محمد مظفر الأدهمي
في مثل هذه الايام من شهر مايس عام 1956 بدأ (تلفزيون بغداد) بثه بحدود مدينة بغداد انذاك ، بعد ان اعجب الملك فيصل الثاني باجهزته التي شاهدها في المعرض التجاري المقام في المدينة ،فاهدته الشركة الالمانية المصنعة للعراق .
ومنذ ذلك التاريخ اصبح تلفزيون بغداد ،ومن ثم تلفزيون العراق ، ملاذا للتمتع بمشاهدة برامجه الذي اقتصر في بداية الامر على مقاهي بغداد وبيوت العوائل الموسرة .ثم امتد بعدذلك ومنذ السبعينات الى مناطق اخرى من العراق ليغطي كافة انحاء البلاد .
ان هذه الوظيفة الترفيهية قد جلبت انظار وانتباه السياسيين العراقيين كأداة مهمة في الصراع على السلطة تقرر مصير من يطمح باستلامها ، ولذلك سقط النظام الملكي مع اول بيان جمهوري اذيع من الاذاعة والتلفزيون، واصبحت محكمة المهداوي ضيفا على بيوت البغداديين يشاهدون وقائعها في محاكمة رجال العهد السابق ومن حاول استلام السلطة في العهد الجديد .
وكان ظهور الزعيم عبدالكريم قاسم على شاشة التلفزيون مقتولا يهز رأسه احد الجنود ايذانا بانتهاء العهد الجمهوري الاول . كما كان لظهور الرئيس عبدالسلام محمد عارف من على شاشة التلفزيون في خضم احداث الصراع عام 1963 وفي مؤتمر صحفي ، اعلانا بانتهاء حكم البعث واستلامه مباشرة للسلطة ليبدأ العهد العارفي الذي امتد الى عام 1968 الذي عرف بالعهد الجمهوري الثاني ، وخلاله كان للتلفزيون دوره في فشل المحاولة الانقلابية الثانية التي قام بها الزعيم الطيارعارف عبدالرزاق ، فقد كان من اساسيات خطة الانقلاب السيطرة على مرسلات البث في ابي غريب ومن ثم التوجه للسيطرة على الاذاعة والتلفزيون في الصالحية لحسم الموضوع امام الشعب.
ولكن قطع التيار الكهربائي من بغدادعن المرسلات عند اذاعة بيانات الانقلابيين افشلت الانقلاب .ولم يجد الرئيس عبدالرحمن عارف غير التوجه من داره الى الاذاعة والتلفزيون قبل كل شيء لاذاعة بيان يؤكد فيه سلطته ، ولم يكن الامر بهذه السهولة ، فقد تعرض الى محاولة اغتيال من قبل الانقلابيين عند دخوله مبنى الاذاعة والتلفزيون يوم 30/6/1966 قتل فيها سائقه الذي كان بجانبه وجرح آخر من حمايته ،وطاشت الرصاصات الباقية ونجا باعجوبة ليتجه الى القصر الجمهوري ويدير عملية القضاء على الانقلاب من هناك ، مما يظهر اسبقية التلفزيون على القصر الجمهوري في الاهمية في الصراع على السلطة.
ولا شك ان الحد الفاصل بين 17 تموز و30 تموز 1968 هو ظهور الرئيس احمد حسن البكر من على شاشة التلفزيون ليعلن اقصاء الداود والنايف حلفاء البعث في استلام السلطة، لتبدأ مرحلة العهد الجمهوري الثالث .
ولم ينته دور التلفزيون السياسي في الصراع على السلطة الا بعد احتلال العراق عام 2003 مع ظاهرة الانفلات الاعلامي بظهور عشرات المحطات التلفزيونية الفضائية في البلاد.
0 تعليقات