أكرم عبد الرزاق المشهداني
مستشار قانوني وخبير بمكافحة الفساد
تعد سرقة الأصول العامة مشكلة إنمائية على درجة كبيرة من الخطورة، وتتجاوز التكلفة الحقيقية للفساد بكثير قيم الأصول التى ينهبها قادة ومسؤولو بعض البلدان، مما يفضى إلى تردى أداء وسمعة المؤسسات العامة وعدم الثقة بها، وبخاصة تلك المنخرطة فى إدارة الماليات العامة وحوكمة القطاع المالى. وادراكاً منه لتلك المشكلة الجسيمة والتى تهدد عملية التنمية فى دول العالم المختلفة، طرح المجتمع الدولى إطاراً جديداً لتيسير تتبع الأصول المنهوبة من خلال الممارسات الفاسدة وتجميدها ومصادرتها وإعادتها إلى بلدانها الأصلية، وجاء ذلك فى فصل كامل مخصص باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (هو الفصل الخامس)، حيث عرفت الاتفاقية إعادة الأصول بأنها مبدأ أساسى من مبادئ الاتفاقية، والدول الأطراف مطالبة بأن تقدم لبعضها البعض أكبر قدر من التعاون والمساعدة فى هذا الصدد.
وتشكل الموجودات المنهوبة بفعل الفساد مشكلة خطيرة لتسرب اموال الدولة، اذ ان من شان هذه الخسائر النقدية تقويض الحكم الرشيد، وإضعاف مساءلة الدولة نحو المواطنين، واستنزاف موارد التنمية، وقد بذلت الجهود من اجل تتبع التمويل، وتجاوز العقبات القانونية، التي تقف حائلا أمام استردادها، والتفاوض حول سبل إعادة الأموال، والامر لا يرتبط بدول معينة بل ان الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، مسؤولة عن سرقة الاصول، واسناد المبادرات الرامية الى اعادتها، الى البلدان التي سرقت منها.
لقد كانت عملية مكافحة الفساد تعتبر ضمن مجال اختصاص حكومة كل دولة بمفردها، ولكنها اليوم أصبحت شأن المجتمع الدولي الذي يعمل سوية بمثابة المتمم والمساعد لجهود الحكومات في مكافحة الفساد وملاحقة الفاســــدين.
المقصود باسترداد الأموال المنهوبة
عملية استرداد الأموال أو الأصول المنهوبة “مصطلح يعبر عن مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية والجهود المبذولة من الدول لإستعادة الأموال التي نهبت من ثرواتها ومواردها والمتأتية من عمليات الفساد والتي هُرّبت إلى دول أجنبية أو بقيت داخل الدول نفسها “، وهو مسار يتم فيه تحديد وتجميد وإعادة هذه الأموال للبلدان التي كانت ضحية لهذا الفساد وهي عملية معقدة ومتعددة المستويات, وهي أحد أهم إجراءات مكافحة الفساد.
وقد عرفت بعض الدراسات الدولية عملية استرداد الموجودات بأنها “العمليات ذات الصلة والتي تستخدم لإعادة الموجودات المتحصل عليها بالفساد او باساليب غير قانونية والمهربة خارج الدولة، ولضحايا الفساد بما لا يضر بالأطراف حسنى النية، وذلك من خلال اللجان التي تنشا لهذا الغرض بما لا يتعارض مع اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
وقد عرفت بعض الهيئات الدولية عملية الاسترداد بانها “العملية التي تهدف إلى اتخاذ الاجراءات اللازمة لإعادة الموجودات المهربة الى ضحايا الجرائم التي نتجت عنها هذه الموجودات.
ويعرف الممارسون والخبراء عملية الاسترداد في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بانها “مجموعة النصوص الإجرائية والتنسيقية الواردة في الفصل الخامس من الاتفاقية وتهدف هذه النصوص إلى إعادة الأموال المتحصلة عن جرائم الفساد إلى بلدان الأصل التي نهبت منها هذه الأموال من خلال آليات للتعاون بين الدول الأطراف في الاتفاقية.
وعرّف البعض عملية الاسترداد بأنها “استعادة الأموال العامة المنهوبة بطريقة غير مشروعة إلى خزينة الدولة وفق الإجراءات التي ينظمها هذا القانون، واللائحة التنفيذية له، وطبقا لأحكام اتفاقدورية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أو غيرها من الاتفاقيات الدولية الأخرى ذات الصلة باسترداد الأموال المنهوبة.
وحسناً فعل المشرع عندما نص صراحة أن المقصود بالأصول في نطاق استرداد الموجودات هي تلك الموجودة خارج البلاد.
أن التعريفات السابقة أغفلت أحد أهم الأمور التي تؤثر في عملية الاسترداد وإن لم تكن أحد عناصرها، وهو آلية التصرف في الموجودات المعادة رغم أن العديد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية قد وضعت بعض الضوابط التي يمكن الاهتداء بها لمعالجة ما قد ينشأ بين كلاً من الدولتين الطالبة والمتلقية من نزاعات حول التصرف في الموجودات المعادة.
بناء على ما سبق يمكن تحديد مفهوم الموجودات المهربة في القانون الدولي بانها: ” أي منفعة لها قيمة تُحُصّل عليها بصورة غير مشروعة، وكافة الوسائل التي استخدمت للحصول عليها، ووسائل الاثبات التي تثبت ذلك، عبرت الحدود الوطنية لدولة ما الى حدود دولة اخرى بصورة مشروعة أو غير مشروعة”.
وتحديد مفهوم عملية استرداد الموجودات المهربة على المستوى الدولي بأنها “النظام القانوني الدولي الذي يعمل على تتبع واستعادة الموجودات المهربة للدول والضحايا أصحاب الحق فيها، ويبين كيفية التصرف فيها”.
أنواع الاسترداد:
والأسترداد على نوعين: استرداد داخلي، واسترداد خارجي (أو دولي).
الاسترداد الداخلي:
هي عملية استرداد او استحصال اموال الفساد من الفاسدين الذين استحوذوا عليها بطرق الفساد المعروفة، وتحكمها قوانين الاجراءات الجنائية الداخلية او القوانين الخاصة، ويفصل فيها القضاء الوطني بموجب الأدلة المتحصلة والمتوفرة، من خلال اجراءات التحقيق والتقاضي.
الاسترداد الخارجي او الدولي:
تصاعدت المطالبات الشعبية باسترداد اموال الفساد وملاحقة الفاسدين، عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، واحتلت قضية الفساد رأس قائمة الأولويات نتيجة للرغبة الكبيرة على المستويين الرسمي وغير الرسمي لاستعادة الأموال المهربة إلى الخارج. ولهذا، فقد برزت الدعوة إلى ضرورة اعتماد نهج إصلاحي جديد قائم على المشاركة والانفتاح يعمل على تطوير أطر قانونية ومؤسسية فاعلة لمكافحة الفساد، مع ما قد يتطلبه ذلك من إعادة النظر في العقد الاجتماعي القائم بهدف إرساء الدعائم السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية اللازمة لهذه الإصلاحات. ولما كان موضوع استرداد الأموال من الموضوعات الأكثر إثارة للجدل في الآونة الأخيرة، حيث حُرمت شعوب الدول العربية التي تمر بمرحلة تحول من ثرواتها الوطنية، فقد انبرت جهود دول الربيع العربي في إجراءات استرداد تلك الأموال، مستندة في ذلك لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005 والتي تعد بمثابة خريطة الطريق بشأن اتخاذ أهم التدابير لمكافحة الفساد، وهذا يتضح من خلال تنفيذ المواد 54، 55، 57 من الاتفاقية.
وقد كان من بين تلك الجهود ما قامت به كل من دول الربيع العربي، حيث اتخذت معظم هذه الدول من السبل الكثير من أجل إعادة تلك الأموال، ولكن تكمن المعضلة الأساسية هنا في المعوقات الجمة في سبيل عملية الاسترداد، وإرادة التعاون بين الدول في هذا المجال. وقد أسهمت البيئات الداخلية والإقليمية والدولية لتحفيز جهود استعادة الأموال المنهوبة، وذلك من خلال إسهام عاملين مهمين في المساعدة على استعادة الأموال المنهوبة، يتمثلان بالإرادة الشعبية كسند أساس داعم للقوى والتحالفات التي بدأت تمارس أدوار عملية لاستعادة الأموال المنهوبة، والبيئة العربية المتشكلة في المنطقة العربية وفي البلدان التي أسقطت أنظمة فاسدة فيها تحديداً، ما جعلها بيئة داعمة ومحفزة للمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة.
ولاشك ان لمنظمات المجتمع المدني دور ملموس في استمرار العمل التوعوي والتعبوي لخلق رأي شعبي واعي وداعم ومتفاعل مع متطلبات العمل لاستعادة الأموال المنهوبة، والتهيئة لقيام بنية تحتية تشريعية وفنية مؤهلة وداعمة للممارسات والخطوات اللاحقة لاسترداد الأموال المنهوبة، وتعزيز العلاقة مع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين ومتابعة التواصل ونقل الخبرات من التجارب والممارسات الناجحة الأخرى، والتدريب وبناء القدرات واستخدام الأساليب المتاحة في الرصد والتحري والتوثيق للحصول على المزيد من المعلومات الموثوقة.
متطلبات عملية استرداد الأموال المنهوبة
1- تعزيز الإصلاحات القانونية والمؤسسية بما من شأنه الإلتزام بالمعايير الدولية.
2- دعم التنسيق المحلي بين الجهات المختصة بعملية استرداد الأموال المنهوبة , مما ينتج عنه إنشاء فريق عمل محلية تمثل الأطراف الشريكة من جهات رقابية وقضائية وقانونية ودبلوماسية وإستخباراتية ومالية وبنوك مركزية و إستشارية وغيرها.
3- توفير التدريب المتخصص لمن سيمارسون عملية استرداد الأموال , بحيث يتمثل أهم محاور التدريب في ((التحقيقات المالية، تحليل الوثائق المالية، إجراءات استرداد الأموال ومصادرتها، إجراءات طلب المساعدة الدولية، أدوات إدارة الأصول المستردة).
4- تعزيز أطر إدارة الأموال المُستردة (مثل إنشاء حساب بنكي مركزي أو صندوق مركزي محلي وذلك لتلقي الأصول المصادرة في الداخل والخارج, مع تحديد أوجه التصرف فيها مع ضمان الشفافية الكاملة في إدارة هذا الحساب أو الصندوق).
0 تعليقات