فائزة محمد علي فدعم
وقفت بانتظار ابنتي في موقف السيارات ولكني فوجئت بإمرأة لديها مسحة من جمال قديم تهمُّ في ركوب السيارة . كان السائق بانتظارها فالتقت عينانا وصرنا وجها لوجه وبعد ثواني من التأمل ودون وعي منا تعانقنا بشغف يصحبهُ بُكاء . لم اراها من مدة طويلة وقد أمسكت بيدي وامسكت بيدها ولم اكن اريد مفارقتها ابدا وتذكرت القصة التي حدثت لي معها واصبحت بعدها جارتي حتى رحلت هذه العائلة التي اخترت لها لقب منذ الطفولة البريئة في الزمن الجميل حين كان الحياء غالبا على الفتيات وكان اهالي بعقوبة عند اي مُناسبة تذهب البنات والنساء الى مايسمى الكوافيرات الان وهنَّ اثنان فقط من البيوتات العريقة التي لديها شهرة واسعة في قص وتجعيد الشعر اولهم زوجة الحاج (م) والثانية بيت (ش) وبعد فترة قليلة من الزمن جاءت الست جانيت التي سكنت في البداية مقابل نهر خريسان خلف دار السيد غلوبي الكببجي ( ابو علي) رحمه الله وبعدها انتقلت قرب البريد ملاصقة لعيادة الدكتور وجيه علي نجا ثم جاءت كوافيرة اخرى سكنت منطقة (العنافصه ) اسمها ام مشرق . كانت تأتي من بغداد في فترات محددة ويقال ان الذي اغراها بالمجيء الى بعقوبة عائلة محترمة كانوا زبائن عندها وبسبب ذوقهم العالي الذي جذبها للمنطقة التي يسكنون فيها واستقرت في دار السيد حجل ابو الكبة ...
أعود الى قصتي مع السيدة التي التقيتها واعادتني الى ذكريات بيت الجيران الذين كانوا يسكنون بالقرب من دارنا وانا صغيرة وهم اشخاص طيبين من اهالي (كوردله) كان رب العائلة يدير اعمال حرة واكثر عمله في بيع الجص وبعد سنتين انتقلوا الى دار قرب قنطرة خليل باشا وظلَّت الصلة بيننا وتوطدت اكثر لان ابنتهم في نفس عمري وكنا دائما معا لا نفترق والزيارات لاتزال مُستمرة وكانت هادئة احركها كما اريد .
كنت اسمع من الجيران بان الست جانيت كانت متميزة بقصات الشعر وتجعيده فهمست يوما في اذن صديقتي بان العيد بعد ايام وكنت اعتبر نفسي قد اصبحت كبيرة بما يكفي لاتخاذ قرارات لاتعد ولا تحصى كلها من صالحي ولهذا قررت ان نذهب الى الكوافيرة وفاتحت الوالدة بالموضوع فقالت انتم لا تزالون صغار وهذا عمل مشين لكم وبعد عناد والحاح وتوسل نجحت في اقناعها وقبل عرفات بيوم اخذتنا خالتي الى المكان المطلوب وفي الشارع المُؤدي الى بيتهم . اشترينا زعرور واكلناه في الطريق حتى وصلنا دار الست جانيت . كان البيت قديما جدا والغرفة مظلمة الا من اشعة الشمس وقد رحبت بنا وكان لها طفل جميل جدا اسمه عمانوئيل ويدلع ب(عمو) وضعته في رعاية خالتي واحضرت الادوات لتبدأ بتجعيد شعري اولا واجلستني على كرسي من الخشب وخالتي والصديقة والصغير يجلسون على الحصيرة . وجاءت بالعدة وهي عبارة عن اوراق تلفها على قطعة من الحديد وتأخذ خصلة خصلة من الشعر وتعيد الكرّة وتضع عليها مادة تُغمسها فيها لا اعرف ماهي تجعل الدخان ينبعث من رأسي فخافت صديقتي وهربت من الغرفة والخالة تركض خلفها واحضرتها بشق الانفس وانا تجمد الدم في عروقي من شدة الخوف وبعد اكمال المهمة نزعت الاشياء الموضوعة في شعري ومشطته ووضعت دهن خاص عليه وجلست للاستراحة ليأتي دور صديقتي وتكرر الامر معها حتى انتهت فسألتها خالتي : الا يوجد لديكم مرآة ؟
فقالت : نعم لكنها كسرت وذهب زوجي ليجلب غيرها وخرجنا من بيتها وفوق رأس كل منا ربطة (شال) وذهبنا الى بيت صديقتي لنوصلها فدخلنا الدار وكانت عندهم مرآة موجوده في المجاز فتملكني الفضول لأرى شعري ويالها من نكبة ماذا حل به من كارثة ؟ نظرتُ في وجهي واذا انا لست انا ... وقفت صديقتي جنبي وعندما شاهدت نفسها صرخت بأعلى صوتها واجهشت في البكاء ولم تسكت حتى قام والدها بحلق شعرها (نمرة صفر) واقنعها بانه سينمو بهدوء وستمضي فتره حتى يستقر وضع شعرنا ويصبح جميلا . واتفقنا على ان نبقي الامر سرا بيننا ولكن فجأة طرق الباب جماعة كان لديهم عمل مع والدها فذهبت لأفتح لهم وانا مغطاة الرأس فقال الرجل : هل هذا بيت فلان ؟
فأجبت : كلا هذا بيت الگرعة .
0 تعليقات