بقلم الكاتب والباحث السياسي
أنمار نزار الدروبي
مع دخول العراق عامه السابع عشر بعد الاحتلال الأمريكي في 2003، لا تزال الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية تعاني من حالة فشل ذريع وصل إلى أقصى درجاته، بالإضافة إلى ظاهرة تفشي الفساد المالي والإداري، فبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية يحتل العراق المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم. وفي تقرير العام 2018 حل العراق في المرتبة 168 من بين 175 دولة شملها التقرير. في الوقت نفسه تشير معلومات البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر بالعراق في تزايد، وإن خط الفقر محدد بـ 3.2 دولار في اليوم وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2 في المائة في المناطق المحررة (من إرهابي داعش والقاعدة)، و30 في المائة في المناطق الجنوبية، و23 في المائة في الوسط، و12.50 في المائة في إقليم كردستان. كما أوضحت الإحصائيات، أن 48 في المائة من سكان العراق أعمارهم أقل من 18 عاما، منهم 23 في المائة من فئة الفقراء، وتؤكد المعلومات الإحصائية أيضا إلى أن 5 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في كردستان و50 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى ملايين النازحين داخل البلد يعيشون حياة تفتقر إلى أدنى مستوى، مع تمدد وانتشار الميليشيات المسلحة والمجاميع الخارجة عن القانون، تلك الميليشيات التي أصبحت دولة موازية للدولة الأصلية، ناهيك عن الفاعل الدولي والإقليمي وتدخلاته بالعراق، بالإضافة إلى بروز قضية تقسيم البلد إلى أقاليم وتحديدا الإقليم السُني.
وبالتالي فإن تعاظم حجم هذه الملفات وتداعياتها وتبعاتها الأمنية والاجتماعية المتوقعة، تنعكس ومدى حضورها في الأولويات السياسية للأطراف الفاعلة في الشأن العراقي وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وإدراك دور العراق ومالاته في سياق سيناريوهات مختلفة.
من دون أدنى شك فإن الرئيس ترمب خلال فترة رئاسته للولايات المتحدة خلق حالة من الجدل داخل أمريكا نفسها، حيث انعكست تلك السياسة بصورة سلبية على إضعاف العمل المؤسسي، لكن بالنتيجة فإن السياسة الأمريكية وتحديدا تجاه العراق لن تتغير كما يتوقع كثير من الناس، لأن السياسة الأمريكية الخارجية تُرسم من قبل أكبر وأهم المؤسسات وهي، وزارة الخارجية الأمريكية، وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، السلطة التشريعية في الولايات المتحدة بغرفتيها مجلس النواب ومجلس الشيوخ الأمريكي وتحديدا صهاينة الكونكرس، وبيت المال الأمريكي، بالإضافة إلى بعض اللوبيات المهمة.
من هذا المنطلق فإن انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية لا يغير كثيرا في السياسة الأمريكية ولكن ستكون الاستراتيجية الأمريكية وفق تكتيكات جديدة لا تخرج عن السياق العام.
وتأسيسا لما تقدم، فإن تأثيرات ورغبات الجانب الأمريكي حول الوضع في العراق لا يخرج عن سياق عدد من المحددات الداخلية والخارجية التي تشكل إطارا حاكما لاستراتيجية إدارة الرئيس الجديد جو بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط، وأهمها قضية مكافحة الإرهاب التي أصبحت ظاهرة عالمية تهدد الأمن والسلم الدوليين.
ومن خلال قراءة المشهد العام في العراق، لا بد أن تعمل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفق استراتيجية جديدة أو رؤية واقعية للحل، أبرزها، قضية الجماعات المسلحة، ومناقشة مسألة وجود بقاء القوات الأمريكية من عدمها في بعض القواعد، وكذلك قضية صراعها مع إيران فيما يخص برنامجها النووي وتدخلات إيران في منطقة الشرق الأوسط. وعليه فإن واشنطن على أعتاب تصحيح مسار سياستها واستراتيجيتها في تعاملها مع العراق في ظل وضع العراقي الحالي الهش. في الوقت نفسه فإن فالتعويل على الإدارة الأمريكية في حل مشكلات العراق هو تقدير خاطأ بكل المقاييس، وذلك يرجع إلى ما تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية من أزمات داخلية وخارجية حساسة جدا على سبيل المثال لا الحصر، قضية جائحة كورونا، الدين الداخلي والذي وصل إلى مئات المليارات، علاقة أمريكا المتصدعة مع الاتحاد الأوروبي وغيرها.
لكن أبرز ما يمكن مناقشته بهذا الصدد يكون ضمن عدة محاور وهي:
1. مسألة خروج القوات الأمريكية من العراق:
طالبت بعض القوى السياسية في العراق وتحديدا التابعة لإيران بإخراج القوات الأمريكية من البلد، حيث استطاعت هذه القوى أن تضغط داخل مجلس النواب في هذا المسار، وقد نجحت بعد التصويت بالأغلبية داخل المجلس. من جانبها هددت الإدارة الأمريكية حينها بفرض عقوبات اقتصادية على العراق في حالة خروج قواتها، حيث نقلت صحيفة (واشنطن بوست) خبرا بتاريخ السابع من يناير/ كانون الثاني 2020، عن ثلاثة مصادر مطلعة أن مسؤولين بارزين بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأوا بصياغة العقوبات التي هدد ترامب بفرضها إذا ما مضى العراق في توجهه لطرد القوات الأمريكية. وأكد المسؤولون، الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، للصحيفة الأمريكية أن المحادثات لا تزال أولية، وأنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن فرض العقوبات. وقد توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب العراقيين بعقوبات اقتصادية قوية جدا من خلال تصريحه حيث قال "إذا طلبوا منا بالفعل أن نغادر وإذا لم يتمّ ذلك ودّيًا، فسنفرض عليهم عقوبات لم يروا مثلها سابقاً". وجاء قرار مجلس النواب العراقي بعد دعوات في أعقاب اغتيال واشنطن للجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في بغداد. من هنا سيكون على إدارة الرئيس بايدن معالجة هذه التناقضات التي انعكست تداعياتها بشكل سلبي جدا على الوضع السياسي في العراق حيث خلقت حالة من التجاذبات السياسية بين القوى الفاعلة.
2. العقوبات الاقتصادية على إيران وإعفاء وقتي للعراق:
فرضت واشنطن عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني في عام 2018، وهددت بمعاقبة الدول المتعاملة مع طهران في هذا المجال، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات المؤقتة المتتالية، بدأت بـ 45 يوما، ثم توسعت إلى تسعين و120 يوما. ويعتمد العراق على إيران لتأمين نحو ثلث حاجته من الكهرباء. وبالتالي فإن الولايات المتحدة قررت في فبراير 2020 السماح للعراق بمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من إيران، لكن مدة الإعفاء تتقلص باستمرار، وقد اعتبرت الولايات المتحدة هذا التمديد الأخير للعراق لمدة 30 يوما وهي فترة الاستثناء الممنوحة للعراق من العقوبات المرتبطة بالتعامل مع إيران، والتي تعتمد عليها بغداد لاستيراد الطاقة. وفي هذه الحالة علينا الانتظار والترقب في كيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة فيما يخص علاقتها مع طهران، مع العرض أن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أعلن في خطابه قبل يومين أنه سيتعامل مع إيران بشكل أكثر دبلوماسية، وهذا بدوره ينعكس على العراق وقضية العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران.
3. العقوبات الأمريكية على بعض الشخصيات السياسية العراقية:
تعرضت العديد من الشخصيات السياسية العراقية إلى عقوبات من قبل الإدارة الأمريكية سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في شهر ديسمبر كانون الأول 2019، عقوبات على 4 شخصيات عراقيين، بينهم 3 من قادة الحشد الشعبي متهمين بالتورط في قتل متظاهرين، والرابع رجل أعمال متهم بالفساد. وقالت الوزارة، عبر بيانها، إنه من بين العراقيين الأربعة المشمولين بالعقوبات 3 من قادة ميلشيات الحشد الشعبي الذين لهم صلات بإيران، هم (زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وشقيقه ليث الخزعلي، ومدير أمن الحشد الشعبي حسين فالح المعروف باسم أبو زينب اللامي) واتهمت الثلاثة بإعطاء توجيهات مباشرة لهذه الميليشيات بفتح النار على المتظاهرين السلمين، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين الأبرياء خلال الاحتجاجات. وعليه فإن الإدارة الجديدة للبيت الأبيض ستبقى على هذه العقوبات، ومن الممكن أن تخفف في حالة عودة العلاقات الأمريكية الإيرانية ضمن سياق عودة الاتفاق النووي الإيراني.
أما في حالة التقسيم إلى أقاليم:
فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستتعامل مع العراق وفق تكتيكات معينة تنطلق من تحقيق المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى، هذا إذا ما وضعنا في نظر الاعتبار أن الرئيس الأمريكي جو بايدن هو صاحب مشروع تقسيم العراق إلى أقاليم عندما كان نائبا للرئيس باراك أوباما.
1. بما أن العراق أحد أهم الدول التي تمتلك مخزون نفطي كبير في الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة ستحرص على الحصول على النفط العراقي وبأسعار مناسبة.
2. اعتقد أن واشنطن ستبقي على قواتها في العراق حتى في حالة التقسيم، خاصة وأن قاعدة عين الأسد من كبرى القواعد الأمريكية في العراق توجد في محافظة الرمادي ذات الأغلبية السُنية وربما تكون تلك المحافظة عاصمة للإقليم السُني. وبما أن توجهات إدارة الرئيس بايدن في مكافحة الإرهاب هي في الدرجة الأولى والأهم، إذن ستسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية التي تنتشر في المحافظات السُنية مع تقديم الدعم الكمال للإقليم السُني.
3. أمن إسرائيل، أيا كان نوع وخصائص التقسيم في العراق (فيدرالي، كونفدرالي وغيرها) فإن ما يهم الإدارة الأمريكية الجديدة هي قضية الحفاظ على أمن إسرائيل في المنطقة وما يتعلق بقرار اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس. ومن هنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستسعى بكل قوة لإجبار العراق على الانصياع إلى قضية التطبيع مع إسرائيل من خلال حكومات الأقاليم.
0 تعليقات