ثائرة اكرم العكيدي
لغاية عام 2014 كانت الأموال تتدفق على الخزينة بسبب ارتفاع أسعار النفط الى أكثر من 100 مليون دولار. ومع أن البرلمان في معظم دوراته السابقة كان يواجه مشكلة مزمنة مع الحكومة وهي عدم تقديم الحسابات الختامية فإن الرواتب والامتيازات والإيفادات والهبات والمساعدات كانت هي سمة تلك المرحلة التي تبدو في الظاهر ذهبية لكنها منخورة في الداخل بسبب عدم التوجه إلى الاستثمار أو الصناديق السيادية أو البنى التحتية.
وحتى اثناء فترة داعش الذي سيطر على 5 محافظات والنفط وصل حينها الى 20 دولار، وكانت موازنة العراق3/4 لحرب داعش وبالرغم من كل هذه الكوارثى كانت رواتب الموظفين والمتقاعدين تسلك بموعدها المحدد .
وعلى مدى تلك الفترات كان رؤساء أو وزراء خارجية كل من إيران وتركيا يتنافسون على رفع الميزان التجاري مع العراق، وكلتاهما كانت تتمنى رفع هذا الميزان إلى نحو 20 مليار دولار سنويا. والميزان التجاري بين العراق وكل من إيران وتركيا يعني الاستيراد فقط، وهو ما يعني خروج عملة صعبة من العراق إلى هاتين الدولتين مقابل استيراد كل شيء لأن شركات ورجال أعمال مرتبطون بسياسيين فاسدين هم من يهيمنون على السوق التجارية ويمنعون إقامة أية مشروعات استثمارية كما يمنعون بكل ما أوتوا من قوة أي تقارب بين العراق ودول تسعى إلى دخول السوق العراقية من أبوابها عن طريق الاستثمار والعلاقات المتوازنة.
ومع بدء انخفاض أسعار النفط فقد بدأت أموال الخزينة العراقية بالتناقص شيئا فشيئا، الأمر الذي اضطر معه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي إلى اتباع سياسة بدت تقشفية في حينها لكنها لم تمس رواتب الموظفين، بمن فيهم كبار المسؤولين، مع استثناءات بسيطة. الأمر تكرر مع عبد المهدي الذي كان مستشاروه الماليون يؤكدون دائما أن الرواتب مؤمنة وكثيرا ما يستخدمون عبارة الرواتب خط أحمر.
إن غالبية الشعب العراقي يعتمدون في تسيير حاجتهم المعيشية اليومية على الرواتب التي يتقاضونها شهريا، فضلا عن شرائح أخرى تعتمد في مدخولاتها اليومية عما يصرفه الموظفين والمتقاعدين بشراء احتياجتهم الضرورية من السوق وبالتالي فان الجزء يعتمد على الكل.
في الوقت الذي استبشرت فيه لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية بالإصلاحات الإقتصادية التي تروم حكومة مصطفى الكاظمي القيام بها لتدارك وضع الاقتصاد العراقي في ظل انخفاض اسعار بيع النفط وتقليل حصة العراق في ضوء مقررات اوبك واستمرار جائحة كورونا حيث نبهت لجنتنا الحكومة على الكثير من الخطوات الاقتصادية والاستثمارية التي من شأنها تعظيم الموارد المالية دون الحاجة إلى الاقتراض..
رسائل الاطمئنان التي ارسلها الكاظمي الى الشارع العراقي بدت عليها بوادر الفشل .كان أمام رئيس الوزراء الكاظمي فرصة تاريخية لتصحيح المسارات، وكسب ود الشعب من خلال تلبية مطالب المتظاهرين وخاصة ما يتعلق بمحاربة الفساد والنهوض باقتصاد البلد.
وهاهي مشكلة تأمين رواتب موظفي الدولة فضلا على مشكلة تأخرها والتي تمثل الشغل الشاغل والهم الأكبر للعائلة العراقية، إذ أن هناك أكثر من (5) ملايين عائلة تتقاضى راتبا تقاعديا أو وظيفيا وهي تعيل نحو (30) مليون نسمة ما يفاقم الأزمة الشعبية؛ تحديدا في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية، في الوقت نفسه اضطرت الحكومة إلى سحب قانون الموازنة بعد اعتراضات كثيرة على بنوده، ما حدا وزارة المالية أن تطلب من الحكومة والبرلمان تشريع قانون جديد للاقتراض.
فبالرغم من تشريع البرلمان لقانون الاقتراض لسنة 2020 في 2020/6/24 لدعم الحكومة وتمكينها من تنفيذ رؤيتها بالإصلاح وبعد ترحيبنا بالخطوات التي اتخذتها الحكومة في أحكام السيطرة على المنافذ الحدودية وتشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد الا اننا لمسنا عودة للتخبط المالي من خلال عدم انتظام صرف رواتب الموظفين والمتقاعدين وقيام الحكومة بسحب مشروع موازنة 2020 وتقديمها لمشروع قانون اقتراض جديد وربطها تأمين الرواتب بتصويت مجلس النواب على مشروع قانون الاقتراض وهي سابقة لم نألفها طيلة عمل الحكومات السابقة..
مسألة الرواتب ليس من مسؤولية السلطة التشريعية، وهي من الواجبات الحكومية البحتة ومن صلب التزاماتها أمام شعبها،
إن اطرافاً برلمانية لا ترتهن لواقع سد العجز والحكومة في المقابل لا تملك الاموال، فاذا كان البرلمان جاداً في معالجة الازمة هل سيتنازل نوابه عن مخصصاته وراتبه ورواتب الجمعية الوطنية لتوفير موارد للدولة؟
ان اغلب أو جميع الموظفين يعتمدون على هذه الرواتب في إيجارات وسلف ومعيشة وهي جميعها لا تحتمل التأخير ابد.
وهنا ينقدح سؤال مهم، هل ان الحكومة فعلا عاجزة على تأمين الرواتب، ام ان تأخير هذه الرواتب هو بارادتها، وان تأخيرها هي فبركة لغاية معينة؟.
ان التخبط والأداء غير الصحيح للوضع المالي والاقتصادي للدولة ولوزارة المالية غير صحيح، واستمرار الحكومة بالاقتراض سيؤدي إلى افلاس الدولة وانهيارها مالم تقوم بإصلاحات حقيقية في كافة مفاصل عمل الحكومة.
الأمر الذي سيودي الى تدهور الواقع المالي في البلد، لذلك الأمر يحتم على الحكومة اتخاذ خطوات سريعة لمعالجة الواقع الاقتصادي للبلد بأسرع وقت..
حكومة الكاظمي اليوم عليها ان تسرع بقرارات حقيقية تعبر عن رؤيتها الصادقة متحملة المسؤولية الشرعية والوطنية، إذ لا يمكن ان تبقى منكفئة على نفسها لا تفكر سوى بالقروض حلاً، والتي تجاوزت (120) مليار دولار في ظل غياب أي خطوة عملية باتجاه تنمية الإيرادات غير النفطية والسيطرة على الإنفاق وتوفير فرص عمل للعاطلين؛ وقد تكون الحلول موجعةً إلا أنه على صاحب القرار أن يفكر في المصلحة العليا للبلد.
0 تعليقات