د. فاتح عبدالسلام
الرجل كان يتقاضى ٢٣ ألف جنيه استرليني في صحيفة بريطانية مقابل أربع مقالات في الشهر، حين كان وزيراً للخارجية، أما وقد أصبح بوريس جونسون رئيساً للحكومة البريطانية فإنّه تخلّى طوعاً عن عمله الصحفي، ولم يبق له سوى راتبه السنوي في هذا المنصب الرفيع وهو مائة وخمسون ألف جنيه استرليني وبضع مئات. يكاد الرجل يعيش بالكفاف اليوم في احد أغلى البلدان بالعالم، مع نفقة زوجية سابقة وستة أطفال بينهم رضيع ومتطلبات زوجة المسؤول الاول. وبحسب صحف لندن فإنّه ينتظر الفرصة ليغادر منصبه المثقل بالهموم، ويحظى بمعاملة خاصة في أجور المحاضرات في أية جامعة بريطانية أو مركز أبحاث عالمي تصل الى مائة الف جنيه استرليني للمرة الواحدة كما فعل ونال من سبقه في المنصب.
الرجل صعد الى المنصب في تنافس انتخابي نزيه، ليعيش طوعاً في ضائقة مالية من أجل أداء خدمات لبلده من موقعه الوظيفي السياسي المتقدم. هذا هو مجال المقارنة مع ما يجري في بلداننا، لنرى كيف في العالم المتقدم يزدادون تقدماً يوماً بعد آخر، وكيف نزداد تخلفاً وتراجعاً في بلداننا التي كانت حواضن لأعظم قيم انسانية منذ فجر التاريخ مروراً بمسلّة حمورابي الخالدة وصولاً الى الاسلام العظيم.
العراق بوصفه المكان الوحيد الذي شهد أسوأ كارثة قيمية تفشت بفعل السياسيين واخلاقهم ومواقفهم وعلاقتهم مع الشعب، لايزال مليئاً بالطفيليات المتشبثة بقوة السلاح وسواها من عناوين وألقاب بسلطات مختلفة ونافذة، لذلك لا يبدو مستقبل البلد واضحاً، لا يبدو هناك نور في نهاية النفق بكل صراحة، والمجال غير متاح للتفاصيل هنا، بالرغم من خطوات وظيفية صحيحة اتخذت رسمياً في الشهور الثلاثة الاخيرة، لكن هذا لا يكفي لإزالة الخراب واعادة بناء بلد، لا يكون على ترابه الطاهر نائب راضع من ثدي عهر الفساد ولا سياسي يتزعم عصابة مختطفاً عنواناً من دستور يرتجف فيُهيمن على حصص وزارية أو برلمانية أو إمتيازية في أي مكان من العراق.
دماء زكية طاهرة من انتفاضة تشرين أريقت، ولم ينظف العراق. فماذا عسى هذا البلد الحزين أن ينتظر من حدث لينظف؟
0 تعليقات