إدريس زوزاني
عندما يتعلق الأمر في الكثير من الاحيان مدينة شنكال وبأي شكل كان لابد للمرء أن يتذكر تلك الأحداث المؤلمة التي شهدها المنطقة في شهر آب سنة ٢٠١٤، ثم يبدأ بالحديث حول الآثار السلبية التي خلفت ورائها كارثة بشرية بل إبادة جماعية حلت بسكان هذه المدينة العريقة وعلى وجه الخصوص ابناء المجتمع الأيزدي الذي يشكل الاغلبية فيها، حيث جرى لهم من الدمار ما لم يشهده العالم من قبل ولم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر اثناء الهجوم الوحشي الذي شنه عصابات تنظيم داعش الإرهابي على المدينة وكبد خلالها خسائر بشرية كبيرة فاقت حجمها جميع التوقعات وبعيدة عن جميع الاعراف الانسانية والمبادئ الاخلاقية، ذهبت ضحيتها الاف مؤلفة من الارواح البريئة حيث قتل الاطفال والمسنين وخطف النساء العزل والمتاجرة بهم في أسواق الرق والنخاسة، إضافة إلى ذلك دفن أعداد هائلة من الأهالي وهم احياء في مقابر جماعية دون ان يكون لهم ذنب يذكر غير إنهم ينتمون إلى عقيدة أخری غير عقيدتهم، كذلك الإستلاء على اموال وممتلكات اهل المدينة ونهب ثرواتهم دون وجه حق في غضون ايام معدودة.
نفذت هذه العملية الإرهابية من قبل أعداء الانسانية بطريقة إجرامية مدروسة لها في السابق وبشكل منتظم ولها أسباب عدة منها وهي الاهم أن غالبية ابناء هذه المدينة من اتباع اقدم ديانة الكوردية وهي الديانة الأيزدية العريقة والذين يتفاخرون بإصالة قوميتهم الكوردية وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم على مر السنين هذه من جهة ومحاولة هدم النسيج الاجتماعي بين جميع الاديان والمذاهب المتعايشة في هذه المدينة منذ نشأتها وزرع الفتنة بين جميع مكوناتها من جهة أخرى، وعلى هذا الاساس اختار الإرهابيون هذه المدينة دون غيرها لتكون نقطة الأنطلاق في تنفيذ مخططهم الدنيء في ضرب النسيج الإجتماعي لشعب كوردستان بطريقة منظمة ومعدة لها بشكل كامل.
لكن بالرغم من هذه المؤامرة الخبيثة والجريمة البشعة التي ارتكبها هذا التنظيم الارهابي بحق ابناء شنكال العزل، لم يدم فرحتهم طويلا في احتلال شنكال سوى فترة وجيزة من الزمن، ثم تهيأت قوة كبيرة من ابطال البيشمركة وبإشراف مباشر من قائد الشعب الكوردي الرئيس بارزاني والتحرك من اجل تطهيرها من دنس الانجاس اعداء الانسانية وتحريرها بالكامل.
جاءت تنفيذ هذه العملية البطولية من قوات البيشمركة كرد اعتبار لاهالي المدينة اولا ثم الوعد الذي قطعه الرئيس بارزاني على نفسه مع سماحة بابا شيخ والوفد الايزيدي عند زيارتهم له حينها حيث تفضل بالقول لن اعود الى اربيل الا وان ارى شنكال قد حررت على ايادي قوات البيشمركة من جديد ومهما كلفت ذلك الثمن.
هنا لايخفى على أخد بأن التضحيات التي قدمته قوات البيشمركة في هذا الحرب ضد الارهابيين كانت كبيرة حيث قدمت خلالها خيرة قياداته ارواحهم فداء من اجل ابناء مدينة شنكال وارضها التي يعتبر جزء لايتجزأ من اراض كوردستان وواصل البواسل هجومهم الضروس الى ان تحررت المدينة بالكامل وعادت معها الامن والاستقرار إلى المنطقة من جديد.
حيث حاولت في الوقت نفسه حكومة كوردستان البدء باعادة اعمار المدينة وتمهيد الطريق امام عودة النازحين الى ديارهم وإنهاء حقبة النزوح، الا أن جذور المؤامرة الخبيثة انبتت من جديد ونسجت خيوطها داخل نفوس بعض المغرضين الذين لديهم اطماع في ارض كوردستان بشكل عام ومدينة شنكال على وجه الخصوص ومحاولة طمس هويتها القومية وتغيير ديموغرافيتها حسب رغباتهم، ان هؤلاء الذين قدموا من خارج الحدود كانوا يتحدثون باسم القومية وقتها وهاهم اليوم يمارسون ابشع انواع الظلم والاضطهاد من خلال سياستهم الهوجاء ضد ابناء هذه المدينة الكوردستانية تحت غطاء ديني متعجرف مستغلين افكار فئة معينة من اهاليها الذين عانوا الامرين جراء هجوم داعش الارهابي يحاولو ن بذلك جرهم الي مستنقع التطرف الفكري واللعب على الوتر الديني والمذهبي لابعادهم عن شعورهم القومي في سبيل حماية مصالحهم السياسية الضيقة في المنطقة.
ثم تحول بعدها الامر الى احداث ١٦ اوكتوبر ٢٠١٧ والخيانة التي قاموا بها فئة ظالة من الخونة بالتعاون مع اعداء الشعب الكوردي في المنطقة وتسليم مدن كبيرة ومناطق استراتيجية من كوردستان لمسلحي الحشد الشعبي لتشمل في هذه الاثناء مؤامرتهم الدنيئة مدينة شنكال ايضا، حيث انسحب منها قوات البيشمركة حسب رغبة البعض من اهالي المدينة بذريعة ان المنطقة لاتتحمل حروب اخرى بعد ان خرجت من كارثة ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق اهلها لتدخل قوة غير نظامية من مليشيات الحشد الشعبي ومسلحي حزب العمال الكوردستاني (البككة) المنطقة وتصبح شنكال ملاذ آمن لهم لتهريب المواد الممنوعة والاسلحة المحرمة دوليا والاتجار بارواح الناس البسطاء ويجعلونها ملجأ للمتمردين والخارجين عن القانون، كما اصبحوا في الوقت نفسه حجر عثرة امام عودة اهالي المدينة الى مناطقهم.
لا شك بأن هناك دوافع سياسية وراء عدم استقرار مدينة شنكال وهذا ما جعلت منها لقمة سائغة لبعض الفصائل المسلحة والقوى السياسية الغير شرعية والتي جاءت من خارج الحدود لتنهش من لذائذها كالذئاب وتعمل بكل مالديها من الطاقة والامكانية لتدميرها من أجل ارضاء جهات اجنبية معادية للشعب الكوردي وتحاول بشتى الوسائل طمس هويته وابادته من الوجود، كما تستفاد من وجودها دول إقليمية لديها اجندات خاصة في المنطقة تعمل بكل جهد من اجل بقاء هذه المدينة في حالة عدم الاستقرار وتستمر فيها دوامة المشكلات بين جميع مكوناتها الاجتماعية ولكي تبرز معها حدة النزاعات الطائفية والمذهبية بين جميع مكوناتها الاجتماعية وهذا قد تؤثر على أسس ومفاهيم التعايش السلمي بين المجتمع سلبا، يخلقون كل هذه المشكلات من اجل ضمانة وجودهم في المدينة والبقاء في الصدارة والسيطرة على جميع مرافئ الحياة فيها حسب رغباتهم السياسية وخطط عملياتهم المرسومة في المنطقة.
0 تعليقات