حكومة الكاظمي..بين الورقة البيضاء ..والواقع الاسود..

مشاهدات




ثائرة اكرم العكيدي ..


باتت كل الدلائل والمؤشرات تدل على أن العراق أمام أزمة اقتصادية معقدة ويصعب حلها  بل تنذر بكارثة الإفلاس وانهيار البنى المؤسساتية والاجتماعية.

ومع مرور الوقت تتجلى انعكاساتها بشكل أكثر وقعا على الحياة اليومية للفرد.

ان العراق اليوم ما بعد خمس حكومات متعاقبة مدان بـ120 مليار دولار ، وغير قادر على سداد رواتب موظفيه الذين يصل عددهم الى نحو 7 ملايين موظف، بحسب أرقام رسمية. وأن الحكومات ما بعد العام 2003، افتقرت إلى الرؤية الاقتصادية والسياسية التي من شأنها وضع البنى التخطيطية الأساسية لرسم آفاق المستقبل ومواجهة

 التحديات.

تراكم الأخطاء في المناهج السياسية، التي حكمت البلاد منذ 2003، انتهت  إلى وصول العراق لخيارات قلقلة ومميتة، تمثلت برهن اقتصاده بالقروض وإهدار ثرواته بين الأحزاب الفاسدة التي استطاعت الوصول إلى السلطة عقب سقوط النظام السابق .

ورغم الثروات الطائلة والأرض الغنية بالنفط والفوسفات والزراعة، وتنوع مصادر الموارد بحكم تضاريس وموقع العراق الجيوسياسي، فإنه يصنف ضمن الدول الأكثر فقراً وفساداً وخراباً.

التمادي  مع الفساد دون إيجاد آليات قانونية وتشريعية رادعة طوال السنوات السابقة أسهم في إفلاس الخزينة العراقية ذات الموازنات الانفجارية الضخمة والأرقام الفلكية التي اقتربت من 500 مليار دولار خلال السنوات التي أعقبت الغزو  الأمريكي 2003.

وهاهي الورقة البيضاء التي اطلقتها الحكومة والتي تخص لإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية  هي بمثابة خارطة طريق جديدة وفق ما تراه من أجل التحرر المالي والذهاب لتنويع موارد الموازنة العامة.

ولخصت الورقة البيضاء خلفيات المشكلة الاقتصادية في العراق بـتوسيع دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع خاصة رواتب الموظفين والمتقاعدين التي نمت بنسبة 400% خلال المدة 2004 – 2020، على حساب الانفاق على البنى التحتية وبناء رأس المال الثابت في البلاد  وادى هذا الوضع الى قطاع خاص مضمحل وسوق عمل تميل الى التوظيف العام و الى الاستمرار المفرط في الاعتماد على عائدات النفط

وأن ترهّل الدولة العراقية بالكادر الوظيفي يعود إلى هيمنة القوى السياسية على الوزارات وإطلاق التعيينات لـ محازبيها على حساب السياسة المالية المخصصة لكلّ وزارة.

لقد واجه العراق خلال السنوات الماضية زيادة كبيرة بالمصروفات الحكومية من خلال زيادة الموظفين وزيادة سلم الرواتب بشكل غير مدروس، كما أن عدم وجود نظام رقابي صارم ساهم في استهلاك جزء كبير من عائدات العراق في قضايا الفساد"، وأيضا فإن الحرب على الإرهاب استهلكت جزءا كبيرا من الأموال.

في كل عام يقوم العراق بإضافة المزيد من العبء على الموازنة من خلال إضافة آلاف الموظفين إلى جيش من مستلمي الرواتب من الدولة، وأغلب هؤلاء الموظفين يقومون بأعمال يومية لساعات قليلة جدا تكاد تكون معدومة.

وكانت الحكومة العراقية قد اقترضت نحو 19 مليار دولار من خارج البلاد وداخلها، لمعالجة الأزمة المالية الخانقة جراء انهيار أسعار النفط ولتأمين رواتب الموظفين لثلاثة أشهر، وجاء ذلك بإجماع نيابي، في 24 حزيران (يونيو) الماضي.

ويعتمد العراق على عائدات بيع النفط لتمويل نحو 95% من نفقات الدولة في حين فشلت الحكومات السابقة والحالية في تنويع الموارد المالية للبلاد من حيث الصناعة والزراعة.

وحسب محللين اقتصاديين ان زيادة  الاقتراض عن ارقام معينة فستكون له انعكاسات سلبية على الوضع الاقتصادي للبلد وخاصة ما يتعلق باسعار المواد ويمهد للتضخم ويجب ان يكون بحد معين لا ان يكون الاقتراض إلى ما لانهاية.

ان الاعتماد على النفط ليست تجربة فاشلة، لكن يجب تسخيره في قطاعات اقتصادية أخرى، فسوء الإدارة والفساد وصل بالعراق إلى ما نحن عليه الآن، وعملية تحويل الاقتصاد العراقي من ريعي يعتمد على النفط ليس بالعملية السهلة فهو يحتاج إلى كفاءات وحكومة نزيهة، وبالعموم أن نبدأ الآن خيرا من لا نبدأ.

انتقال العراق من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع ضرورة إستراتيجية، من خلال استثمار ما لدينا من قدرات في قطاعات كثيرة، ومنها الزراعة والصناعة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي الذي سيوفر ثلاثة أمور إيجابية ومهمة، هي امتصاص البطالة وإتاحة العملة الصعبة ناهيك عن تداعياتها في دعم سعر صرف الدينار وجعل مستوى مواجهة الانتكاسات الأقوى محتملة.

بأختصار أزمة الرواتب لن تحل ما دمنا نعتمد على النفط بنسبة كبيرة جداً في تمويل ميزانية البلاد.

لقد أصبح الحديث عن إنجازات الحكومة الحالية مقتصرا على صفحات التواصل الاجتماعي والكروبات الممولة والموجهة  فالشارع العراقي بات يدرك جيدا بان أهم تلك الإنجازات لم تتحقق سوى على صفحات الشاشات الزرقاء  الفيسبوكية والا بماذا نعلل تأخر الرواتب وعدم حسم ملف المنافذ والتعاملات النفطية مع إقليم كردستان والموازنة الاتحادية لعام ٢٠٢٠ وأخيرا الإتفاق بشأن قضاء سنجار السؤال هنا هل ان حكومة الكاظمي أرتكبت خطأ جسيما بإطلاقها الوعود غير الواقعية وشبه مستحيلة التنفيذ في هذا الوقت المستقطع من التاريخ حكومة مؤقتة

ان ما يجري الآن هو ضمن سلسلة خطوات غير مدروسة على الأصعدة كافة ومنها الجانب الاقتصادي الذي لغاية الآن لم تتبين ملامح الورقة البيضاء للإصلاحات الاقتصادية التي على ما يبدو هي الأخرى جرى توظيفها في سياق الدعاية والوقود الانتخابي.

العراق اليوم لديه عجز كبير يصل إلى ثلثي الموارد المطلوبة للنفقات التشغيلية، والأمر يتطلب المزيد من التدقيق في الإيرادات غير النفطية، وحتى بالنسبة الإيرادات النفطية، الأمر يحتاج إلى الكثير من التدقيق في العقود وكذلك متحصلات الضرائب والجمارك.

إن كل الكلام عن إمكانية رفع الواردات غير النفطية مجرد خيال لا يمكن تحقيقه بين ليلة وضحاها فالسيطرة على المنافذ الحدودية يتطلب الكثير من الجهد والوقت وتفعيل نظام الضرائب يحتاج الى تطوير الأنظمة العاملة فلا نتوقع امكانية رفع الواردات من هذين الجزئين خلال فترة قصيرة .

الفلسفة الاقتصادية على وجه الخصوص في العراق ماتزال مضطربة ومشوشة وغير واضحة المعالم فمن يتابع مجريات الأحداث التي تدخل في عملية البناء الاقتصادي نجد أن القائمين على مصادر القرار أدخلوا البلاد في سياسات ركيكة ما بين الاتكاء تارة على الفهم الاشتراكي وتارة الانفتاح الحر أمام الأسواق العالمية، وهي حالة تأزم واضطراب في عقلية المخطط الحكومي

 وان أغلب القوى السياسية تعاملت مع المال العام وكأنه غنيمة وهم من يتحملون ما آلت إليه الأوضاع في البلاد.

 فالذين اوصلوا الوطن  إلى أقصى وأقسى حالات الفشل، مازالوا اليوم في منصة القرار وينبرون بتقديم الحلول والمعالجات..

ورغم أن حكومة الكاظمي التي أفرزتها مظاهرات  تشرين الأول المنددة بالفساد وسطوة المليشيات قدمت تعهدات بمعالجة الأزمات.

الوطن اليوم لم يعد بحاجه إلى دواء بل إلى استئصال أعضاء فسدت واستبدالها باعضاء نظيفة فاعلة تعيد الحيوية لجسد الدولة وتؤسس لمرحلة بناء المجتمع.العراق اليوم باشد الحاجة  إلى استراتيجية اقتصادية عمادها التخلي عن السياسيات الأحادية وجلب الشخصوص المتخصصة والوطنية والحديث عن منجزات حقيقة ملموسة من الشعب العراقي...

إرسال تعليق

0 تعليقات