محمود الجاف
كيف تمكنت الحيوانات من اقناع البشر على عبادتها وتقديسها ؟ ... كثيرا منا يصاب بالدهشة عندما يرى البعض قد جعلوا من انفسهم اتباعا لدجالين . قتلوا وسرقوا واغتصبوا وانتهكوا الاعراض ودمروا الدنيا وقلبوها رأسا على عقب . كل ذلك من اجل رجل غبي دجال لاعلم له ولاشخصية بل ان البلاهة سمة واضحة على مُحياه . لكننا نعجب من هذه المأساة ونغفل عما هو اشد غرابة وهي كيف استطاعت الحيوانات ان تقنعهم على عبادتها وتقديسها . بل يزعمون أنهُم من سلالة ذلك الحيوان الذي يَعبدونه .
يفترض أن البشر يتمتعون بطبيعة خاصة ومُتميزة عن المخلوقات الاخرى فقد تم جمع بيانات في علم النفس المَعرفي والبيئة تُؤكد أن الانسان يُمثل نوعًا استثنائيًّا . وعندما نتأمل ما نمتلك من ذكاء وقدرة على التواصل واكتساب المَعرفة ونشرها إلى جانب ما تُبدعه قريحتنا من أعمال فنية رائعة . عندها سندرك اننا مُختلفون تمامًا عن غيرنا . السر يكمن في طبيعة خلقنا . لكن بعض الشعوب اعتبروا الحيوان تجسيدًا حقيقيًا للإله أو وسيطًا له أو وضعوه رمزًا للتقديس مارستهُ ثقافات مُختلفة ومنها الثعبان . الإله ذو الدم المباح المقدس الذي حظي بمكانة متميزة . فقد كان هناك الإلهة واجيت التي كان يرمز لها بثعبان الكوبرا أو امرأة برأس الكوبرا وفي أساطير الأزتك المكسيكية كان ( ثعبان الريش ) هو المُعلِم العظيم للبشرية وفي الحضارة اليونانية كان يعتبر إلهًا وفي روما حافظوا على ثعبان مقدس كانوا يحضرون إليه القديسين العذارى ويقدمون له الطعام فإذا رفض قبوله فهذا يعني أن القديس لم يعد عذريًا ويقتل على الفور . أما في بلاد ما بين النهرين فالأفعى لديهم كانت خالدة لأنها سطحت جلدها وظهرت في غطاء جديد ودمجت طقوس الأفاعي الهندوسية البدائية في عبادة كريشنا وفي النهاية إلى عبادة فيشنو وتروي بعض الأساطير البوذية انه أُعطي الحقيقة من ملك الثعابين وهو الكوبرا غالبًا . وفي تايلاند لا زال بعض القرويين يُؤمنون بقوة ( الكوبرا الملك ) رغم انه الأكثر سُمًا في العالم . ويعتبرونهُ من الملائكة ولديه قدرات خارقة ويتمنون رؤيتهُ لإيمانهم بأنه يمنح الثروة والصحة والحظ وشيدوا له اضرحة للتبرك به مثل معبد ( كوبرا كوين ) الموجود في مدينة ثونبوري بالعاصمة بانكوك الذي يضم العديد من التماثيل الذهبية التي يتوسطها كبيرهم وتقدم له الدعوات والتضرعات وهناك من يكتفي بشرب دمائها بغرض الشفاء من الأمراض الخطيرة مثل التليف الكبدي .
ومع ان البشر يستخدمون الحيوانات عادة لإهانة الغير كالكلب والقرد لكنهما مازالا يُعبدان إلى الآن . بل ان الكلاب الان في جمهورية نيبال وأجزاء من الهند هي رسول إله الموت ويعتقدون أنهم يحرسون أبواب الجنة ويقام لهم فيها إحتفالا سنويا لمدة خمسة أيام يعرف باسم مهرجان ( تيهار) أما هانومان فهو إله القرد وأحد الشخصيات الدينية الأكثر شهرة لانهم يؤمنون انه تجسيد للرب شيفا ويعبد باعتباره رمزًا للقوة البدنية والمثابرة والإخلاص أما معابده فهي الأكثر شيوعًا ويحتفلون بعيد ميلاده مرة كل عام عند اكتمال القمر وقت شروق الشمس في الشهر الهندوسي شيترا (نيسان) ويؤمنون ان عبادته تساعد على مواجهة الطاقة السيئة المتولدة عن العمل الأناني ويُمنح قوة إيمانية في رحلة الحياة وتستخدم صوره ورسوماته في قضايا الشعوذة والتمائم الوقائية من السحر .
ومع أن الغراب في بعض الثقافات ينذر بالموت إلا أن هناك من نظر إليه باعتباره مصدرًا للقوة وفي أساطير الدول الإسكندنافية صورته رسولًا بين عالم الأحياء والأموات والأمريكيون الأصليون يزعمون أنه اكتشف أول البشر المختبئين وجلب لهم التوت وسمك السلمون واعتقدت بعض القبائل انه صاحب رؤيا ثاقبة فما تراه العين ليس بالضرورة هي الحقيقة لذا يستدعونه لتوضيح الأمور . آمن الأمريكيون بالغراب إلى درجة أنهم ظنوا انه نذير لرسائل من الكون تأتي مما هو أبعد من الفضاء والزمان تحت أجنحته في منتصف الليل لأفراد القبيلة الذين يستحقون المعرفة وانه حارس الأسرار ويمكن أن يساعد في تحديد الإجابات المجهولة له في الحياة ويكشف الحقيقة عنها ويعيدهم إلى الصحة الجيدة .
والتفت حضارات حول الذئاب باعتبارها رمزًا للقوة والألوهية في آن واحد ووفقًا للأساطير السنغالية كان الذئب أول كائن حي ومَخلوق ذكي أما المغول والأتراك فلديهم أساطير مفادها أنهم انحدروا من نسله وفي أمريكا الشمالية تشير الأساطير أن الذئب كان أبًا للشعب وخلق السماء والأرض وكان يعبد في اليابان باعتباره رسولًا إلهيًا أو الإله نفسه ويحمي الحصاد من السرقة حتى جاءت حكومة الإمبراطور ميجي وشجعت الصيادين على قتلها وخسروا الملايين حتى أوشك على الانقراض في القرن العشرين . وقد ظل العديد من شعبهم مُخلصًا لإله الذئب وبقيت أضرحته موجودة حتى الآن يتوجه إليها المؤمنون بها ويؤدون الطقوس الخاصة وأبرزها مزار ميتسوميني في مقاطعة سايتاما . يقصدها من يرغب في الزواج فيكتب اسم من يحب على قطعة من ورق ويضعها أسفل شجرة الزواج ثم يصلي وينتظر أن يستجيب له ...
وقد رأت الحضارات الآسيوية في الفيل ما لم تره في الحيوانات الأخرى فهو ضخم ومخيف في القتال وفي العصور القديمة كان مصدر حسم للمعارك وقد استخدمه الفرس ومن هناك جاء دوره الديني ليحتل مكانة إلهية مميزة ولا زال يحظى بالتبجيل حتى اليوم كرموز روحية فالبوذيون يؤمنون بالأفيال البيضاء وتعتبر في تايلاند ملكا . وهو مقدس لدى الهندوس الذين يؤمنون أنه تجسيد حيّ للإله جانيش الذي يصور في المعابد برأس فيل وجسم فأر أو جسم إنسان لان كل جزء منه لديه وظيفة رمزية . رأسه تعني القدرة على اكتساب الحكمة والمعرفة والأذن الكبيرة تمنح الصبر والاستماع بعناية أما عيونه فهي تنظر إلى المستقبل وتتعرف على الحقيقة في حين أن جذعه الطويل قادر على شمّ الخير ويرمز بطنه إلى القدرة على هضم كل من الأفضل والأسوأ في الحياة . ويحظى بتقدير واسع في الهند بغض النظر عن أي انتماءات روحية وصوره في كل مكان لأنه يمنح النجاح والازدهار والحماية من الشدائد .
وتختلف الطوائف الهندوسية في نظرتها الى البقرة فبعضها تكن لها الاحترام والتبجيل وأخرى تُقدسها لأنها رمز للأرض المغذِّية المعطية وتمثل الحياة نظرًا لسخائها الشديد فلا تأخذ سوى الماء والعشب والحبوب بينما تمنح الحليب والقشدة واللبن والجبن والزبدة والسمن وعند ذبحها اللحم والعظم والجلد . أما الطوائف المتشددة فهي تعبدها وهناك جماعات مُسلحة تترصد من يذبحها لتقتله وقد عرفوا باسم ( حماة البقر ) وهم يطوفون البلاد ويصادروها من المسلمين والمسيحيين عنوة ليحافظوا على حياتها ويصور بعضهم مشاهد ضربها وسرقتها ويبثون على ( يوتيوب ) قائلين : ديننا أعطانا الحق في وقف ذبح أمنا ...
ويعكف سكان إحدى البلدات بولاية راجستان على عبادة الجرذان . ويضم معبد " كارني ماتا " أكثر من 20 ألف تم إحضارها لتحظى برعاية ملكية حيث يقدموا لها الهبات والطعام والحليب كلما أرادوا أن يُؤدوا مناسك العبادة وأقاموا الحواجز لمنع القطط من الاقتراب منها ويبالغ بعضهم بشراء أنواع مُختلفة من الحلوى والأطعمة المطبوخة وتقديمها لها . يعتقدون أنها تجسيد حي للإلهة " كارني ماتا " وهي امرأة هندوسية عاشت في القرن 14 م . وعبدها أتباعها ويطالب الكهنة الزوار بالحذر عند السير في داخله لانهم يعاقبوا أي شخص يتسبب بقتل أحد الجرذان ...
ورغم ان الهند تشتهر بأنها أرض الرياضيات ومنها خرج الكثير من عباقرتها لكن مع هذا يعبد فيها البقر! ... وعرف عن الصين أنها أرض الفلسفة وأهلها يعبدون ويأكلون كل شيء! ... واستطاع تمثال من الحجر أن يقنعهم بأنهُ خلقهم! ويتصور البعض ان اليابانيين اليوم أذكى شعوب الأرض لكنهم يعبدون إلى الأن ما نخجل ذكره! وبلاد وادي الرافدين التي علمت الدنيا على الكتابة والشام واليمن وايران التي بنيت على ارضها امبراطورية فارس يعبد فيها مالايضر ولاينفع ويقدس فيها الكذابون ...
والسؤال الان هو : لماذا يؤمن الكثير من الأذكياء بعقائد لا تمت إلى المنطق بأي صلة ؟ ... عالم مشهور تدين له البشرية بفضله في اكتشاف أهم وأعقد النظريات التي قادت إلى تطوير علم البرمجة والحاسوب تجده فجأة يقف أمام بقرة يتمسح بذيلها ويُمرغ ملابسه بروثها! ... كيف استطاعت أن تقنعه بأن يعبدها ؟ وهو على استعداد لقتل كل من يمس قداستها . هل أرسلت لعبيدها مبعوثا أو رسولا ليدلهم عليها ؟ ... إن أهم الافكار التي سيطرت على عقول البشر منذ القدم هي فلسفة الخلود والرغبة في التحول إلى آلهة (كما في قصة كلكامش) فهل كان أقصى أماني الهندوس هو التحول إلى بقرة ؟ ولماذا لم يخبرهم احد أن إلهكم هذه ستموت . وأهم ميزات الآلهة هي الخلود؟ ... ثم ان على كل عابد أن يدعوا معبوده فماذا يطلب الذي يعبد الحيوان او الانسان منهم يا ترى ؟ وهل سبق له أن استجاب لدعوة ؟ هل منحوا المريض الشفاء؟ ألا يمرضون ويموتون ؟
لقد جاء النبي موسى بمعجزة أذهلت حتى السحرة . شق البحر وأغرق أطغى فراعنتهم ورغم ذلك لم يؤمن به حتى من شاهدها عيانا . وأوتي النبي سليمان ما لم يؤته احد من قبل ولا من بعد ورغم ذلك لم يؤمنوا بنبوته ولا بالرب الذي بعثه! ... واستطاع النبي عيسى ان يحيي الموتى بأذن الله ويخلق من الطين طيورا ويبرئ الأعمى والأبرص . بل تكلم وهو رضيع ولم يؤمنوا بنبوته! ... وجاء النبي محمد بمعجزة القرآن التي ما زالت تتحدى البشرية بأن يأتوا بآية او يجدوا فيه خطأ واحدا منطقيا أو لغويا أو علميا . ولم يجدوا ما يدحضوه فيه ويثبتوا فشله ورغم ذلك ما زال الكثير من الناس يكفرون به وبالقران!
فكيف اذن آمن الكثير من الناس بعبادة الحيوانات وهي لم ترسل لهم رسالة وليس لديها معجزة وتموت وتأكل وتتغوط وتعجز ان تدفع عن نفسها أسراب الذباب المحتشد على أنفها ؟! ... فهل يمكن للرجل المقدس ان يدفع عن نفسه الاذى وما الذي يميزه عنكم ؟ هل هو النسب ؟ وربنا يقول (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) ولو كان ينفع لأنقذ عم النبي ابا لهب ...
إن المطلع على جدلية الإيمان والإلحاد يجد ان هنالك الآلاف من الخبراء والعلماء والتقنيين والأدباء يبذلون الكثير من الجهد والوقت للطعن بوجود الله وتكذيب دعوات الأنبياء والتشكيك برسالاتهم والسخرية من معجزاتهم تارة باسم العلم او المنطق او باسم المادة وتارة باسم الحقيقة بينما لا يبذلون عشر هذا الوقت للطعن بربوبية الحيوانات وبعض الدجالين وقدسيتهم عند الملايين من البشر؟! فإن كان إحجامهم بحجة حرية الدين والمعتقد فالمسلمون أولى بأن تعاملونهم تحت نفس البند وتحترموا عبادتهم وتمتنعوا عن تسفيههم والطعن بهم بل وقتلهم بسبب ملبسهم ومعتقدهم . أما إن كان السبب فقط بحجة أن الإسلام يتنافى مع العقل والمنطق العلمي فعقيدة عبيد البقر والفار والقرود والاصنام والاشخاص أولى بأن ترمى عليها الحجج فمن يعبد إلها أرسل رسلا بمُعجزات منظورة أكثر منطقية ممن يعبد حيوان سيموت بينَ يديه أو صنما صنعهُ بنفسه!
واخيرا أقول : اسعوا في حربكم بلا هوادة لكن تذكروا ان ربنا وعدنا بالنصر والله لايخلف الميعاد . ان من يكفر ويشرك ويحارب الله ورسله سيكون الجواب المنطقي لعدم ايمانه هو قوله تعالى ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)
( والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لايؤمنون )
0 تعليقات