التفاهة والفراغ الفكري في ظل العصر الرقمي.

مشاهدات



يوسف أسونا


يمكن الجزم أن  التواصل الإجتماعي بٱختلاف وسائله وتطبيقاته ،جزء لايتجزأ من الإعلام الرقمي ،الذي أفرزته التطورات السريعة التي لحقت بتكنولوجيا الإعلام ،ولاننكر أن مواقع التواصل الإجتماعي تساهم في تقريب المسافات بين مؤسسات الإعلام من جهة والجمهور من جهة أخرى ،كما لها مساهمة أيضا في جانب مهم هو التواصل الإفتراضي ،إذ حولت العالم بأكمله الى أشبه بقرية صغيرة يتواصل من خلالها الناس بٱختلاف ثقافتهم ،ألوانهم، ديانتهم وبلدانهم ،أي بالأصح غدت مواقع التواصل الإجتماعي في ظل العصر الرقمي ،سلاحا عابرا للقارات ،تعمل على إيصال الرسائل والأخبار والصور في وقت قصير ،وتحظى بأهمية كبيرة من لدي الجماهير الشعبية التي تعتبرها كمصدر لمتابعة الجديد في شتى المجالات بتنوع مفرداتها «سياسية،اقتصادية،ثقافية..الخ»،ولعل أهم مواقعها التي يلتف حولها سكان العالم بتنوع ٱهتماماتهم وميولهم ومشاربهم :اليوتيوب الذي أصبح بلامبالغة رفيق الفرد في يومياته كما أنه استولى على أهمية كبيرة في عالم الإعلام ،حسب ٱحصائيات حوله يجذب حوالي ملياري مستخدم شهريا على وجه الدقة ،الا أن اليوتيوب الذي هو جزء لايتجزا من مواقع التواصل الاجتماعي طغت عليه السلبيات لابد من الإضاءة عليها كغياب الموضوعية والمصداقية في محتوايات اليوتيوب التي يتم نشرها بدون خضوعها لمعايير ولالضوابط النشر وتقديم المادة ،وأصبح أيضا وسيلة يعمل من خلالها أصحاب الآراء الشادة والأفكار المدمرة على تضليل وتوجيه الرأي العام.

يمكن الجزم أن اليوتيوب حيز إلكتروني لكي يستثمر فيه كل شخص أي «يوتبرز» ،إلا أن إحراز النجاح داخل هذا الحيز لايأتي بالتطفل على خصوصيات الأفراد والمتاجرة بها ولابالإنتهازية بل يستوجب ذلك المهنية والعمل المستمر لتنمية الأفكار والقدرات والتعريف  بالمفكرين والنوابغ والعلماء وبإنجازاتهم على اوسع نطاق بدلا من رميهم في صحراء الإهمال ،والتشهير بالحمقى والمثليين والتافهين الذي احتلوا منصة اليوتيوب «الطوندونس» ،ٱكتسبوا الشهرة والنجومية من أعمال سخيفة كفيديوهات الفضائح (فضيحة جنسية ،الإعتداء على أغراض الناس....الخ) كما ان منشوراتهم تحصد ملايين المشاهدات في غضون ساعات أي أن المعيار الوحيد للشهرة في العالم الإفتراضي هو الطوندونس.

والمثير للتذمر ،أن اليوتيوب أضحى حاليا مرتعا لنشر التفاهة والتسطيح والراداءة والمتاجرة بالأفراد ،وذلك بسبب تدني الوعي الفكري والثقافي لدى الجماهير والإنتهازية المتجذرة في نفسية صانعي المحتوى مما ينعكس سلبا على مكونات الثقافة الفكرية التي تسير نحو التلاشي وفي المقابل يتم تشجيع التفاهة والنكوص والرداءة والإحتقان والتنازع من طرف أفراد المجتمع نظرا لميولهم لماهو جنسي وتافه والمثير للدهشة ،أن التفاهة داخل المجتمع مفتعلة يتم دعمها من طرف الحكومات والشركات التجارية من اجل ٱستحمار الشعب وقتل الذائقة وإهمال المفكرين من أجل السيطرة على المجتمع فما يخدم مصالحهم وتكديس الثروات والأموال.

والمثير للإستياء ،أن موقع اليوتيوب الذي كان يجب أن يكون موقعا لتبادل الأفكار الإيجابية والمتنورة التي تأتي بالفائدة لإنسان من أجل التقدم لمواكبة العالم والسير بخطى تابثة نحو التقدم والرقي ،أصبح الأن مستنقعا لإسترزاق والتعيش من تمثيليات رديئة المحتوى واللهث وراء الفضائح..الخ.

وإن ٱختزال هدف هذه الوصولية على مواقع التواصل الاجتماعي بالجري وراء أرباح مالية جراء المشاهدات ،الذي يعتبر تهديد للتماسك المجتمعي المبني على الأخلاق والقيم،علاواة أن هذه التفاهة الطاغية ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمع وجعلت هذا الأخير يعود سنين الى الوراء ويتخبط في ظلمات التخلف والجهل .

وفي الأخير ،يمكن القول أن الكل مسؤول عن الميوعة والرداءة التي تطال الحياة الشخصية لأفراد ،وعلى القائمين على الأمن الاجتماعي والقيمي محاربة هذه الظاهرة المفتعلة ،الاأن هذه الجهود تبدو ضعيفة لأن الداء متجذر في الطبيب الذي من المفترض أن يقدم الدواء.


إرسال تعليق

0 تعليقات