خيرالله خيرالله
علي عبدالله صالح اعتقد أن لديه أوراقا يساوم بها واعتمد على قسم من قبائل الطوق لتهب لنجدته ولم يدرك إلا متأخرا مدى نجاح الحوثيين في تفكيك التركيبة القبلية في شمال اليمن.
قبل ثلاث سنوات في الثالث من كانون الأوّل – ديسمبر 2017، قتل الحوثيون (أنصار الله) في صنعاء بدم بارد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي أمضى ما يزيد على ثلاثة عقود في السلطة، بين 1978 و2012.
بالتخلّص من علي عبدالله صالح، تغيّرت المعادلة اليمنية كلّيا، بل تغيّرت نهائيا. لم يعد يوجد من يملأ الفراغ الذي خلفه الرجل بحسناته الكثيرة وسيئاته الكثيرة أيضا. ليس الفراغ القائم حاليا والمستمر منذ سنوات عدّة مربطا بشخص حكم اليمن طويلا بمقدار ما أنّه مرتبط بمعادلة غائبة كانت قائمة في الماضي. في أساس المعادلة التي لم تعد قائمة وجود أجهزة أمنية شبه فعّالة وجيش قوي ومتماسك إلى حدّ ما مع شبكة علاقات واسعة ترتكز على مصالح متشابكة ومتبادلة، لم تكن بعيدة عن الفساد والمحسوبية. تضمّ الشبكة زعماء قبليين ورجال أعمال وصناعيين ومقاولين وتغطي معظم أنحاء اليمن وليس صنعاء ومحيطها فقط.
توّج اغتيال علي عبدالله صالح، الذي لا يزال الحلقة المفقودة في المعادلة اليمنية، جهودا طويلة بدأها الإخوان المسلمون من أجل التخلّص من الرجل في العام 2011 بكلّ الوسائل الممكنة، بما فيها محاولة تصفيته جسديا، بهدف الحلول مكانه. استطاع الحوثيون، الذين يتبيّن يوما بعد يوم أنّهم ليسوا سوى أداة إيرانية، قطف ثمار ما استثمره الإخوان المسلمون في عملية إزاحة علي عبدالله صالح الذي تنحّى لمصلحة نائبه عبدربّه منصور هادي الذي لا يزال “رئيسا موقتا” منذ شباط – فبراير 2012!
عمليا، احتاجت عملية اغتيال علي عبدالله صالح إلى سنوات عدة وذلك بعدما ارتكب الرجل مجموعة من الأخطاء جعلت منه، في نهاية المطاف، هدفا سهلا لزعيم “أنصار الله” عبدالملك الحوثي. أراد عبدالملك الانتقام لشقيقه حسين بدرالدين الحوثي الذي قتل في بداية الحروب الست التي خاضها مع الجيش اليمني في العام 2004.
بعد ثلاث سنوات على إعدام علي عبدالله صالح، نشهد اليوم وضعا يمنيا جديدا لا عودة عنه لبلد قديم صار في مرحلة إعادة التكوين. بكلام أوضح، أنّ إزاحة الرئيس السابق أدّت عمليا إلى تقسيم اليمن نهائيا في غياب أي قدرة على العودة إلى صيغة الشطرين، أو الدولتين المستقلتين كما كانت عليه الحال قبل الوحدة في الثاني والعشرين من أيّار – مايو 1990. الأهمّ من ذلك كلّه ألغى الوضع القائم حاليا، الذي تميّزه فوضى عارمة، وجود المركز، أي صنعاء، الذي كان يمكن أن يحكم منه اليمن. هناك حاليا بحث عن معادلة جديدة لعب كلّ الذين أرادوا التخلّص من علي عبدالله صالح دورا في إيجادها.
سيستمرّ البحث عن هذه المعادلة الجديدة سنوات طويلة. لا يمنع ذلك الاعتراف بأنّ الحوثيين، لعبوا بفضل من يخطّط لهم من خلف، دورا في تحقيق هدف محدّد. يتمثل هذا الهدف في السيطرة على بقعة من اليمن والتحكم فيها انطلاقا من صنعاء. كان التخلّص من علي عبدالله صالح خطوة على طريق تحقيق هذا الهدف الذي يشكل إنجازا كبيرا بالنسبة إليهم وكارثة على المناطق التي يتحكّمون بها والتي استطاعوا إخضاعها شيئا فشيئا. شمل ذلك إخضاع القبائل اليمنية التي عرف الحوثيون كيفية تفتيتها وجعلها في خدمتهم.
هناك محطات في غاية الأهمّية من المفيد التوقف عندها للتأكّد من أنّ الحوثيين تصرفوا بدهاء منذ بدأ الإخوان المسلمون ثورتهم على علي عبدالله صالح تحت غطاء “الربيع العربي” في شباط – فبراير 2011، ثم محاولتهم اغتياله في تفجير مسجد النهدين في حرم دار الرئاسة في محيط صنعاء في الثالث من حزيران – يونيو 2011.
استغلّ الحوثيون أوّلا حرب الإخوان على علي عبدالله صالح. كانت تلك الحرب بقيادة الشيخ حميد الأحمر واللواء، آنذاك، علي محسن صالح الأحمر قائد الفرقة الأولى – مدرّع، كما تسمّى في اليمن. في طريقهم إلى صنعاء من جبالهم وكهوفهم في صعدة، استغلوا إلى أبعد حدود الرئيس الموقت الذي كان يعتقد أنّ عليه تفكيك الجيش اليمني وإعادة تركيبه لإضعاف علي عبدالله صالح.
كذلك راهن عبدربّه منصور هادي على أنّه سيكون المستفيد الأوّل من إلغاء الحوثيين لآل الأحمر، زعماء قبيلة حاشد، وإخراجهم من بيوتهم في محافظة عمران… ثم من قضائهم على اللواء 310 الذي كان على رأسه العميد حميد القشيبي، وهو ضابط إخونجي من أنصار علي محسن صالح، نائب رئيس الجمهورية حاليا.
جلس علي عبدالله صالح منذ العام 2014 ينتظر مصيره في صنعاء بعدما دخلها الحوثيون وسيطروا عليها في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر من تلك السنة. حاول، من دون جدوى، تحذير عبدربّه منصور هادي من تفادي التصدي للحوثيين في عمران. أبلغه بالحرف الواحد عبر رسل عدّة بينهم يحيى الراعي وعارف الزوكا (قتل مع علي عبدالله صالح) وأبوبكر قربي وسلطان البركاني وياسر العواضي أن سقوط عمران يعني سقوط صنعاء. لكن عبدربّه منصور كان في واد آخر. اعتقد أنّ في استطاعته أن يكون علي عبدالله صالح آخر وأن يستولي على أدوار كانت بالفعل غير موجودة.
استخفّ الرئيس الموقت بالحوثيين. تبيّن أنّه لا يعرف شيئا عنهم. أمّا علي عبدالله صالح، فقد اعتقد أنّ لديه أوراقه التي يستطيع أن يساوم بها. اعتمد على قسم من قبائل الطوق التي اعتقد أنّها ستهب لنجدته في حال احتاج إلى ذلك. لم يدرك، إلّا متأخرا مدى نجاح الحوثيين في تفكيك التركيبة القبلية في شمال اليمن، هو الذي كان يعرف أن القبلي هناك يستأجر ولا يمكن شراؤه.
بعد ثلاث سنوات على اغتيالهم علي عبدالله صالح واستغلالهم العلاقة الجديدة التي أقاموها معه بعد وضع يدهم على صنعاء، ما الذي سيفعله “أنصار الله” بانتصارهم؟
يطرح هذا السؤال نفسه نظرا إلى أن ليس لديهم أي مشروع سياسي أو اقتصادي أو حضاري قابل للتطبيق. كلّ ما يستطيعون عمله هو تدمير مدينة عريقة مثل صنعاء ونشر البؤس فيها. الأكيد أنّهم في حلف غير معلن مع الإخوان المسلمين الذين يشكلون جزءا من “الشرعية” اليمنية. يستهدف هذا الحلف تقاسم اليمن يوما بين الجانبين.
حسنا، استطاع الحوثيون الوصول إلى حيث يريدون، ولكن ماذا عن اليمن؟ لا جواب في المدى المنظور. الثابت الوحيد أن علي عبدالله صالح كان يستطيع في مرحلة معيّنة تشكيل حالة قادرة على مقاومة “أنصار الله”. مع تصفيته جسديا لا مجال، إلى إشعار آخر، لإيجاد مثل هذه الحالة القائمة أساسا على جيش غير موجود متحالف مع بعض القبائل… هذا ما يدفع إلى الكلام أنّه تحول إلى حلقة مفقودة في اليمن.
0 تعليقات