فاروق يوسف
كل ما قامت به حكومة الكاظمي كان مخيبا للآمال إلى أن وقعت الضربة القاصمة حين عجزت تلك الحكومة عن تسديد رواتب موظفيها والمتقاعدين.
رؤية محدودة للإنقاذ
تسدّ الحكومة العراقية النقص بالنقص. هو ما سمح به خيال زعيمها لكي يكون الحل المؤقت بمثابة تلويحة وداع تستلم نتائجها أي حكومة مقبلة.
لا يوجد ارتجال في الأمر. كل شيء مدروس. كل حكومة ترحّل مشكلاتها إلى الحكومة التي تليها حتى ضاقت الأرض بالهاربين ولم يعد سوى الانزلاق إلى الهاوية التي لطالما حذر منها المعنيون في مجال الاقتصاد.
ما الذي يعنيه مفهوم الانزلاق إلى الهاوية سوى ما يجري الآن؟
حكومة تسعى إلى حل مشكلة اقتصادية من غير أن تملك كادرا مؤهلا، خبيرا في الشؤون الاقتصادية. هي ذاتها الحكومة التي تناور في السياسة من غير أن تملك خبراء في السياسة.
لا تختلف حكومة الكاظمي عن الحكومات التي سبقتها. ربما كانت أفضل منها، غير أن المشكلة تكمن في أن طوق النجاة أكبر من قدرتها على أن تعثر عليه. فهي لا تراه، فكيف تمسك به وتلقيه للغريق؟
الأمر يتطلّب حيلا من نوع مختلف عن تلك الحيل التي مارسها ويمارسها الكاظمي وأفراد حكومته. تلك حكومة مجهضة. فشلها في الاقتصاد هو جزء من دورة الفشل الذي توجته علاقتها بالميليشيات التي يزداد عددها وتتسع دائرة خطرها من غير أن تملك الحكومة جنديا واحدا يمكن أن يُقال إنه يتمتع بالروح العسكرية الوطنية.
من غير جيش كيف يمكنك أن تتحكم في حركة حملة السلاح الذي يُسمى غير شرعي بعد أن صار هناك سلاح شرعي وهو سلاح الميليشيات التي انتقلت إلى العمل السياسي وصارت تقترب شيئا فشيئا من قطف ثمرة “نضالها”.
من المؤكد أن الكاظمي مثله مثل سواه لا يبحث عن شيء اسمه النجاح في مقابل الفشل المستديم. فالمفهوم الذي صار مقبولا هو “حكومة فاشلة يمكنها أن تدير شؤون دولة فاشلة أما شؤون الشعب فإنها تُدار بعيدا عن مفهومي الفشل والنجاح. هناك آلية يطحن الشعب من خلالها مشكلاته فيصل إلى النقطة التي بدأ منها”.
لذلك فإن القول إن مصطفى الكاظمي قد خدع جمهور المحتجين فيه الكثير من الغلاظة وإنكار الواقع. فالرجل لم يخدع أحدا. ولو كان في إمكانه أن يفعل ذلك لبادر إلى خداع الأحزاب والكتل السياسية من أجل أن يحصل منها على نتائج أفضل من تلك التي حصل عليها والتي ألحقته بسجل الفاشلين في وقت قياسي.
أما أن يكون بريئا، فذلك استنتاج أبله.
ربما لا يجيد الكاظمي اللعب في مناطق هي في الحقيقة لا تقع ضمن دائرة التكليف الذي مارس بموجبه مهامه. وهو ما قاله أحد زعماء الميليشيات. وربما أيضا لأنه يعرف مؤهلاته جيدا والتي لا تسمح له بتأليف كتلة سياسية تقف في مواجهة الأحزاب والميليشيات في وقت واحد.
تواضعُ الرجل جاء مصحوبا بتواضع أدائه الحكومي. فلا الإصلاحات وجدت طريقها إلى التنفيذ ولا محاربة الفساد تمّت ترجمتها واقعيا من خلال القبض على الفاسدين ومحاكمتهم واسترداد الأموال المنهوبة منهم.
كل ما قامت به حكومة الكاظمي كان مخيّبا للآمال إلى أن وقعت الضربة القاصمة حين عجزت تلك الحكومة عن تسديد رواتب موظفيها والمتقاعدين. يومها حانت لحظة الحقيقة. لم يكاشف الكاظمي الشعب بحقيقة المأساة الاقتصادية بل ذهب إلى مجلس النواب مستجديا عطف الأحزاب التي كانت السبب في ما انتهى إليه العراق من وضع مزرٍ على مستوى قدرته على أن يحفظ كرامة مواطنيه.
لقد كان صراعا يدعو إلى الخجل لشدة ما انطوى عليه من ضعة كونه دمر الحلم الأخير الذي كان لدى العراقيين في أن يخرجوا من أزماتهم من غير أن يهدموا الدولة ويعصفوا بما تبقى من المؤسسات.
لقد تبيّن لهم بعد صبر طويل أن الأحزاب لا تبحث عن فرصة أخيرة. وأن ما يُسمى بخشبة الخلاص هو مجرد وهم. وأن اليأس هو الذي يجب أن يكون القاعدة في علاقتهم بالنظام الذي خرجوا في تشرين عام 2019 محتجين من أجل إسقاطه. ذلك النظام عاجز عن أن يصنع صورة ملطفة عنه بعد أن تحول إلى نظام مافيات. وصارت تلك المافيات تكلّف مافيات أصغر منها لإدارة الدولة بعد أن تفرغت للعمل السياسي.
في أول اختبار عملي سقطت حكومة الكاظمي في أحضان أئمة الفساد الذين صار لهم الفضل في منع سقوطها. وهو ما سينظر إليه العراقيون باعتباره رهانهم الأخير الذي هزموا فيه.
0 تعليقات