لندن – يمنح التركيزُ الإعلامي والدبلوماسي الدوليُّ على الحرب في أوكرانيا الأطرافَ المتفاوضةَ بشأن البرنامج النووي الإيراني المزيد من الحرية لتسريع الإعلان عن الاتفاق، في وقت تشير فيه تصريحات مسؤولين إيرانيين وغربيين إلى أن هذا الاتفاق بات قريبا جدا.
ويقول مراقبون إن التركيز على أوكرانيا يمنح الدول المتفاوضة مع إيران هامشا واسعا من الحرية في المناورة وتقديم تنازلات في غفلة، خاصة في ظل تشدد طهران وسعيها لاستثمار الارتباك الغربي والرغبة في إنهاء الاتفاق في أقرب فرصة، مشيرين إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تريد الإعلان عن الاتفاق سريعا بقطع النظر عن الثمن الذي ستدفعه.
ويرى المراقبون أن الأميركيين حسموا أمرهم منذ زمن، وهم ينتظرون الفرصة المناسبة، وها قد جاءت؛ حيث يتم التركيز على الحرب في أوكرانيا ومخلفاتها وانشغال العالم بها. كما أن واشنطن تبدو في حِلٍّ من ورقة المخاوف الخليجية من الاتفاق في ظل حالة البرود بين الطرفين.
ولم يعد الخليجيون يراهنون على أن إدارة بايدن يمكن أن تأخذ في اعتبارها مصالحهم خلال وضع بنود الاتفاق الجديد مع إيران؛ ذلك أن تصريحات المسؤولين الأميركيين لم تشر من قريب أو بعيد إلى وجود بند يتعلق بالأمن الإقليمي يتم من خلاله إلزام إيران بوقف استهداف جيرانها، أو وقف السباق نحو التسلح.
ولم تسع إدارة بايدن لاسترضاء حلفائها الخليجيين بتشريكهم في المفاوضات حول الاتفاق -وهو ما كانت السعودية قد طالبت به- كما لم تعلن واشنطن أنها عقدت اجتماعات تشاورية مع ممثلين خليجيين بشأن الاتفاق، وهو ما قاد إلى توتر واضح في العلاقة الثنائية.
وأظهرت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مجلة “ذي أتلانتيك” الخميس أن العلاقة مع إدارة بايدن ليست على أفضل حال، وأن السعودية وولي العهد بصفة خاصة لا يوليان مواقف واشنطن اهتماما، ليس فقط مواقفها المتعلقة بموضوع النووي الإيراني، وإنما مواقفها من جملة القضايا الأخرى المهمة التي يعد الملف النووي الإيراني عنصرا منها.
ونقلت المجلة عن ولي العهد قوله إنه لا يهتم بما إذا كان الرئيس الأميركي يسيء فهمه كما أن “التفكير في مصالح أميركا شيء يرجع إلى بايدن”، ملمّحا إلى وجود “فرص كبيرة لخفض” المصالح الأميركية مع بلاده.
وبعد صدور المقابلة التي كشفت عن غضب سعودي مكتوم من خيارات واشنطن، اتصل ولي العهد السعودي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عارضا الوساطة لوقف الحرب، وهي خطوة تظهر أن الرهان السعودي صار الآن يركز على تمتين العلاقة مع موسكو، وأن الرياض تستفيد من الشراكة في مجال النفط لتلعب دورا دوليا مؤثرا بعيدا عن مجال تحرك واشنطن وحساباتها.
ويمتد الفتور كذلك إلى علاقة الولايات المتحدة بالإمارات، إذ لم يخف السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة أن هذه العلاقة تمر بمرحلة اختبار جهد، وأنها “في أيام تكون علاقة صحية، وفي أيام تكون محل تساؤل”.
وبلغ هذا الفتور أوجه بعد الارتباك الأميركي في التعامل مع استهداف أذرع إيران للعاصمة الإماراتية بالصواريخ، حيث اكتفت الولايات المتحدة بعرض الدعم الدفاعي ولم تبادر إلى تصدّ فعّال وعلني للهجمات يظهر أنها معنية بأمن الخليج فعلا. ومن شأن هذا الشرخ أن يتسع إثر مرور الإدارة الأميركية إلى تحويل الاتفاق النووي مع إيران إلى أمر واقع.
وعدا السعودية والإمارات لا تبدو بقية دول الخليج معنية بمخاطر هذا الاتفاق، إما لأنها غارقة في مشاكلها مثل الكويت أو قريبة من طهران مثل قطر وسلطنة عمان. كما أن آخر ما ستهتم به واشنطن هو “الغضب البحريني” من الاتفاق.
ولا يقف الأمر عند دول الخليج، فأوروبا نفسها غارقة في أزمة أوكرانيا والمخاطر التي يمكن أن تنتهي إليها، والسكوت عن التدخل العسكري الروسي أمر معيب للاتحاد الأوروبي الذي يقدم نفسه إطارا جامعا يريد ضم المزيد من الدول. كما أن التصعيد، على محدودية إمكانياتها فيه، قد يوتر علاقة أوروبا مع روسيا ويجلب لها متاعب لا تقدر على تحملها خاصة إذا قررت موسكو لعب ورقة الغاز للضغط.
وبالنتيجة، فإن أوروبا لن تمانع في التسريع بالاتفاق النووي، وربما ستقول للأميركيين: أسرعوا واتفقوا ووقعوا. وهو ما أوحت به تصريحات ستيفاني القاق رئيسة الوفد البريطاني التي قالت إن الدبلوماسيين الأوروبيين الذين يجرون مفاوضات في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني سيعودون إلى عواصمهم للتشاور، معتبرة أن التوصل إلى اتفاق بات في متناول اليد.
وأوضحت القاق “نحن قريبون (من اتفاق). مفاوضو ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة سيغادرون قريبا لتقييم الوضع مع الوزراء. ونحن مستعدون للعودة قريبا”. وذكرت جالينا بورتر، وهي متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، أن اتفاقا محتملا صار وشيكا، لكنها حذرت من أن هناك مسائل عالقة مازالت دون حل.
لكن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قال الجمعة إن “تعجل” الغرب التوصل إلى اتفاق نووي “لا يعني عدم مراعاة الخطوط الحمراء بالنسبة إلى إيران”، بما في ذلك الضمانات الاقتصادية.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن أمير عبداللهيان قوله لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في اتصال هاتفي “نحن مستعدون للتوصل إلى اتفاق جيد وفوري”، وأضاف “معظم الطلبات الإيرانية جرت مراعاتها في الاتفاق المرتقب”.
0 تعليقات