نضال العضايلة
تتفجر المفاجأت، المفاجأة تلو الأخرى في الأردن، وتنقض الأحداث على بلد اُنهك اقتصاده، ولم يترك له كوفيد 19 مجالاً ليتنفس، فالحال الذي يتبدل لا يحمل معه أملاً في مستقبل أفضل لمن ينتظرون حياة تحملهم إلى النعيم بعيداً عن جحيم الفقر والبطالة والتهميش.
يعيش في الأردن ما نسبته 34.3٪ دون سن الخامسة عشرة، هذا اذا ما علمنا أن عدد سكان الاردن يتجاوز العشرة ملايين بقليل، اي أن ما يقارب الأربعة ملايين باتوا اليوم بانتظار مصيرهم ولا يعلمون عن مستقبلهم شيء في ظل ازدحام الحياة وتفشي البطالة وتراجع الإقتصاد.
الشباب الأردني اليوم، يعيشُ حالة من الاغتراب في مجتمعه ووطنه الأم، وذلك نتيجة لارتباطه بمتغيرات وإفرازات المجتمع الذي ينشأ فيه، وكل ذلك بسبب سياسات تمارسها بعض الاقطاب التي تدور بفلك السلطات الاردنية على هذا الشباب المظلوم والمقهور، و الذي ما تزال أزمة البطالة تلاحقه في كل مكان، وهو عاجز عن توفير لقمة العيش والمسكن، كي يتزوج أو على الأقل أن يوفّر قوت يومه وهذا على الأقل سبب كاف لزيادة الشعور بالاغتراب داخل الوطن، وفي البيئة المجتمعية الحاضنة لهؤلاء الشباب”.
اليوم عاد من جديد تكرار الحديث الروتيني المعهود من قبل” بعض “ الساسة في الأردن ومتخذي القرار وصُنّاع القرار، والذي يدور بفلك واحد ،فقد كانت هنالك جملة شهيرة يرددها هؤلاء المسؤولين ومضمونها : “ إن الشباب هم من أسس البناء لمشاريع التغيير” كما يتحدثون ويضيفون هنا “ أنهم من مكونات مشاريع النهضة والمستقبل الأفضل للأردن “، ومع هذا الحديث ومع تقادم هذا الحديث وترديد نفس العبارات نستطيع أن نختصر هذا الحديث بمقولة “ نسمع جعجعة ولانرى طحين”، فقد بدأت علامات الشيخوخة والهرم تظهر على وجوه الشباب الأردني، ولم يشاهدوا من حديث مدّعي الحرص على مستقبل الشباب الأردني سوى الكلام.
النسبة الأخرى المقلقة هي أن 60% من المجتمع الاردني دون سن الثلاثين وهؤلاء يواجهون مشكلات اجتماعية عديدة تنذر بخروجهم عن القيم الاخلاقية والدينية، والمجتمع الاردني شهد جملة تطورات ومتغيرات اصابت الشباب الاردني واثرت فيهم تأثيرا كبيرا، اذ تفككت منظومة قيم وحلت محلها منظومة جديدة، اذ بدأ الشباب يعلنون عن حالة غربة عن المجتمع متهمين اهاليهم بعدم مواكبة التطورات التي تشهدها الحياة في العالم.
ان كثيرا من المشكلات التي تواجه الأردنيين لم تعد تقليدية بل نجمت مشكلات جديدة بحاجة الى حلول، واجه الأردن، الذي حافظ على معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1994 ويعد حليفا إقليميا مهما للولايات المتحدة، سلسلة من التحديات الرهيبة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك استضافة ملايين اللاجئين والضغوط الجديدة الناجمة عن جائحة كوفيد-19.
والأردن بلد صغير، يبلغ عدد سكانه أكثر من عشرة ملايين نسمة، وهو حاليا موطن لأكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، ونصف مليون لاجئ عراقي، وأعداد كبيرة من اللاجئين من جنسيات أخرى، في ظل ظروف سيئة وتمويل يتناقص، وافتقار الناس إلى الوصول إلى الرعاية الصحية وفرص العمل.
ومع تزايد الاحتجاجات ضد الحكومة بسبب عمليات الإغلاق التي لا نهاية لها على ما يبدو، والفساد السياسي، والمشاكل الاقتصادية أصبحت شائعة، تثير الجهود الحكومية للحصول على قروض صندوق النقد الدولي، من خلال تنفيذ إصلاحات تقشفية، معارضة شعبية مستمرة.
وفي العام الماضي وعقب مظاهرات واسعة النطاق ردا على قمع الحكومة لإضراب المعلمين والاحتجاجات المناهضة للإغلاق، أدت وفاة تسعة مرضى بفيروس كورونا الذين نفد الأكسجين في مستشفى السلط الحكومي إلى زيادة المطالب باستقالة الحكومة.
تأتي هذه المشاكل الداخلية أيضا عقب سلسلة من التحديات السياسية الخارجية للمملكة، فمن المعروف أن عمان لم تكن من المعجبين بخطط الرئيس السابق دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، وهو ما أثر على العلاقات بين البلدين في ذلك الوقت.
لقد أدى تبني اتفاقيات إبراهيم بين إسرائيل والإمارات والبحرين إلى مزيد من التغيير، وحتى وقت قريب، كانت الأردن واحدة من دولتين عربيتين فقط حافظتا على علاقات وثيقة مع إسرائيل، والاتفاقات والتكهنات بأن السعودية قد تكون قريبة من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، غيرت هذه الديناميكية".
وعلى المدى المنظور قد لا تعتبر المحاور الحيوي الذي كانت عليه من قبل، خاصة الآن بعد أن تقترب العواصم العربية من إسرائيل رغم عدم وجود سلام إسرائيلي فلسطيني، وإذا استمر هذا الاتجاه، فسيتعين على الأردن اتخاذ قرارات صعبة بشأن مكانته في هذا النظام الإقليمي الناشئ، فيما يتعلق بكل من اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدوده والتمويل من عواصم الخليج التي لا يزال بقاؤها يعتمد عليها.
الاقتصاد الأردني هو اقتصاد المعرفة السائر على درب تطوير التعليم، الخصخصة، التحرر الاقتصادي المستمر، مع إعادة الهيكلة الاقتصادية لضمان مسار إلى اقتصاد قائم على المعرفة، أما العقبات الرئيسية التي تعترض الاقتصاد الأردني فهي مصادر المياه الشحيحة، والاعتماد الكامل على الواردات النفطية من أجل الحصول على الطاقة، وعدم الاستقرار الإقليمي.
الأردن يُعاني من مشاكل عدة، ومن الحلول التي يحتاجها إليها للتعافي من الأزمات الحادة والمشاكل الجمّة التي ألقت بظلالها على المواطنين البسطاء هناك، العمل الجدّي على تنويع مصادر الدخل لأن المساعدات الخارجية، لا سيّما الخليجية منها، لن تستمر طويلاً مع انخفاض أسعار النفط، والتعامل الجدّي مع ملف الطاقة الذي من شأنه أن يفتح آفاقاً واسعة أمام الصناعة و الزراعة، والبحث عن موارد جديدة كاستغلال الصخر الزيتي لإنتاج النفط واﺴﺘﻐﻼل ﻤﺼﺎدر الطاقة اﻟﻤﺘﺠددة، وتعزيز البنية التحتية والبيئة الاستثمارية الأردنية من خلال التقليل من البيروقراطية وسن تشريعات استثمارية تحفز المستثمرين الأجانب على الاستثمار في الأردن، بالإضافة إلى تقديم الحوافز المالية كخفض سعر الفائدة على القروض الإنتاجية، وإيجاد أسواق خارجية جديدة للمنتجات المحلية وتحسين جودتها، وكذلك تشجيع الإنتاج المحلي والتصدير من خلال التوقف عن زيادة الضرائب التي من شأنها مفاقمة تكاليف الإنتاج وتنفير المستثمرين، وتقليص النفقات الجارية والقضاء على كل أشكال الفساد والمحسوبية التي ساهمت في هدر المال العام من خلال الردع القانوني وتعزيز الشفافية.
وعلى الجانب الآخر يواجه الأردن جملة من التحديات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومن التحديات الداخلية تدني درجات المشاركة السياسية والشعور بالتهميش وبروز ظاهرة تفشي الفساد وعدم السرعة في المعالجة وتسويف في عملية اتخاذ القرارات الحاسمة في محاسبة الفاسدين، واسترداد الأموال المنهوبة من جيوب المواطنين إلى خزينة الدولة قد آثار حفيظة المواطنين في عدم نزاهة الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الأزمة (وترك الحبل على الغارب ) وهذا ما هو إلا دليلاً واضحاً على عدم تعاطي الدولة الأردنية مع مطالب الشعب بالشكل الصحيح، ناهيك عن عدم الرضا، لا بل والسخط على تركيبة مجلس النواب التاسع عشر والتي جاءت بغير إرادة الشعب، وعبر قانون مرفوض من كافة فئات المجتمع.
0 تعليقات