بقلم: الكاتب والباحث السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي...
ليس في الأمر غرابة بالنسبة للنظام الإسرائيلي في مثل هذه الممارسات الإرهابية فهو إرهاب سياسي بكل المقاييس.
من دون شك فإن هذا الطغيان والظلم والإرهاب والذي هو جوهر السياسة الإسرائيلية، يعبر عن تراث (تيودور هرتزل) صاحب فكرة دولة اليهود، وزعيم العصابة الصهيونية ويطلق عليه (والد أو الأب الروحي للصهيونية السياسية).
ولم يتوقف القتل الصهيوني للشعب الفلسطيني على تراث هرتزل بل هناك أفكار وتنظير المجرم الدولي ( ديفيد بن غوريون) أول رئيس وزراء لإسرائيل الذي قال وبكل وقاحة أمام العالم" لامعنى لإسرائيل من غير القدس ولامعنى للقدس من غير الهيكل، ربنا ليس ربهم".
وفي عام 1947 كتب بن غوريون مايسمى رسالة (الأمر الواقع) وهي تحديد علاقة الصهيونيون بين الدولة وبين الدين، وبالتالي انتصرت السلفية اليهودية ولم تتمكن إسرائيل أن تضع لنفسها دستورا مدنيا إلا في حالة تطابق الدستور مع التوراة.
وتأسيسا لما تقدم، فقد ارتبطت إسرائيل وحتى اليهود العلمانيون بتبعية شديدة بالشرعية (الحاخامية) اي يتبعون للحاخاميين كما تتبع الجماعات الأصولية الإسلامية لشيوخ فتاوى التكفير والإرهاب.
فالسلفية اليهودية تمثل بحد ذاتها الإرهاب العالمي، هي التي تقتل وتعتقل وتشرد أبناء الشعب الفلسطيني منذ أكثر من مئة عام على الأقل. فإذا كان الغرب قد عرف بن لادن وعبد الله عزام على أنهم قادة الإرهاب الكوكبي، وإذا كان صامويل هانتنجون قد كتب صراع أو صدام الحضارات وأتهم الراديكالية الإسلامية بالإرهاب العالمي، لماذا لم يتهم بن غوريون وشارون ونتنياهو بالأرهابيين؟
وكما استخدم (ابن تيمية) الشريعة لتكفير الأمراء والحكام، ثم من بعده (سيد قطب) الذي وصف في كتابه (معالم في الطريق) أن العالم المعاصر بالحقبة الجاهلية، حقبة عبادة الأصنام والهمجية التي كانت سائدة في مكة قبل الإسلام، فإن الأصوليين اليهود استخدموا نفس الأسلوب، حيث يقول الحاخام اليهودي الأكبر(شلومو غورين) " المستوطنون اليهود هم أصحاب البلاد، ولاتوجد قوة على الأرض قادرة على انتزاعهم في الضفة الغربية ويهودا والسامرة والجولان وغزة وأريحا وستبقى كلها يهودية إلى أن يعود المسيح".
وهي نفسها السلفية اليهودية التي تعارض كل مؤتمرات السلام وحل الدولتين، حيث قام السلفي المتطرف اليهودي (إيجال أمير) بأغتيال المجرم أسحاق رابين رئيس وزراء العصابة الصهيونية خلال مهرجان خطابي مؤيد لعملية السلام في تل أبيب عام 1995.
وما تزال إسرائيل هذا الكيان المغتصب يعيش ازدواجية، كونها وكما تدعي دولة ديمقراطية ليبرالية أو دولة دينيّة يهودية؟
لكنها في الحقيقة دولة دينية متعصبة.
وفقا لما تقدم، فإن قضيّة الصراع بين اليهود والعرب أشبه ما تكون بالحرب الأهليّة لمن يدرس تعقيدها التاريخي ولا ترقى لأبعد من ذلك، وموضوع تأسيس ماتسمى دولة إسرائيل لا يعدو أكثر من استقلال مكوّن طائفي تم استجماع شتاته من داخل وخارج المنطقة وفق مشروع يسمح بالتوسّع الجغرافي على حساب وجود مكونات أخرى ويثير القلق الدائم والأزمات بما يخدم أهداف القوى الاستعمارية التي خططت له وتدعم وجوده، هذا هو الفارق الذي يلخص ثنائيّة اليهود كطائفة دينيّة أو اليهود كشعب تمثله دولة إسرائيل حاليا. فلو استعرضنا سجال صفحات العداء العربي الإسرائيلي، كان الهدف هو منح اليهود وطن بحدود رمزية لا تتجاوز ما كانت عليه السامرة واليهودية قبل السبي البابلي. كذلك هو اليهودي الذي جمع مدخراته حالما بأكذوبة أورشليم وأمل وقوفه أمام الحائط المتبقي من الهيكل الذي يثبت هويته ومجده الإنساني.
وعليه لم ولن تنتهي القصة بوقف إطلاق النار، لأن المأساة ستستمر وسوف تبقى ما لم يتوقف الإرهاب العالمي بكل أشكاله وألوانه وأولها الإرهاب الإسرائيلي.
إن المكر السيئ يحيق بأهله والسياسات الخاطئة تعقبها كوارث، لا شيء يستقر بدون توازن ولا يمكن تحقيق السلام إلا من خلال العدل.
السؤال: أين العالم الغربي دعاة الحرية والديموقراطية والذين صدعوا رؤوسنا بالحرية والتسامح الديني والدفاع عن الأقليات وأين صيحات العدالة والمساواة والتي تؤكد على أن جميع الطوائف يجب أن تمارس طقوسها بكل حرية حتى لو كانت طائفة بلبلية؟
0 تعليقات