بقلم: الكاتب والباحث السياسي
أنمار نزار الدروبي
_باعترافات يوسف القرضاوي الأب الروحي لجماعة الإخوان المسلمين:
تُجمع الكثير من المصادر على اختلافها وتعددها على أن أول تواجد للإخوان في قطر بدأ منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي آبان عهد الشيخ (عبد الله بن جسام آل ثاني) أمير قطر حينها، حيث شهدت قطر تواجدا مكثفا للإخوان المسلمين منذ النصف الثاني للقرن العشرين، إذ وصلت موجة الإخوان الأولى من مصر إلى قطر في عام 1954 بعد الصدام الدموي بينهم وبين نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أما الموجة الثانية كانت من سوريا في سنة 1982 بعد أحداث مدينة حماة. ويعد كل من (يوسف القرضاوي وعبد البديع صقر) من أوائل القيادات الإخوانية التي هربت إلى قطر آنذاك، حيث حظي القرضاوي على المستوى الإعلامي بعناية قطرية فائقة، أما عبد البديع صقر فقد تولى منصب مستشار لحاكم قطر ومديرا لدار الكتب. وكما ذكرنا كان انتقال القرضاوي إلى قطر بعد الصدامين الأول والثاني بين ثورة 23 يوليو والإخوان، وهي المحطة التي أدت في عهد الرئيس جمال عبد الناصر إلى خروج عدد من رموز الإخوان من مصر، حيث سبق القرضاوي كما لحق به أيضا آخرون من الشخصيات الإخوانية التي آوتها قطر، وكانت تضم رموزاً مؤثرة ونشيطة في نشر فكر الإخوان المسلمين على مستوى دول الخليج بشكل عام منذ ذلك العقد.
لقد ارتبط القرضاوي بعلاقات وثيقة مع العائلة الحاكمة أبرزهم (علي بن سعود بن آل ثاني، والشيخ قاسم بن حمد آل ثاني شقيق ولي العهد، والشيخ خليفة بن حمد أبن عم حاكم قطر) ومن ثم تسلم إدارة المعهد الديني في الدوحة من نفس العام، وبعدها بدأ القرضاوي يلقي الخطب والدروس في المساجد القطرية وتحديدا مسجد الشيخ خليفة بن حمد ولي عهد قطر ونائب الحاكم، تلك الخطب التي كان يهاجم فيها القرضاوي الطبقة الغنية من الشعب المصري ونظام عبد الناصر حيث يقول القرضاوي في كتابه أبن القرية" أنكم بخلتم بحق الله في أموالكم فسلط الله عليكم دعاة الاشتراكية والثورية الذين صادروا أموالكم وخربوا بيوتكم ولا يكادون يبقون لكم شيئا. لقد كان الابتلاء بمصيبة الاشتراكية عقوبة من الله للأغنياء الأشحاء"ص 543. ويؤكد القرضاوي في نفس المصدر، أنه كان يلتقي بجماعة الإخوان المسلمين في قطر من المصريين في كل يوم جمعة بعد صلاة الفجر في بيت من بيوت أحد أعضاء الجماعة الأخوة للحديث عن الدعوة والجهاد في سبيل الله، وأنهم جنود هذه الدعوة شاءوا أم أبوا، كانوا قريبين أم بعيديين، بحسب وصف القرضاوي ص368.
في الجانب الآخر لعب المال والإعلام القطري أدوارا متعددة في كثير الدول العربية أو الغربية، فقد كشف كتاب جديد يحمل اسم (أوراق قطر) للمؤلفين الفرنسيين (كريستيان شينو، وجورج ما لبرونو) عن التمويل القطري لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، عبر مؤسسة (قطر الخيرية) تحت ستار المساعدات الإنسانية وتمول بناء مساجد ومراكز ومؤسسات تابعة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين. حيث استطاعت تلك المؤسسة من التوغل في 6 دول أوروبية أبرزها فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا ودول البلقان، وقد مولت مؤسسة قطر الخيرية ما يقارب 140 مشروعا في أوروبا وكندا وأستراليا بما يزيد مجموعه على 72 مليون يورو، حيث تم التمويل القطري من خلال ترتيبات مالية معقدة.
لقد جاء في مقال للكاتب الإيطالي جوليو ميوتي بعنوان (قطر ذئب يتخفى في ثوب حمل) في صحيفة إل فوليو الإيطالية حول الممارسات القطرية للتغلغل في أوروبا وتمويلها للإسلاميين في أنحاء القارة، حيث أشار الكاتب الإيطالي ميوتي في مقاله إلى الكتاب الذي يحمل عنوان (أوراق قطر) عن كيفية تمول قطر للمراكز الإسلامية في فرنسا وأوروبا، وصلت إلى 22 مليون يورو أنفقتها مؤسسة قطر الخيرية على مشاريع إسلامية في إيطاليا وحدها. وأنه كان هناك مستفيد وحيد فعليا من هذا التمويل هو اتحاد المجتمعات والمنظمات الإسلامية في إيطاليا (UCOII) والمتهم بالتعاون الوثيق مع جماعة الإخوان المسلمين في قطر. في السياق ذاته شهدت الاحتجاجات في بعض الدول العربية منذ مطلع العام 2011م، حضورا قطريا داعما وبقوة للإخوان في أكثر من دولة، فبالرغم من أن قطر أدركت انهيار نظام الرئيس محمد مرسي في مصر وفقدان جماعة الإخوان المسلمين سيطرتهم على الشارع لكن الدعم الإعلامي لمرحلة ما بعد خلع مرسي ما يزال مستمرا. كما حضر الدعم القطري المساند للإخوان في سوريا وليبيا واليمن عبر ضخ الأموال بشكل مباشر إلى أيدي الإخوان، فأطلقوا قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية ومنظمات أهلية مساندة لتحركاتهم المشبوهة.
أما الدعم القطري لجماعة الإخوان المسلمين فكان وما يزال واضحا وعلنا، بل صاحب ذلك توظيف المؤسسات الدينية بطريقة براغماتية، فأنشأت قطر في عام 2004 (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) بصفته مؤسسة أيديولوجية يقف على رأسها مُنظر جماعة الإخوان المسلمين (يوسف القرضاوي)، وكان الهدف المعلن لهذا الاتحاد إلى تقديم نسخة عصرية للدين الإسلامي أكثر اعتدالا وتسامحا مذهبيا لفهم مدلولات النص الديني ومقاصد الشريعة. لكنه هدفه الأساس هو ضرب شرعية مؤسسة رابطة العالم الإسلامي المدعومة من الرياض، حيث يجري كل ذلك في سياق الصراع السعودي القطري.
الجدير بالذكر أن قطر استقبلت أغلب قيادات جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط حكم الإخوان في مصر أبرزهم، عمرو دراج وزير التخطيط المصري السابق والقيادي بحزب الحرية والعدالة، ومحمود حسين أمين عام جماعة الإخوان المسلمين، وجمال عبد الستار القيادي بالجماعة، ومن ثم انتقل هؤلاء إلى تركيا. كما استقبلت قطر أيضا كل من، عاصم عبد الماجد، وطارق الزمر، وهم أبرز أعضاء الجماعة الإسلامية وتحديدا طارق الزمر أحد أهم العناصر الذي اشترك في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادثة المنصة الشهيرة، كما مر ذكره سابقاً
ومنذ عام 2011 وعقب نشوب الاضطرابات في الشرق الأوسط، إثر احتجاجات ما تسمى بالربيع العربي، لم تدخر قطر جهدا لدعم كل معارضة مسلحة ضد نظامها، كما حدث في مصر وسوريا وليبيا واليمن، وأبرزها الدعم القطري للفصائل المتشددة والتنظيمات الإرهابية منذ بداية الصراع في سوريا. لقد تحالفت قطر مع تركيا لدعم بعض الفصائل والجماعات المتشددة مثل (جبهة النصرة) و(جيش الفتح) حيث كان لهذا التحالف شكل من الشراكة التي جعلت من قطر ممولا ماديا، وتركيا معبر لانتقال الأسلحة والأموال القطرية إلى الجماعات الإرهابية المذكورة. وتشير المعلومات في كتاب بعنوان (ليبيا بعد القذافي) للمؤلفين كريستوفر شيفيس وجيفري مارتيني، إلى أن قطر زودت المتمردين بحوالي 20 ألف طن من الأسلحة الخفيفة، والقاذفات الصاروخية، والصواريخ المضادة للدروع، وصواريخ الغراد، وكذلك منظومات الدفاع الجوي المحمولة ص6ص7.
0 تعليقات