علي العوادي
من الثابت تاريخيا أن العرب مروا بعصور جاهلية مظلمة قبل أن يطرق الدين الإسلامي أبواب التخلف المقيت والذي تمثل بسيادة التعصب القبلي الأعمى على كافة الاعتبارات الأخلاقية وجوانب الحياة الأساسية الأخرى ، فلم يولوا تلك الجوانب المهمة اهتماما جديا وبقي ارتباطهم الأول بالقبيلة ولم يتعد حدودها وقوانينها واعرافها المتوارثة ، حتى ولو كانت تلك القوانين والأعراف مغلوطة لا ترتقي إلى السمو الفكري الإنساني الفطري ، فكان وأد البنات خوفا من أن تجلب لهم العار وصمة عار في جبين ذلك التأريخ الأسود ، وبالطبع فإن لكل فعل مادي أو معنوي ردة فعل ، فإن كان إيجابي فالنتيجة ايجاب وان كان سلبي فتبني السلبيات والتشبث بها سيكون سببا مباشرا للتخلف عن ركب الحضارة والعلوم والبقاء أبد الدهر بين الحفر سواء مجاميع كانوا أو فرادا ، وهكذا كان حال عرب الجاهلية ، فقد انحسرت طاقاتهم الفكرية بالغزو والقتال لعشرات العقود فيما بينهم بسبب ناقة أو جمل ! وقد يخرج الإبداع في نظم (الشعر) عن تلك الصورة المعتمة مع بقاء ذلك الفن الإبداعي الرفيع طوع متطلبات القبيلة والتفاخر بماثرها وانتصاراتها ...جاء الإسلام داعيا إلى تغيير المفاهيم الخاطئة التي احيطت بقدسية مزيفة من قبل اشخاص معدودين لا عيش لهم سوى في طرق الحياة الملتوية التي لا تسهم في بناء مجتمع وبالتالي بناء حضارة ودولة مبنية على قوانين وانظمة تبتعد عن نطاق المصالح الشخصية الضيقة ليكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات تبعا لقابلياتهم الفكرية والثقافية والجسدية ، لسنا هنا بصدد شرح مفاهيم الإسلام الجديدة كليا على ذلك المجتمع الجاهلي وسردها بل لتوضيح مدى تأثيرها على مجريات الحياة الاجتماعية والعقائدية والثقافية ، فقد قُبِلَ الدين الجديد - طوعا او كراهية - وبدت ملامح التغيير الايجابية جلية في المجتمع العربي والإسلامي بعد أن أبتعد شيئا فشيئا عن نطاق القبلية الضيق ، فسَبرَ أغوار العلوم والمعارف ، وبنيت الدولة بمعناهى الحقيقي، وزاد ارتباط الفرد بالمجتمع ، وشع وجه الحضارة ليضيء مشارق الأرض ومغاربها ، ولكن ما إن يبدأ الضعف يسري في مفاصل الدولة لأي سبب كان حتى يسارع الفرد إلى البحث عمن يساعده في حماية نفسه وعائلته وعرضه ومصالحه ، وهنا تنتعش القبيلة أو العشيرة من جديد فقد فتحت لها الأبواب على مصاريعها ، وعليك كفرد أن تتقبل-ولو ظاهريا- اخيار العشيرة واشرارها على حد سواء وبعكسه ستكون وحيدا فريدا منبوذا لا تشفع لك قيم ولا أخلاق في ذلك الجمع المتعصب ، وبرأينا المتواضع ان لا مشكلة في تقبلك لتلك العودة الميمونة مادامت الامور تسير وفق القوانين الوضعية والعقائدية والأعراف التي نالت استحسان الجميع ولم تدخل في خندق الرفض والمخالفة لما ذكر آنفا ، ولكن المشكلة هي أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين ولم يبق شيئ أمامنا مبهم فصفحات العلوم والتاريخ والعقائد والأخلاق كلها مفتوحة وفي متناول اليد ، ومع هذا مازال بعضنا متمسكا - تأخذه العزة بالإثم - بخزعبلات الجاهلية الأولى مفسرا كلام نبي الرحمة (ص) "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" وفق مزاجه وما تمليه عليه مصالحه ضاربا العلاقات الإنسانية والاجتماعية التي بناها - عبر سنين خلت - مع الآخرين عرض الحائط متناسيا أن النصرة للظالم وان كان ذا قربى هي أن تسدي له النصيحة لا أن تشهر سيفك معه بوجه من تعرض للظلم ، ومع أن رسول الرحمة(ص) اوصانا قبل ألف وأربعمائة عام بأن: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيعرض هذا ، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) مازال بعضنا -وللاسف- حتى ممن يلتحفون بجلباب الدين والتقوى بعيدون كل البعد عن مبادىء السلام والتسامح والعفو التي نادى بها ذلك المصلح الأعظم محمد (ص) والذي أعلن أمام الملأ أن : من أراد عِزًا بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبةً بلا سلطان، فليخرج من ذُلِّ معصيةِ اللهِ إلى عزِّ طاعته.
0 تعليقات