بهاء العوام
أي خطوة نحو استعادة حلم الدولة الكردية وتشييدها من وجهة نظر الأكراد عمل يستحق الجهد والتعاون مع الولايات المتحدة بل يمكن التحالف.
نجاح تجربة الأكراد شمال العراق، شجع الغرب على دعمهم شمال شرق سوريا
في إطار استعدادها أو تهديدها بمواجهة مع إيران فوق الأراضي العراقية، تخطط الولايات المتحدة لنقل سفارتها إلى إقليم كردستان شمال البلاد. ربما لن تقع هذه المواجهة، وقد تمر بحدود غير ملحوظة من الاحتكاك بين الطرفين، ولكن النية الأميركية تستحق التأمل بما يخص العلاقة مع أكراد العراق والمنطقة ككل.
التفضيل الأميركي للأكراد في الشرق الأوسط لم يعد خافيا على أحد، ولا نبالغ بالقول إن هذا التفضيل ينطوي على جزء يسير من المنطق من وجهة نظر دولة تضع مصلحتها فوق كل اعتبار. لا دخل لهذا بأي أبعاد تثير حفيظة البعض، وإنما هي نظرة واقعية لأولئك الذين أحسنوا التعامل مع أجندة واشنطن في المنطقة.
لقد نجح الأكراد حتى الآن بمقاربة مصالحهم مع المصالح الأميركية في المنطقة. أجادوا أكثر من غيرهم المقايضة معها وتبادل المنفعة. صحيح أنها لم تكن صادقة معهم دائما، وهم لم يكونوا أوفياء لها بشكل صرف ولا يقبل الشك، لكن النتيجة هي أنهم الآن يتمتعون أكثر من غيرهم بالرعاية والحماية الأميركية في المنطقة.
سهل الأكراد للولايات المتحدة احتلال العراق مقابل الحصول على إقليم ذاتي الإدارة. فعلوا الشيء ذاته في سوريا، ولكن الإدارة الأميركية برئاسة باراك أوباما لم ترد إكمال الطريق كما فعلت إبان حكم جورج بوش الابن، واكتفت فقط بالسيطرة على مناطق شرق الفرات التي تعتبر سلة الغذاء والطاقة للدولة السورية.
في سياق سرد الوقائع بشفافية، لا بد من القول إن كل من أراد الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق، من أكراد وسنة وشيعة وغيرهم، تعاون مع الأميركان عام 2003. كذلك فعل من أرادوا الإطاحة بالرئيس بشار الأسد عام 2011، فجميعهم مدوا أيديهم لأميركا وعرضوا عليها التعاون بكل صدق نية وطيب خاطر.
الفرق بين الأكراد وغيرهم ممن تعاونوا، أو أرادوا التعاون، مع الأميركيين سواء في سوريا أو في العراق، هو أنهم كانوا يعملون في ظل مشروع قومي يجمعهم، أو على الأقل يجمع الأكثرية الساحقة منهم. أما المعارضون لهذا المشروع فإما أنهم صمتوا بإرادتهم، أو فعلوا ذلك تجنبا للإضرار بالمصلحة الكردية العليا.
لطالما كانت الصورة أكثر وضوحا بالنسبة للأكراد في ما يريدون نظير تعاونهم مع الولايات المتحدة. ولطالما كان المقابل الجماعي العام وليس الفردي الخاص، هو العنوان الأبرز لهذا التعاون. لا يعني هذا أنه لا يوجد انتهازيون بين ساسة الأكراد، ولكن هؤلاء يمارسون أنانيتهم تحت سقف المصلحة العليا وأولويات القومية.
حلم الدولة الكردية يرفرف في أذهان الجميع حلم الدولة الكردية يرفرف في أذهان الجميع
ثمة حلم الدولة الكردية الذي يرفرف في أذهان الجميع. وأي خطوة نحو استعادة هذه الدولة وتشييدها فوق مساحات من إيران والعراق وتركيا وسوريا، عمل يستحق الجهد والتعاون مع الولايات المتحدة أو غيرها من دول العالم. ومن وجهة نظر فئة واسعة من الأكراد، يمكن التحالف مع الشيطان في سبيل تحقيق هذا الحلم.
ليس بالضرورة أن يكون مقابل التعاون مع الخارج خطوة كبيرة على طريق استعادة الدولة الكردية كما حدث في العراق. فأي دعم من أميركا أو غيرها، لاسترداد حقوق جغرافية أو سياسية أو ثقافية “ضائعة” للأكراد تحت حكم الإيرانيين أو الأتراك أو العرب أو الأرمن، هو دعم مرحب به ويستحق التفكير والمبادرة.
ولا يحمل حلم الدولة الكردية ملامح دينية أو قومية متطرفة قد تخيف دول العالم وتجعلها تنفر منه. كما أن تجربة الحكم الذاتي للأكراد في العراق، وبدرجة أقل في سوريا، عكست قدرتهم على إدارة شؤونهم وتحويل مناطقهم إلى أماكن جاذبة للاستثمار الأجنبي، واحتواء قيم المدنية والانفتاح والعلمانية والتطور العلمي.
ولا شك أن نجاح تجربة الأكراد شمال العراق، شجع الغرب على دعمهم شمال شرق سوريا. ربما لو كان دعمهم بذات الآلية ممكنا في تركيا وإيران، لما تردد الأميركيون والأوروبيون في هذه الخطوة. ولكن هذا سيؤدي إلى زعزعة أمن المنطقة برمتها. وسيجلب إليها المزيد من الفوضى التي لا يبدو أنها تخدم أحدا حاليا.
ربما لو كرر التاريخ نفسه، وأتيحت فرصة مشابهة لما كان قبل توقيع اتفاقية لوزان عام 1923، لسمح الغرب بإقامة دولة كردية في المنطقة. لا أحد يدري، قد تحمل للعالم ما هو أفضل من ثورة الخمينيين وعثمانية رجب طيب أردوغان، أو تكون إسرائيل أخرى لشعوب الدول الأربع التي يحلم الأكراد بالاستقلال عنها.
ما هو واضح للعيان أن الأميركيين والغرب عموما، باتوا يفضلون التعامل مع الأكراد على أي مكون عربي في العراق وسوريا. وعندما يفكرون بنقل سفاراتهم من بغداد إلى إربيل، ويهبون القامشلي حقولا نفطية وأسلحة، فهذا يعني أنهم يؤسسون لعلاقة طويلة الأجل مع الأكراد على عكس رغبة الكثير من دول المنطقة.
يرحب الأكراد في الدولتين بهذه العلاقة مع الولايات المتحدة، رغم أنهم لا يثقون بالأميركيين الذين تخلوا عنهم مرتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط. الأولى عندما عارضوا بشدة استقلال كردستان العراق عام 2017، والثانية عندما سمحوا للأتراك بغزو مناطق شرق الفرات في سوريا خلال أكتوبر عام 2019.
تعلم الأكراد من هاتين التجربتين، وما سبقهما من دروس وقعت على مدار أكثر من مئة عام، كيف يتركون لأنفسهم أبوابا خلفية للهروب من “خيانة” الغرب لمشاريع استقلالهم. ولكن ذلك لا يلغي حقيقة أن نقل السفارة الأميركية من بغداد إلى إربيل، سيفتح فصلا جديدا من التفضيل الأميركي للأكراد، لن يكون عابرا ولا هامشيا.
0 تعليقات