لو كنا نتحدث عن وضع القوى السياسية في العراق السُنية والشيعية والكردية، فإنها تستمد مشروعيتها من عدة مصادر وبحسب موقف وثقل المرشح أو الحزب وأبرز هذه المصادر هي (البعد الطائفي، البعد القومي، المناطقية والقبلية، المال السياسي، العامل الخارجي، وصندوق الانتخابات كتحصيل حاصل للعوامل السابقة، وكذلك البعد الديني). البعد الديني متمثلا بالمرجعية الدينية في النجف الأشرف يُعد أهم وأقوى المصادر التي تستمد منها مشروعيتها القوى السياسية الشيعية بصورة عامة ولا يقتصر على الإسلام السياسي الشيعي، أما في الوقت الحاضر فقدت هذه القوى مساندة المرجعية لها بسبب الخلافات والأزمات بين أقطاب القوى الشيعية، وحالة الانسداد السياسي في البيت السياسي الشيعي والتي حذرت منها المرجعية باستمرار. في الوقت نفسه لم تعد العناوين الشيعية الكبيرة والقوية سواء كانت شخصيات سياسية أو دينية مؤثرة على 95% من شيعة العراق، حيث أنها لم تستطيع دفع الشارع الشيعي إلى المشاركة بقوة في الانتخابات الأخيرة بسبب سوء الخدمات في جميع المحافظات الجنوبية، إضافة إلى تكرار نفس الأحزاب والوجوه، فرفضت الجماهير حتى نداء مراجعها الدينية، باستثناء جماهير التيار الصدري، ذلك لأن الصدر نفسه كقائد للتيار يتمتع بامتياز واستثناء بين جماهير التيار دون غيره من الرموز وقادة العملية السياسية. فالسيد الصدر استطاع أن يقود تياره ويُعودهم على السمع والطاعة المطلقة، فهو المنظم الأساسيّ للتيار، فصاغ الجماهير فكراً وتنظيماً بما يجعلها مرتبطة به شخصيًّا، وما يجعله المُسيطر الأوحد عليها. فهو الممسك بكل تفاصيلها والموجه لنشاطها، بطريقة تجعله صاحب الأمر وحده. وربما يرجع هذا التقديس والتعظيم لشخص الصدر من قبل جماعته لأسباب سوسيولوجية وسيكولوجية لجماهير التيار الذين جعلوا من الصدر لهم، الزعيم الدينيّ الخارق للعادة ومرفوعاً إلى درجة العبادة. فهي ذات الفلسفة لمؤسس علم التحليل النفسيّ (سيغموند فرويد) حين يصف العَلاقة بين أي جماعة وزعيمهم في كتابه (علم نفس الجماهير ص13) "بأنها طبيعة دينية، فسواء في الحركات الدينيّة التي شهدها التاريخ في العصور القديمة والوسطى، أو في الحركات والانتفاضات السياسيّة الكبرى التي شهدتها الأزمنة الحديثة فإن العاطفة المحركة للجماهير التي آمنت بها كانت دوماً من طبيعة دينية".
بلا شك أن الطبقة السياسة قبل كل ممارسة انتخابية تملأ آذان العراقيين بشعارات المواطن والخدمات ومحاربة الفاسدين والقضاء على الفساد وغيرها وفي النهاية لا يفعلون شيئا، لأن المحاصصة والغايات والمصالح الشخصية صوتها أكثر ارتفاعا. لهذا فإن القوى السياسية بدو استثناء قد تبنت استراتيجيات موازية في كل شيء، على سبيل المثال لا الحصر، توظيف علاقاتها الإقليمية، وهي استراتيجية مزدوجة وليست مغايرة تقوم على حفظ وجودها في النظام، مع العرض أن الإطار التنسيقي الشيعي والتيار الصدري (نقيضان منسجمان) سواء في علاقاتهم الإقليمية، أو في سياسة التعامل مع جماهيرهم. بمعنى أنهم يواجهون أزمات متشابهة ويتبعون أيضا سياسات متشابهة لحل تلك الأزمات. في المحصلة لا يوجد أي صراع وصدام بين هذين القوتين، فالنار بين ساسة العراق بصورة عامة، سُنة وشيعة وأكراد فائقة الاشتعال لذا فعمرها قصير.
إن التحليل السياسي الاستقرائي للوضع الراهن في العراق ينطلق من حالة السبات العميق الذي مر به الواقع السياسي خلال أكثر من ثمانية عشر عام نتيجة للتوافق والمحاصصة، وقبل أن يطرح الصدر مشروع الأغلبية كانت وماتزال المحاصصة تعتبر حصنا حصينا تستطيع أي كتلة أو حزب الاحتماء خلفها، فالمحاصصة في عرف الساسة تعني عدم القابلية للاختراق، بمعنى أنها تلتف حول الطبقة السياسية كسور الصين العظيم لايمكن اختراقها سياسيا وقانونيا وإعلاميا، وبمقتضى المحاصصة سقطت كل قضايا الفساد، وردت كل الاتهامات الموجه للسياسيين، إلا أن المحاصصة وبحسب مشروع الصدر لم تعد تلك القلعة الحصينة كما كانت، حيث يسعى الصدر إلى فرض قواعد جديدة في اللعبة السياسية ومنهاج للسلوك السياسي لا تستطيع القوى السياسية الخروج منها. وفيما إذا تحقق مشروع الأغلبية لم تعد القوى السياسية أن تأوي إلى جبل المحاصصة ليعصمها من طوفان القانون، ولم يعد بوسع الفاسدين أن يواجهوا المجتمع والإعلام بشهر راية المحاصصة. من هنا فإن العملية السياسية لا تحتاج أكثر من انقلاب أو ثورة أو تحرر من التوافقية المقيتة، لكي تبدأ القوى السياسية ذاتها بكتابة التاريخ من أول السطر. ومثل ذلك يعده كثيرون ليس ممكناً في الوقت الحاضر بسبب الدولة العميقة. وإذا كان البعض يتحجج بالدولة العميقة، فإن هذه الدولة نفسها انتجت مجتمعا عميقا من السُنة والشيعة، هذا المجتمع استطاع أن يغير من المعادلة السياسية. ولعل الأمر الطبيعي في كل عملية ديمقراطية هناك شرعيتان، الشرعية السياسية وتأتي من تفويض الجماهير لممثليها، ومن ثم الشرعية القانونية اي الانتخاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل مُنحت الطبقة السياسة السُنية تفويضا جماهيريا من جميع المحافظات الغربية؟
نعم خرجت جماهير المحافظات الغربية بقوة تحديدا في محافظة الأنبار لانتخاب بعض الرموز وقادة السُنة، أما باقي المحافظات مثل صلاح الدين، لم يتعدى هذا (الزحف الجماهيري) الذي أطلق عليه أحد ساسة السُنة بضعة آلاف وهو عدد لا يكفي لانتخاب حتى مدير مركز شباب قضاء في المحافظة. في الجانب الآخر من الرواية، استطاع الجمهور الشيعي معاقبة البعض من الحرس القديم ولكن ليس من خلال العملية الديمقراطية وإنما باستخدام آليات الانسحاب من التصويت، باستثناء التيار الصدري وكما ذكرنا في البداية.
وتأسيسا لما تقدم، تميزت مرحلة ما بعد الانتخابات بتصدع القوى القديمة للنظام، في المقابل لم تتضح هوية القوى السياسية الأخرى والتوازنات الجديدة سوى في الإعلام، مما يمكن توصيف هذه المرحلة بأنها مرحلة انتقالية بين قوتين هما الإطار والتيار الصدري فقط، بيد أن هذه المرحلة هي مرحلة نسف منطق القوانين الصارمة السابقة التي كانت تحكم هاتين القوتين، لرسم خارطة سياسية جديدة تقوم على الفوارق الطفيفة بينهما، يضع معالمها ومحطاتها وحدودها التيار الصدري. من هنا يجب إنهاء حالة الصراع بينهما، لأن بقاءه سيؤدي إلى احتمالات غير متوقعة لا يمكن التنبؤ بها، وقد يكون تدخل عامل ما سينتج عنه رد فعل قد يخرج الخلافات المتراكمة إلى حالة مغايرة. في السياق ذاته إن الحكم على ما يجري اليوم فيما إذا استمر الصراع بين قطبي شيعة السلطة سوف يكون متروكًا للتاريخ، ولكن المنعطف الحالي في الواقع السياسي العراقي يقوم على إجراء تغييرات هيكلية متزامنة ومتفاعلة مع بعضها البعض، وأن الفكر العراقي تغلب كثيرا على سلبيات الماضي، تلك السلبيات التي كانت مسيطرة على المجتمع من زاوية مضللة ومغتربة وحاولت تعبئة الجماهير أيديولوجيا، حيث أصبح النوع والكيف هما القاعدة التي تنطلق منها اختيارات الناخب للوصول إلى كل ما هو جديد وفقا للحداثة استنادا على قاعدة نيوتن الفيزيائية.
بلا شك أن ما يجري من سجال وصراع ما بين الإطار والتيار الصدري ما هو إلا إخفاق جديد يضاف إلى الإخفاقات السابقة، وإن الشعب في مواجهة معضلة كبيرة، لكن القضية لا تقتصر على الخلاف بينهما، وإنما على كل الطبقة السياسية، فبدلا من إضاعة الوقت وإضافة إخفاق آخر إلى إخفاقات سابقة أن يقدموا مشروعاً للمستقبل يتجاوز معاصيهم السابقة، في الوقت نفسه ذاته كيف يثبت الفائزون الجدد مقدرتهم على التأثير في العملية السياسية وليس التغيير على أقل تقدير، وأن يتشكل ائتلاف يقوده التيار الصدري ينقل العراق إلى مستقبل مختلف عما مر به من قبل. وهذه مهمة شيعة السلطة مثلما هي مأساة المواطن في الوقت نفسه.
وبما أن التيار الصدري الكتلة الفائزة بأكبر عدد من الأصوات، ويقدم نفسه كقوة وحيدة قادرة على إنجاز المهام السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذن دعوا السيد الصدر وأفسحوا له المجال إذا كان فعلا قادرا على استيعاب كافة التيارات والاجتهادات ومهيأ ومستعد لتحقيق التغيير في الواقع العراقي البالغ التعقيد.
وإذا كان تسجيل تاريخ أي حزب أو تجمع سياسي جزء من الممارسة السياسية برمتها، فإن العملية السياسية في العراق تروي قصص كثيرة وتعطي دروسا في الخلافات المستمرة بين القوى السياسية. وما أكثر العبر والدروس في تاريخ العراق المعاصر، وما أحوج جيل العراق الصاعد إليها، حتى لا يبدأوا من فراغ.
بلا شك أن الطبقة السياسة قبل كل ممارسة انتخابية تملأ آذان العراقيين بشعارات المواطن والخدمات ومحاربة الفاسدين والقضاء على الفساد وغيرها وفي النهاية لا يفعلون شيئا، لأن المحاصصة والغايات والمصالح الشخصية صوتها أكثر ارتفاعا. لهذا فإن القوى السياسية بدو استثناء قد تبنت استراتيجيات موازية في كل شيء، على سبيل المثال لا الحصر، توظيف علاقاتها الإقليمية، وهي استراتيجية مزدوجة وليست مغايرة تقوم على حفظ وجودها في النظام، مع العرض أن الإطار التنسيقي الشيعي والتيار الصدري (نقيضان منسجمان) سواء في علاقاتهم الإقليمية، أو في سياسة التعامل مع جماهيرهم. بمعنى أنهم يواجهون أزمات متشابهة ويتبعون أيضا سياسات متشابهة لحل تلك الأزمات. في المحصلة لا يوجد أي صراع وصدام بين هذين القوتين، فالنار بين ساسة العراق بصورة عامة، سُنة وشيعة وأكراد فائقة الاشتعال لذا فعمرها قصير.
إن التحليل السياسي الاستقرائي للوضع الراهن في العراق ينطلق من حالة السبات العميق الذي مر به الواقع السياسي خلال أكثر من ثمانية عشر عام نتيجة للتوافق والمحاصصة، وقبل أن يطرح الصدر مشروع الأغلبية كانت وماتزال المحاصصة تعتبر حصنا حصينا تستطيع أي كتلة أو حزب الاحتماء خلفها، فالمحاصصة في عرف الساسة تعني عدم القابلية للاختراق، بمعنى أنها تلتف حول الطبقة السياسية كسور الصين العظيم لايمكن اختراقها سياسيا وقانونيا وإعلاميا، وبمقتضى المحاصصة سقطت كل قضايا الفساد، وردت كل الاتهامات الموجه للسياسيين، إلا أن المحاصصة وبحسب مشروع الصدر لم تعد تلك القلعة الحصينة كما كانت، حيث يسعى الصدر إلى فرض قواعد جديدة في اللعبة السياسية ومنهاج للسلوك السياسي لا تستطيع القوى السياسية الخروج منها. وفيما إذا تحقق مشروع الأغلبية لم تعد القوى السياسية أن تأوي إلى جبل المحاصصة ليعصمها من طوفان القانون، ولم يعد بوسع الفاسدين أن يواجهوا المجتمع والإعلام بشهر راية المحاصصة. من هنا فإن العملية السياسية لا تحتاج أكثر من انقلاب أو ثورة أو تحرر من التوافقية المقيتة، لكي تبدأ القوى السياسية ذاتها بكتابة التاريخ من أول السطر. ومثل ذلك يعده كثيرون ليس ممكناً في الوقت الحاضر بسبب الدولة العميقة. وإذا كان البعض يتحجج بالدولة العميقة، فإن هذه الدولة نفسها انتجت مجتمعا عميقا من السُنة والشيعة، هذا المجتمع استطاع أن يغير من المعادلة السياسية. ولعل الأمر الطبيعي في كل عملية ديمقراطية هناك شرعيتان، الشرعية السياسية وتأتي من تفويض الجماهير لممثليها، ومن ثم الشرعية القانونية اي الانتخاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل مُنحت الطبقة السياسة السُنية تفويضا جماهيريا من جميع المحافظات الغربية؟
نعم خرجت جماهير المحافظات الغربية بقوة تحديدا في محافظة الأنبار لانتخاب بعض الرموز وقادة السُنة، أما باقي المحافظات مثل صلاح الدين، لم يتعدى هذا (الزحف الجماهيري) الذي أطلق عليه أحد ساسة السُنة بضعة آلاف وهو عدد لا يكفي لانتخاب حتى مدير مركز شباب قضاء في المحافظة. في الجانب الآخر من الرواية، استطاع الجمهور الشيعي معاقبة البعض من الحرس القديم ولكن ليس من خلال العملية الديمقراطية وإنما باستخدام آليات الانسحاب من التصويت، باستثناء التيار الصدري وكما ذكرنا في البداية.
وتأسيسا لما تقدم، تميزت مرحلة ما بعد الانتخابات بتصدع القوى القديمة للنظام، في المقابل لم تتضح هوية القوى السياسية الأخرى والتوازنات الجديدة سوى في الإعلام، مما يمكن توصيف هذه المرحلة بأنها مرحلة انتقالية بين قوتين هما الإطار والتيار الصدري فقط، بيد أن هذه المرحلة هي مرحلة نسف منطق القوانين الصارمة السابقة التي كانت تحكم هاتين القوتين، لرسم خارطة سياسية جديدة تقوم على الفوارق الطفيفة بينهما، يضع معالمها ومحطاتها وحدودها التيار الصدري. من هنا يجب إنهاء حالة الصراع بينهما، لأن بقاءه سيؤدي إلى احتمالات غير متوقعة لا يمكن التنبؤ بها، وقد يكون تدخل عامل ما سينتج عنه رد فعل قد يخرج الخلافات المتراكمة إلى حالة مغايرة. في السياق ذاته إن الحكم على ما يجري اليوم فيما إذا استمر الصراع بين قطبي شيعة السلطة سوف يكون متروكًا للتاريخ، ولكن المنعطف الحالي في الواقع السياسي العراقي يقوم على إجراء تغييرات هيكلية متزامنة ومتفاعلة مع بعضها البعض، وأن الفكر العراقي تغلب كثيرا على سلبيات الماضي، تلك السلبيات التي كانت مسيطرة على المجتمع من زاوية مضللة ومغتربة وحاولت تعبئة الجماهير أيديولوجيا، حيث أصبح النوع والكيف هما القاعدة التي تنطلق منها اختيارات الناخب للوصول إلى كل ما هو جديد وفقا للحداثة استنادا على قاعدة نيوتن الفيزيائية.
بلا شك أن ما يجري من سجال وصراع ما بين الإطار والتيار الصدري ما هو إلا إخفاق جديد يضاف إلى الإخفاقات السابقة، وإن الشعب في مواجهة معضلة كبيرة، لكن القضية لا تقتصر على الخلاف بينهما، وإنما على كل الطبقة السياسية، فبدلا من إضاعة الوقت وإضافة إخفاق آخر إلى إخفاقات سابقة أن يقدموا مشروعاً للمستقبل يتجاوز معاصيهم السابقة، في الوقت نفسه ذاته كيف يثبت الفائزون الجدد مقدرتهم على التأثير في العملية السياسية وليس التغيير على أقل تقدير، وأن يتشكل ائتلاف يقوده التيار الصدري ينقل العراق إلى مستقبل مختلف عما مر به من قبل. وهذه مهمة شيعة السلطة مثلما هي مأساة المواطن في الوقت نفسه.
وبما أن التيار الصدري الكتلة الفائزة بأكبر عدد من الأصوات، ويقدم نفسه كقوة وحيدة قادرة على إنجاز المهام السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذن دعوا السيد الصدر وأفسحوا له المجال إذا كان فعلا قادرا على استيعاب كافة التيارات والاجتهادات ومهيأ ومستعد لتحقيق التغيير في الواقع العراقي البالغ التعقيد.
وإذا كان تسجيل تاريخ أي حزب أو تجمع سياسي جزء من الممارسة السياسية برمتها، فإن العملية السياسية في العراق تروي قصص كثيرة وتعطي دروسا في الخلافات المستمرة بين القوى السياسية. وما أكثر العبر والدروس في تاريخ العراق المعاصر، وما أحوج جيل العراق الصاعد إليها، حتى لا يبدأوا من فراغ.
0 تعليقات