هدأت الحناجر بعدما انصرف ياسر و ارتدت الغُرفة عباءة الصمت مرّة أخرى فيما انتزع حمزة نفسه من أفكاره الضبابيّة المُشوّشة و بدأ يستسلمُ للنوم العميق شيئًا فشيئًا .
كان أريج أزهار مسك الليل يفوح في الأرجاء و رائحته العطريّة تزيد السّمرَ بهاءً و اشتهاءً. و كانت مرام مُمدّدة على فراشها تحسبها نائمة حينًا و تظنّ أنَّ جُفونها ساهرةً حينًا آخر، إنّها في مرحلة الاضطراب فكلّ ما هبط على كاهلها هذا اليوم هزّ جُزءًا من اطمئنانها إلى مُحيطها الثابت. لم تكن تلك المرّة الأولى التي تتعرضُ فيها لمثل تلك المتاعب لكنّها ،مؤكّدًا لم تُحط بشتّى أنواع الابتلاءات . كم تُشفق على ذلك الرّجل وهي التي تَعِي جيّدًا أهميّة وُجود المدارك العقليّة في حياة المرء بل وهي التي تكادُ تُقدّس العقل الراجح و ترفعُ له القُبّعات إعجابًا و تكتُب له القصائد مدحًا و ثناءً.
عند الفجر، كان البيتُ هادئًا هُدوء الصحراء من صخب الرياح لمّا خفقت ريناد باب غرفة الضيوف خفقًا خفيفًا ، ففتح حمزة لها الباب و نظر في وجهها باستغرابٍ قبل أن تقول :
-حمزة ! أَمَازِلْتَ مُستيقِظًا ؟
-فِقتُ منذ قليل من شدّة البرد .
- ماذا !نحن الآن في فصل الرّبيع و الطقس هنا مُعتدلٌ ..هل ترتجفُ حقًّا!
-أجل.. سيّدة.. ريناد.
-لا بُدّ أنَّ حرارتك قد ارتفعت.
دلفت الطبيبة الغرفة و دثّرت قشعريرته ببطانيّة خفيفة كانت مطويّة في الخزانة، ثُمّ جعلت تتفقّد مؤشّرات الحياة عنده. بدت لها بشرته مائلة إلى الحُمرة فيما تكاد الدّموع تنفلتُ من أطراف مُقلتيه جرّاء ارتفاع الحرارة.
لقد كانت إصابة ذراعه عميقة وتحتاج إلى علاج دقيق وإلى المُضادّات الحيويّة من أجل مقاومة هجمات البكتيريا واختراقها للأدمة إحدى طبقات الجلد الهامّة وحتّى لا تتوهّج حرارة جسمه بشكل فائق فَتُلحق الضّرر بالدّماغ وبقيّة الأعضاء الحيويّة.
على الفور، وضعت ريناد كمّادات باردة على جانبي رقبته وتحت ابطيه مكمن الشّرايين الرئيسيّة كي تُبرّد الدّم المارّ من هناك، فتنخفض حرارة جسمه بسرعة. ثم هبّت إلى المطبخ في خفّة ولم تلبث هناك إلاّ دقائق حتّى أقبلت و في يدها كوب يعبق بالأبخرة. فجلست بتحفّظ على طرف الفراش وقالت بصوتٍ هادئٍ:
-تناول هذا الشراب سيُدّفئك ..إنّه مُريحٌ و نافعٌ للأعصاب المُتشّنجة.
كان حمزة يرتجف حينما قدّمت له ريناد كوبًا من مُغلّى النعناع، أمسك به بصعوبة واحتضنه بكفّيه مَخَافة أن ينسكب على ملابسه فيزيد من شقاء الطبيبة، هي التي لا تُلقي بالاً لشتّى ألوان المتاعب طالما أنّ ذلك يرفع من إنسانيّتها.
أخذ الرّجل يرشف شراب النّعناع ببطء فيما بدأ الدّفء يسري في أوصاله وانقشعت القُشعريرة عن جسده تدريجيًّا إلى أنْ سكنَ روعهُ وهدأ اختلاج صدره و كادَ يغفو لَوْلاَ صوتُ محرّك الطّائرة التي مرّت على مقربة من البيت، إذْ كان الصّدى فذّا نافِذًا يخترقُ خلوة الفجر من دُون احترامٍ.
فجأةً، ثبت حمزة جالسًا بعدما كان مُسْترخيًا مُنبسطًا على السّرير كأنّما سَمِع ناقوس إنذار فظيع بدل مُحرّكات الطائرة. و جعل يُردّدُ على آذان الطبيبة كلمات مُنفصلة :
هذا الصّوت .. الطّائرة.. هُبوط ..إقلاع ..المطار بالجوار !!
كان أريج أزهار مسك الليل يفوح في الأرجاء و رائحته العطريّة تزيد السّمرَ بهاءً و اشتهاءً. و كانت مرام مُمدّدة على فراشها تحسبها نائمة حينًا و تظنّ أنَّ جُفونها ساهرةً حينًا آخر، إنّها في مرحلة الاضطراب فكلّ ما هبط على كاهلها هذا اليوم هزّ جُزءًا من اطمئنانها إلى مُحيطها الثابت. لم تكن تلك المرّة الأولى التي تتعرضُ فيها لمثل تلك المتاعب لكنّها ،مؤكّدًا لم تُحط بشتّى أنواع الابتلاءات . كم تُشفق على ذلك الرّجل وهي التي تَعِي جيّدًا أهميّة وُجود المدارك العقليّة في حياة المرء بل وهي التي تكادُ تُقدّس العقل الراجح و ترفعُ له القُبّعات إعجابًا و تكتُب له القصائد مدحًا و ثناءً.
عند الفجر، كان البيتُ هادئًا هُدوء الصحراء من صخب الرياح لمّا خفقت ريناد باب غرفة الضيوف خفقًا خفيفًا ، ففتح حمزة لها الباب و نظر في وجهها باستغرابٍ قبل أن تقول :
-حمزة ! أَمَازِلْتَ مُستيقِظًا ؟
-فِقتُ منذ قليل من شدّة البرد .
- ماذا !نحن الآن في فصل الرّبيع و الطقس هنا مُعتدلٌ ..هل ترتجفُ حقًّا!
-أجل.. سيّدة.. ريناد.
-لا بُدّ أنَّ حرارتك قد ارتفعت.
دلفت الطبيبة الغرفة و دثّرت قشعريرته ببطانيّة خفيفة كانت مطويّة في الخزانة، ثُمّ جعلت تتفقّد مؤشّرات الحياة عنده. بدت لها بشرته مائلة إلى الحُمرة فيما تكاد الدّموع تنفلتُ من أطراف مُقلتيه جرّاء ارتفاع الحرارة.
لقد كانت إصابة ذراعه عميقة وتحتاج إلى علاج دقيق وإلى المُضادّات الحيويّة من أجل مقاومة هجمات البكتيريا واختراقها للأدمة إحدى طبقات الجلد الهامّة وحتّى لا تتوهّج حرارة جسمه بشكل فائق فَتُلحق الضّرر بالدّماغ وبقيّة الأعضاء الحيويّة.
على الفور، وضعت ريناد كمّادات باردة على جانبي رقبته وتحت ابطيه مكمن الشّرايين الرئيسيّة كي تُبرّد الدّم المارّ من هناك، فتنخفض حرارة جسمه بسرعة. ثم هبّت إلى المطبخ في خفّة ولم تلبث هناك إلاّ دقائق حتّى أقبلت و في يدها كوب يعبق بالأبخرة. فجلست بتحفّظ على طرف الفراش وقالت بصوتٍ هادئٍ:
-تناول هذا الشراب سيُدّفئك ..إنّه مُريحٌ و نافعٌ للأعصاب المُتشّنجة.
كان حمزة يرتجف حينما قدّمت له ريناد كوبًا من مُغلّى النعناع، أمسك به بصعوبة واحتضنه بكفّيه مَخَافة أن ينسكب على ملابسه فيزيد من شقاء الطبيبة، هي التي لا تُلقي بالاً لشتّى ألوان المتاعب طالما أنّ ذلك يرفع من إنسانيّتها.
أخذ الرّجل يرشف شراب النّعناع ببطء فيما بدأ الدّفء يسري في أوصاله وانقشعت القُشعريرة عن جسده تدريجيًّا إلى أنْ سكنَ روعهُ وهدأ اختلاج صدره و كادَ يغفو لَوْلاَ صوتُ محرّك الطّائرة التي مرّت على مقربة من البيت، إذْ كان الصّدى فذّا نافِذًا يخترقُ خلوة الفجر من دُون احترامٍ.
فجأةً، ثبت حمزة جالسًا بعدما كان مُسْترخيًا مُنبسطًا على السّرير كأنّما سَمِع ناقوس إنذار فظيع بدل مُحرّكات الطائرة. و جعل يُردّدُ على آذان الطبيبة كلمات مُنفصلة :
هذا الصّوت .. الطّائرة.. هُبوط ..إقلاع ..المطار بالجوار !!
0 تعليقات