علـــي النصـــير
آيفازوفسكي رسام اوكراني من أصول ارميني يعتبر من أشهر الرسامين العالميين فكانت اغلب لوحاته عن طبيعة البحر، حيث أنتج حوالي ستة آلاف لوحة من أشهرها لوح (الموجة التاسعة) التي رسمها عام 1850، اضافة للوحات أخرى لا تقل أهمية منها لوحة (عاصفة بحرية في ليلة مقمرة) ولوحة (حطام سفينة في ليلة مقمرة) ولوحة تمثل معركة سفينتين تركيتين وسفينة أخرى تدعى سفينة الزئبق.
الانسان بطبيعة تكوينه ميال لجمال الطبيعة بشتى أنواعها لذلك نراه يتجدد اشراقا وجمالا عندما ينظر الى أي شيء يشير للجمال سواء كان جمال طبيعي رسم من الخالق او جمال رسم من نتاج الانسان، نعم نحب النظر والتمعن بالطبيعة بجبالها الشاهقة ومياه شلالاتها المنسدلة من أعالي الجبال بشكل قوز قزح بحري بطريقة مختصره، إضافة لجمال الأرض وازهارها واشجارها المتنوعة التي تشكل منظرا مبدعا جدا تسر الناظر اليها، وسير سحب السماء بغيومها الرائعة خصوصا عندما تشق اشعة الشمس طريقها من خلالها فيتشكل امامنا منظرا خلابا رائعا لا يصف ابدا، فكيف اذا اكمن جمال الطبيعة بالجمال البحري، هنا ما هدف اليه الرسام الاوكراني آيفازوفسكي عندما كرس فنه وإبداعه في وضع بصمته النادرة جدا على فن البحر ليصبح بحق مؤسس جنس المنظور البحري.
يرى الناقد سمير الشيخ في كتابه (تحولات زهرة العباد) ان بنية التصوير عند آيفازوفسكي بنية شعرية، فهذا الفنان القادم من (ثيودوسيا) احدى مدن البحر الأسود- قد رسم خلال حياته المديدة أكثر من ستة آلاف لوحة زيتيه يشكل البحر ثيمتها المهيمنة، وبرغم التحولات التي شهدتها اسلوبية آيفازوفسكي يظل البحر هو الظاهرة الجمالية الأكثر بروزا في تجربته التشكيلية، لذا التأمل الاسلوبي في لوحات آيفازوفسكي يكشف عن مرحلتين متمايزتين في الاسلوبية التشكيلية وهما المرحلة الرومانسية والمرحلة الواقعية.
نرى نجاح آيفازوفسكي مستحق بجدارة فلم يستطيع رسام وشاعر اخر ان يمسك المزاج المتغير للبحر بمثل هذا التألق والاقناع والسهولة، فهو أكثر ميوله لرسوم البحار والمحيطات وحطام السفن والعواصف والمعارك البحرية فأتقن فن البحر حتى اصبح ينادي في كل مكان " البحر هو حياتي " حتى حقق نجاحا كبيرا واشتهر في الصحف والمجلات ولوحاته علقت في اغلب متاحف العالم حتى غزت وبقوة اقرانها من اللوحات فانفردت بجمالها ووصفها ومنظرها الخلاب الذي امتزج بالدراما والرومانسية والعتمة والنور فكان يعطي المنظر حقة بشتى أنواع الرسم لذلك اصبح آيفازوفسكي السفير الأول للفن البحري.
الرائع في لوحات آيفازوفسكي هي ما تتمتع به من السحر والخيال بالرغم من ان لوحاته كانت واقعية، فكان يلون الواقع بالدراما والرومانسية والجمال والخيال، فنان اختار الطريق البحري فأمطر الوسط الفني بلوحاته المميزة التي نالت اقبالا كبيرا رغم وجود الكثيرين من اقرانه الا فن الرسام الاوكراني كان له كلمة أخرى، لذا تظل لوحات ايفازوفسكي دراسة سيكولوجية للنفس الإنسانية، يعترف (فرنسيس جوردين) ان ايفازوفسكي هو بحق مؤسس جنس المنظر والفلسفة البحرية وما يأتي بعده محض محاكاة.
امتازت لوحاته أيضا بعنصرين متضادين وهما النور والظلام، فاستخدمهما في اغلب لوحاته بشكل درامي ليخضب المشاهد بحالة الملحمة، فكان يرغب جدا في إيصال فنه داخل لوحاته بالقرب الواقعي لتكن أكثر تأثيرا، تصور أنك تستمع لصوت أمواج البحار الهائجة التي تتلاطم في حافات الجبال وتسمع أصوات اشرعة السفن وهي تبحر على سطح المياه، هنا نجد العمق الفني للفنان الذي يأخذنا لعالم اخر وهو عالم آيفازوفسكي الخاص به.
0 تعليقات