تعديل أم عبث دستوري في الجزائر؟

مشاهدات



حميد زناز


إلى جانب رداءة الشكل والمضمون الواضحة للجميع فإن تعديل الدستور في الظروف الصحية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تمر بها الجزائر هو كوضع جَبيرة من الجبس على رجل من خشب.

رداءة في الشكل والمضمون

بغض النظر عن مصادقة مجلس وطني ومجلس أمة فاقدين لكل شرعية على التعديل الدستوري في الجزائر، وبغض النظر عن فضائحهما وعن استغلال رمزية أول نوفمبر لطرحه للاستفتاء، لا يتطلب الأمر من المراقب أن يكون خبيرا في القانون الدستوري ليعرف بأن هذا التعديل هو بمثابة دستور مفخخ كتب بطريقة متسرعة لحاجة سياسية ظرفية تخدم النظام أكثر من أي شيء آخر، كما تدل على ذلك أيضا الركاكة التي صيغ بها والثغرات والأخطاء الفنية والمسائل المغيبة والتناقضات التي يعج بها.

من الناحية الشكلية، نعثر على أمور مضحكة مبكية، فالفقرة الثالثة من المادة 96 تحيل إلى أحكام المادتين 98 و99 وتقول “أعلاه” فكأنهما سابقتان على المادة 96!

كما تحيل إلى الفقرتين 9 و10 من المادة 95 في حين أن الفقرتين غير موجودتين أصلا، إذ لا تتضمن هذه المادة سوى 5 فقرات. أما المادة 131 فتحيل على المادة 134 وتقول “أعلاه” أيضا بدل “أدناه” كما في حالات أخرى كثيرة.

وتشير المادة 110 في فقرتها الثالثة إلى فقرة رابعة غير موجودة، ويتكرر الأمر في مرات عديدة. ومن الغريب أن تحيل مادة على نفسها كما هو الحال في المادة 115 التي تحيل على المادة 115!

في المادة 94 يستعمل المحررون عبارة غامضة، كي لا نقول لا معنى لها في العربية، عندما يكتبون في الفقرة الأولى: إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، تجتمع المحكمة الدستورية بقوة القانون وبدون أجل. فما معنى عبارة “بدون أجل” سوى أنها ترجمة حرفية للعبارة الفرنسية التي تعني “فورا”، وهذا دليل آخر على أن النص كتب باللغة الفرنسية ثم ترجم إلى العربية، كما جرت العادة دائما، في حين أن كل الدساتير تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ولا ذكر للغة الفرنسية على الإطلاق في حين أنها هي اللغة الرسمية المعتمدة عمليا.

أما من ناحية المضمون فلم يفعل محررو الوثيقة سوى تأكيد، وفي بعض الأحيان تعقيد، ما كان موجودا في الدستور السابق من عوائق أمام الانفتاح الديمقراطي، فمثلا تقول المادة 186 إن المحكمة الدستورية تتكون من 12 عضوا، 4 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم رئيس المحكمة. فكيف يمكن أن يقوم هذا الأخير بمهامه باستقلالية وحياد وهو المعين من طرف رئيس الجمهورية، الذي يمكن أن يعزله من منصبه في أي لحظة؟ أليس من الأجدر أن ينتخب من طرف أعضاء المحكمة كما هو الحال في تونس والمغرب ضمانا لاستقلاليته؟

في المادة 87 يشترط على المترشح للانتخابات الرئاسية أن يدين بالإسلام. فكيف يمكن أن نعرف إن كان المترشح كذلك أم لا؟ ألا يمكن أن يتخذ هذا الشرط كطريقة لإقصاء مترشح أو مترشحة ما دام لا وجود لأي وثيقة رسمية تثبت أن هذا مسلم وهذا غير مسلم في الجزائر إذ لا تمييز في القوانين الجزائرية ولا في أعراف الدولة أي تمييز بين المواطنين على أساس الدين. وبغض النظر عن هذا الارتباك، هل يسعى الدستور إلى إقامة دولة المواطنين أم المؤمنين؟

نقرأ في المادة 94، وتحديدا في فقرتها الرابعة أنه في حالة استقالة رئيس الجمهورية وإثبات الشغور، يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما. فلماذا تسند الرئاسة إلى شخصية غير منتخبة؟ أليس من المنطق الديمقراطي أن يتولى رئيس البرلمان المنتخب المنصب في انتظار إجراء انتخابات رئاسية؟ لا تشير المادة المذكورة أعلاه إلى جهة طبية ذات صلاحيات دستورية تسند إليها مهمة إصدار شهادة طبية تثبت أن الرئيس لا يستطيع ممارسة مهامه. وهو فراغ واضح عانت منه الدولة الجزائرية إثر مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة والذي بقي سنوات في الرئاسة مريضا مشلولا.

تقول المادة 200، وهي مادة جديدة “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات مؤسسة مستقلة” ومباشرة في المادة 201 تقول الفقرة الأولى إن رئيس الجمهورية هو الذي يعين السلطة الوطنية للانتخابات وأعضائها. فأين الاستقلالية ما دام رئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيسها وأعضاءها؟ وما الضمان في إجراء انتخابات نزيهة ونظيفة؟ وتتعارض المادة 92 والمادة 181 تعارضا صارخا، فالأولى تقول إن رئيس الجمهورية هو الذي يعين القضاة، بينما تقول المادة الثانية إن مجلس القضاء هو الذي يعين القضاة.

وما يثير التعجب حقا هو اعتماد تسميتين لمنصب واحد؛ نقرأ في المادة 103 الجديدة والركيكة “يقود الحكومة وزيرا أولا، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية يقود الحكومة رئيس حكومة، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية”.

في حقيقة الأمر لم يكلف المحررون أنفسهم عناء التركيز حتى في صياغة هذه الوثيقة الأساسية، ولم تثر انتباه مجلس الوزراء الذي اعتمدها لا رداءتها الشكلية ولا انتفاء منطقها القانوني والسياسي.

وبغض النظر عن رداءة الشكل والمضمون، فإن تعديل الدستور في الظروف الصحية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تمر بها الجزائر هو كوضع جَبيرة من الجبس على رجل من خشب.

إرسال تعليق

0 تعليقات