صدر حديثاً عن دار كارمن للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت" مخطوط الخيّام الجديد " للشاعر البحريني عبدالله زهير ، وضَّم الكتاب الشعر والسرد والمرويات
وقال الشاعر عبدالله زهير : حاولت التجريب فيه، متماهيا بعمر الخيام الشاعر الفارسي المعروف؛ حيث أتخيل أني حصلت على نسخ لمخطوطات نادرة ضائعة كتبها. وبعد ذلك أقوم بهذه الرحلة المتخيلة اللذيذة في ترجمة مخطوطات متخيلة أصلا .
ونشر الشاعر جزء من الكتاب :
سألتْ نسرينُ الخيّامَ ما رأيكَ في المُلك وأهله؟
فأخذ يقول: أنتم تُخطِئون حينما ترون المَلك مَلِكا فحسب، كما يرى الناسُ اللهَ إلهاً فقط. كما لو أن المَلِكَ بلا جسد يتعب أو نَفْس تميل مع أهوائها وصبواتها وتقلباتها في الحزن والغضب والفرح والأنس والكره والمحبة والاختلاف والخصومة والموافقة والمرض والصحة واليأس والأمل. أنتم لا ترون إلا قصوره الفارهة وجيشه العريض وجواريه التي يذوب من جمالها الحجر. لكن لو خيّروني بين أن أَمتهن حمل الصخور الثقيلة تحت حرارة شمس صيف حارقة وبين أن أكون مَلِكاً، لاخترت الأولى على الثانية.
وبعد برهة صمتٍ قال: أن تكون مَلِكاً معناه أن تفقد القدرة على إغماض عينيك في جنح الليل هانئاً مطمئاً. إذ المُلك لا يخلو من الدسائس والداغلة والنغائص، وحينئذ لا ينفعك عساكرُك ولا وزراؤُك ولا حِسانُك الذين ينتظرون تبديل سيّدهم كما تُبدّل الحيّةُ جلدَها.
المَلِك صاحبه البؤس والوَحدة وانعدام الثقة. فلا يمكن لمَلِكٍ أن يكون له أصدقاء صادقون من خاصة الرعيّة، فضلاً عن عامتهم. ذلك أن الهيبة لا تكون إلا ببقائه وحيداً دون حاجة إلى صحبة أحد إلا من هو معينٌ له مرتزِق منه. وإن كان الناس يميلون إلى تأليه السلاطين، ولكنهم رجال عاديون لا يختلفون عن سواهم إلا بالندم على كونهم مربوطين بسلاسل هيبة المُلكِ المصطنعة.
ولعمري أن المَلِكَ قد تعتريه هالات الأرق السوداء من فرط التفكّر في أمره حيناً، وحيناً خوفاً من ضياع المُلك. وقد تغلبه سِنَةٌ من النومِ وسط اجتماع له مع وزرائه وأمرائه وقُوّاده. وقد يعطس أو يتجشأ في وجه رسول من ملوكٍ آخرين. وقد تخرج منه الريح وهو يلقي خطبةً في حاشيته أو أمام عامة الناس.
فسألته وهي تضحك: وماذا لو نصّبوكَ ملكاً بالإكراه؟
فقال مستهزئاً: سأحضر اجتماع البيعة حافياً لابساً ثياب الصعاليك وفي يدي كأس خمرة معتقة وأصرخ في الناس: أهذه القصور والخزائن والمواكب والجواري والعبيد كلها لي؟ وأي شيء قمت به حتى أستحقها؟ إنني طوال الليل أسهر مترنحاً على وقع نغمات الغناء والطرب ومعاقرة الشراب، وإذا حلّ الفجر رقدتُ حتى القائلة لاستقبل الوفود بعشائرها وشيوخها وشعرائها وبهاليلها طيلة النهار. اسمعوا كلامي وعُوه: خذوا كل هذه القصور والأموال والأحصنة والجِمال والجيوش والجواري والعبيد.. خذوا كلَّ شيء.. خذوا كلَّ شيء.. واتركوني إلى شؤوني البسيطة، فأنا أريد التجوال وحدي في السوق مجهولاً.. أريد أن أشتري رطلَيْن من السمك ورطلاً من الطماطم والبصل دون أن ينظر إليَّ أحد أو يتربص بي. وهاكم هذا الأمر الملكي، وعليكم جميعاً تطبيقه في الحال:
"إنني أتنازل عن كرسيّ الحُكم، فلا طاقة لي أن أظل ملكاً عليكم. أرغب في أن أكون صعلوكاً شاعراً لا غير، فقط اتركوا لي جاريتين حسناوين إذا كان ولا بد من هدية تكرمونني بها جزاء تنازلي هذا."
0 تعليقات