فائزة محمد علي فدعم
رغم كل تلك السنوات التي مرَّت من حياتي . إلا ان بعقوبة تبقى هي الحُب والحبيبة وانا العاشقة . البستان الذي سأذكره في قصتي هذه كان على مفترق طريق بعقوبة الجديدة والقديمة والهويدر ومحلة المنجرة . الان ( مدرسة الوثبة ) تم ازالة النخيل والاشجار المُثمرة من اجل بنائها الذي عاصرتهُ . فقد كان النِسوة في حينها يجتمعنَّ عصراً للذهاب اليها للاستمتاع برؤية اعمال البناء واخذ السماور والشاي والكعك ومنهم امي وانا . كنا نتوغل داخلها حتى لايرانا المارَّة لان الشارع قريباً جدا . اكتمل البناء وكانت اكثر من رائعة وتحتوي على مسرح جميل مكون من طابقين رغم ان التمثيل كان في ذلك الوقت هواية لا اكثر . الارضي للطبقة المثقفة وعليّة القوم والعلوي للتلاميذ وعشاق هذا الفن . كان زماننا زمان الثقافة والتنافس بين العوائل لينال ابناءهم اعلى الشهادات والمراتب . وكان هناك على ما اذكر مناضد تصنع كأنها ارضية مسرح احيانا في ثانوية بعقوبة للبنين ومتوسطة بعقوبة للبنات أيضا ومن المُمثلين الذين اتذكرهُم . كل من السادة :
محمد علي هادي السعيد وعبدالقادر منصور الزيدي وكامل العزاوي زوج السيدة لطفية الدليمي اللذان كانا من اليساريين ومدرس اسمه احمد صالح ( ابو عفراء ) وحميد حسن المهدي وحسن فليح او فليح حسن ( لا اذكره جيدا ) وخيري وهو موسيقي ايضا . والد المطربة اديبة واخرين . كان السيد عبدالقادر الذي يمتلك شكلا لطيفا يقف على المسرح لإلقاء المنلوجات وضمن الحضور الست دولت والدة الصحفية سلوى زكو وهي مديرة مدرسة وقد اعجبها القاءه مرة فقامت وقبلتهُ . وفي احد الايام اخذتنا معلمة الصف الى مدرسة الوثبة لمشاهدة مسرحية . جلسنا في الطابق الثاني وبدأ العرض . وبين التصفيق والصفير والممثل كله حماس كانت اول كلمة قالها انا . فما كان من احد المتفرجين الا ان اجابهُ بحركة شائنة من فمه فثارت ثائرتهُ وامتنع عن اكمال الدور وساد الهرج والمرج حتى امسكوا بالفاعل الذي اعتذر له.
خرجنا بعد نهايتها لكن الفكرة أضاءت في رأسي وقررتُ ان اعمل مسرحا ولكن اين ؟
كان المجاز التابع الى منزل السيد صادق ابو جلود (ابو كامل) كبير جدا ومفصول عن البيت وقد كانوا ولازالوا من اعز الاصدقاء . التحضيرات كانت تجري بسرية واولاد وبنات المحلة في عمل دؤوب حتى اننا صنعنا مقعدا للملك من علبة الصفيح . تمت تغطيتها بسجادة قديمة وصادفتنا مشكلة وهي كيف نحصل على مراوح لتجلب الهواء المنعش له وبعد ان فكرنا مليا وجدنا الحل ؟
كان منظف الشارع عند الانتهاء من العمل يضع ادواته في دارنا امانة حتى اليوم التالي . أعتقد انها تفي بالغرض . وبما ان اهالي بعقوبة بعد صلاة المغرب لا يخرجون الا نادرا فقمت انا وصديقتي فهيمة بحذر بأخذ المكانس التي كانت مصنوعة من الخوص وشبيهة بالماسحة الان وهي كبيرة الحجم ونقلناها الى بيت السيد صادق واخفيناها بين الاشياء القديمة التي كانت مركونة في المجاز . وعدنا بسرعة ولم يرانا احد .
في الصباح جاء الرجل ولم يجد العدة واستمر في البحث عنها لكن دون جدوى فاضطر أبي الى شراء اخرى جديدة . ولم يشك احد بي ابدا ولكنهم بقوا في حيرة والوالدة كانت تردد ( فص ملح وذاب ) حان الموعد بين الظهر والعصر فالأهل نيام في وقت القيلولة والاطفال كلهم موجودين . الجواري كل واحدة بيديها فرارة ( مروحة ورقية ) مصنوعة من الآبرو ( ورق سميك ملون ) بألوان مختلفة والمتفرجين يجلسون على الارض ولكن المسرحية طالت والملك جالس والمكنسة واحدة عن يمينه والاخرى عن شماله ونحن نتكلم بلغة لايفهمها احد وفجاءة طرق الباب ؟
واذا بوالدتي تبحث عنا . كان الموقف محرجا جدا للملك الذي له شارب من ( صخام القدر ) والحاشية تحمل المكانس فما كان من الجميع عند رؤيتها الا الفرار وكل واحد يختبئ في بيت اقاربه على نهر خريسان مقابل جامع الشابندر . كان البيت الذي من نصيبي هو للست عربية ام الدكتورة منى لاحقاً وتفرق الجميع في لمح البصر تاركين اثار الجريمة خلفهم .
عشنا نحن الاطفال ليلة تُشبهُ ليالي الف ليلة وليلة ( والحليم تكفيه الاشارة )
ملاحظة : بعقوبة ( احدى مدن محافظة ديالى . العراق )
0 تعليقات