلك، وفي الصين القديمة كان العلاج بالموسيقى وحتى الإعدام بالموسيقى بمعنى يعطى مؤشر إلى تأثير الموسيقى وتغلغلها في الروح من بعض الإيقاعات وبعض الأصوات التي ترفع من ضغط الدم وتجعله يرتفع لدرجة انفجار الأوردة وهذا كان يسمى الإعدام بالموسيقى عمره 5000 سنة في الصين، عندما يكون تأثير الموسيقى سلبي لهذه الدرجة فبالتأكيد تأثيره الإيجابي بنفس الدرجة في العمق والنتائج تكون أفضل بالموسيقى المصنفة لعلاج المتلقي في حالات الاكتئاب والتوحد والكثير من الأمراض كذلك الجنين في بطن أمه بعد أربعين يوم من تكوينه إن بدأت الأم بتشغيل موسيقى موزارت هي المتفق عليها مؤلفات موزارت للعلاج ، يكون الجنين عنده انسجام ذهني ونفسي ليس لديه مشاكل مثل التي يعاني منها الآخرين مثل حالة الإصابة بمرض الاكتئاب، باعتقادي كموسيقي أي عمل فني ناجح يتجاوز عمره ثلاثة عقود يبقى في متناول الناس ومطلوب يستحق الاصغاء والتأمل والاستفادة من بنائه .
*الصلة بين الفن والإنسانية لا يحسها إلا الإنسان الفنان كيف تقرأ رسالتك للأجيال القادمة ؟
- الفن بحد ذاته هو شكل الإنسانية وأفضل نتاج الإنسانية لذلك يقال قول مأثور ويكرر في كل لغات العالم إذا أردت أن تعرف مدى رقي شعب أستمع إلى موسيقاه هي أعلى شكل وليست صلة فقط هي الحالة الجمعية التي يعبر فيها الناس عن مكنونهم الثقافي والحضاري والبيئي فنرى مجتمع الصحراء، الريف، المدن، الحضر، كيف يقدم طور موسيقاه وغنائه والحداثة التي تظهر في البلدان كل هذا هو خلاصة الإنسانية تظهر على شكل فنون، أما بعد؛ رسالتي ستخبرك أن لا تركض وراء السائد والتقليد والموضة دائماً لأنها تذهب وتختفي ، لأن أي شيء يظهر بسرعة يختفي بعد فترة، ما يبقى إلا الشكل الكلاسيكي للموسيقى والشكل العميق للفنون لكن الحداثة مطلوبة، والذين قادوا حركات في مجال الرسم من فنانين كبار كانوا بالأصل فنانين كلاسيكيين بالدرجة الأولى وبعد ذلك تطور مشروعهم شيئاً فشيئاً ثم اختزلت الألوان والخطوط إلى أن وصل - ميرو- فاسيلي كاندينسكي- بيكاسو- وغيرهم وشاكر حسن آل سعيد- جواد سليم - وعلاء بشير- سعد الكعبي هؤلاء رموز الفن في كل مكان بالعالم مروا بمراحل التأسيس الكلاسيكي الذي يدرس فيه تاريخ الفنون والمعرفة هي تنتج خلاصة فن حديث قوي وراسخ، يعيش للمستقبل، المهم أن لا تنظر إلى ما هو موجود اليوم بل كيف سيكون شكل الجمال في الغد وننظر كيف كانت الفنون لآخر مئة أو مئتين سنة وماذا بقي منها آنا ذاك سنعرف كيف نقدر للمرحلة المستقبلية شكل الفنون .
* أهم المستجدات من النشاطات والفعاليات التي قمت بها سفيرنا مؤخراً في المانيا ؟
- ختاماً عزيزتي د. دنيا قدمنا مهرجان أيام الموسيقى العربية من يوم 17- -18 -19 – شهر سبتمبر الجاري وكان هذا المهرجان السنة الرابعة، شارك فيه فنانين تشكيلين د. فاخر محمد رئيس أكاديمية الفنون الجميلة في بابل والفنان محمد الجالوس من الأردن والشاعر الكبير قاسم الحداد من البحرين وشاركنا ثلاثة عروض أخرى كان عرض الافتتاح لي مع سبعة من الموسيقيين من العالم والعرض الثاني لبشار زرقان بنصوص صوفية بغناء وألحان جديدة، والعرض الثالث لقتيبة النعيمي مؤلف موسيقي معاصر عراقي يعيش ويعمل أستاذ بأكاديمية الموسيقى في بروكسل، كل العروض حققت نجاح ممتاز وسط ظروف التباعد، لكن مع ذلك كان العدد المسموح فيه بثلثين المسرح والسنة القادمة سيكون مهرجان أيام الموسيقى العربية 7 أيام بدل 3 أيام هذا بطلب من المسرح بعد نجاح التجربة، وهذه السنة ضيفة الشرف السينما السودانية الفلم الذي حقق مجموعة من الجوائز تم عرضه بالمهرجان لمخرج سوداني حيث دخلت السينما السودانية لاحقاً على السينما و حققت نتائج عالمية سريعة جداً ، كما شارك العراق بعشرة أفلام قصيرة لشباب قدمهم د. حكمت البيضاني وأنا أخترت الأفلام معه ،ومن كل سنة أياماً أسمها الموسيقى العربية لكن هي بالحقيقة للثقافة العربية شارك فيها عدد من الشعراء بقصيدة النثر إضافة للفنانين التشكيليين الذين شاركوا بدورات أربعة سنوات للمهرجان بمختلف الدول العربية، بالنسبة للسينما كانت موجودة بقوة وكل العروض لاقت إهتمام الجمهور وضيوف المانيا وهذا الشيء يعزز من إيماني بأن الثقافة هي واحدة في كل العالم .
" السيرة الذاتية "
الفنان د. نصير شمة ولد بمدينة الكوت العراقية، من مواليد 1963 م ، تخرج من معهد الدراسات الموسيقية ، فاز بجائزة أفضل فنان في العراق.
- حصل على الجائزة الأكاديمية البريطانية / 1998
- حاز على درجة الدكتوراه في الفلسفة الموسيقية / 2017
-أطلق "بيت العود العربي" في بيت الأوبرا بالقاهرة /1999
- مديراً فنياً ل"بيت العود" في أبو ظبي 2008 /
- مديراً فنياً ل" بيت العود" في الاسكندرية / 2011
- مديراً فنياً ل"بيت العود" في بغداد /2018
- أصبح سفيراً لمنظمة اليونسكو للسلام/ 2017-2019
- أعيد تعينه للمرة الثانية سفيراً لمنظمة اليونسكو للسلام/ 2020.
0 تعليقات