ما هو المدى الذي يمكن أن يكون فيه حلف شمال الأطلسي جديرا بالثقة لتصبح كل من فنلندا والسويد شريكان استراتيجيان في الحلف؟
بلا شك أن انضمام كل من فنلندا والسويد أو أية دول أخرى إلى حلف الناتو يرمز إلى المناخ الدولي المشحون بالتوترات العنيفة التي افرزتها الحرب الروسية_ الأوكرانية، حيث أن تداعيات هذه الحرب تمثل إيذانا بتراجع نفوذ حلف شمال الأطلسي في النظام العالمي، ومدى تأثيرها على امن منطقة الاتحاد الأوروبي وتداعيات هذا التأثير على دول المنطقة وتحديد الحاجة إلى استراتيجيات موحدة للتفاعل مع هذا التأثير، وما هو المدى الذي يمكن أن يكون فيه حلف شمال الأطلسي وخاصة كل من (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وبريطانيا) باعتبارهم ثلاثة من أهم أعضاء الناتو لاسيما أنهم أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي ويتمتعون بحق الفيتو إضافة إلى أنهم رسميا دول حائزة للأسلحة النووية. بمعنى أن تكون هذه الدول الثلاثة جديرة بالثقة في الدفاع عن شركائها. من هنا بات واضحا قد وصلت التوجهات الأيديولوجية والعسكرية إلى قيادة إدارة العالم من خلال مفهوم (سياسات التحالفات) وبأن الحقائق الموجودة على واقع الأرض على سبيل المثال لا الحصر، الأزمة الروسية الأوكرانية، وطلب انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، تلك الحقائق وغيرها وتداعياتها على مستقبل العلاقات الدولية، هي غير النظريات الديمقراطية الميتافيزيقية التي كان ومازال الأمريكيون والأوروبيون ينادون بها. لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لديهم مشكلة قديمة وهي مشكلة العداء العسكري والقومي مع الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الاتحادية اليوم، والتي هي في مفهومهم لا تنفصل عن فكرة الثورة البلشيفية، فالبلاشفة بالنسبة للأمريكان والأوروبيين حكم الحزب الواحد والدكتاتورية.
بالعودة إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر سنرى تغييرات كبيرة على خارطة التحالفات الأوروبية، وتحديدا بعد اندلاع الثورة الفرنسية، ولا ننسى بأن خارطة أوروبا الحالية أنتجتها الحرب العالمية الثانية وفقا لمعادلة موازين القوى، بيد أن هذه المعادلة فقدت كل مقوماتها وتأثيرها الدولي. بالرغم من إن ثقل موازين الدول يقاس بمقدار قوتها العسكريّة والاقتصادية، لكن هذا المعيار يبقى معلولا لعوامل أخرى تتبع السياسة والنظام. ربما من خلال رؤيا التحليل التي يفرضها منطق الأحداث أن أوربا ستشهد تغييرات كبيرة في المرحلة القادمة، وأن تفكك الاتحاد الأوروبي وتعويضه بحلف شمال الأطلسي بات أمرا حتميا، لكن الموضوع معقد يبقى رهينة التطورات السياسية وربما الصفقات السرية.
بالعودة أيضا إلى عام 2018 وتحديدا في يوم 1 مارس/ آذار، هذا التاريخ سيكتب بدء انقسام دول العالم الى معسكرين متناحرين تقف بينهما دول أخرى على الحياد. في هذا اليوم ترجّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا استعراضيا يمكن اعتباره بداية انطلاقة جديدة في سياسة واستراتيجية الاتحاد الروسي، بشيء من كاريزما القوّة ودعم مصوّر لسلسلة عروض جيل جديد من الصواريخ النووية فائقة التطوّر مع أسلحة فتاكة أخرى، حيث كان بوتين يشفر رسائل متعددة للعالم وهو ينعش الشعب الروسي بنشوة العظمة. مما قاله بوتين "على العالم أن يسمع روسيا اليوم ولا يصمّ البعض أذنيّه كما فعل سابقا، ثم أضاف بأن روسيا لا تهدد أحد بالأسلحة النووية وبأن ما يستعرضه ضمن الدفاع عن روسيا وحلفائها وحماية مصالحها ومصالح الدول الأخرى معتمدا بذلك على القوانين الدولية". مع العرض البعض يرى أن خطاب بوتين وتصريحاته تعكس أفكار ثورية ذات أهدف لايمكن تحقيقها.
ويمكن القول إن طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو ينطلق من اعتبارين، الأول، الاعتبار الأيديولوجي (النهج الايديولوجي) وهو ما يعكس السياسات التي تتخذها السويد وفنلندا تجاه الحلف من جهة، واتجاه الحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى، أما الاعتبار الثاني فهو يتمثل في التقاليد التاريخية للدولتين، وموقعهما الجيوسياسي بالنسبة لروسيا، وكذلك أهداف الأمن القومي الأوروبي.
وتأسيسا لما تقدم هناك ثلاثة مدلولات يمكن مناقشتها بصدد الموضوع:
المدلول الأول: هو مفهوم ميزان القوى ومكانة كل من فنلندا والسويد كدول محورية في النظام العالمي، أم أنهما دول تمثل جزء من محور معين (الاتحاد الأوروبي)، بمعنى هل انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو سيحقق توازن دولي، وهذا التوزان سيكون مرغوب به من جهة وفي الوقت نفسه غير مرغوب فيه من جهة أخرى؟ من هذا المنطلق تبرز إشكالية استجلاء الصورة الحقيقية للمكانة الدولية لكلا البلدين والمقومات والفواعل في إطار سياسات التحالفات في محاور مضادة لأخرى قائمة.
المدلول الثاني: هو المفهوم النمطي لميزان السياسة الداخلية لكل دولة (فنلندا والسويد) ورؤيتهما في الانغماس في الشؤون الدولية أو الانكفاء على الذات؟
المدلول الثالث: هو المحور أو المفهوم الأيديولوجي، من الملاحظ تاريخيا أن السويد تحديدا تتخذ الأيديولوجيا سندا كفكرة للعمل على تحقيق ميزان القوة، في تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية، على سبيل المثال، الاتحاد السويدي النرويجي الذي تأسس عام 1814 وانتهى عام 1905، وانطلاقا من المدلول الايديولوجي التحقت السويد بالاتحاد الأوروبي في عام 1995، واليوم تعمل السويد على تبرير سعيها للانضمام لحلف الناتو بذريعة العمل على إنماء قواها، والبقاء على ميزان القوى بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لكنه أيضا في سياق أيديولوجي.
وبما أن الدنمارك والنرويج من ضمن الدول الاسكندنافية (السويد، فنلندا، الدنمارك، النرويج) وهما أعضاء في حلف الناتو، إذن تسعى الكتلة الاسكندنافية بعد انضمام السويد وفنلندا للحلف أن تكون قوة جيوبولوتيكية ضمن الدول، ولتثبيت وجودهما داخليا وخارجيا، من ثم تفرض قوتها السياسية والعسكرية في ميزان القوى الدولية.
في المقابل ستحاول روسيا تهديد الدول المجاورة لها خصوصا الدول المنضوية تحت عباءة الاتحاد الأوروبي والتي على حدود السويد وفنلندا، بمعنى ستكون هذه الدول تحت مضلة الدفاعات الروسية ومشلولة القدرة العسكرية. بالتالي سوف لن تلتزم هذه الدول بوجوب سياسة الحياد حفاظا على مصيرها ووجودها وستبتعد عن سياسة الحياد والنأي بالنفس عن كل سجلات التصعيد والصراع.
أما المملكة المتحدة البريطانية، فلا يوجد خيار استراتيجي لها سوى أن تكون مركز قيادة للتحالف الغربي الأمريكي إلا في حالة استثنائية مع التحفظ على أي قوة أوروبية تتشكل مستقبلا تحاول أن تفرض نفسها كقطب ثالث بمعزل عن السجال الروسي الأمريكي. بيد أن هذا القطب الأوروبي الجديد يتطلب اجراءات معقدة جدا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجيّة. المرجح أن كثير من دول العالم ستختار سياسة عدم الحياد والانسياق خلف القطبين الروسي والأمريكي.
بلا شك أن انضمام كل من فنلندا والسويد أو أية دول أخرى إلى حلف الناتو يرمز إلى المناخ الدولي المشحون بالتوترات العنيفة التي افرزتها الحرب الروسية_ الأوكرانية، حيث أن تداعيات هذه الحرب تمثل إيذانا بتراجع نفوذ حلف شمال الأطلسي في النظام العالمي، ومدى تأثيرها على امن منطقة الاتحاد الأوروبي وتداعيات هذا التأثير على دول المنطقة وتحديد الحاجة إلى استراتيجيات موحدة للتفاعل مع هذا التأثير، وما هو المدى الذي يمكن أن يكون فيه حلف شمال الأطلسي وخاصة كل من (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا وبريطانيا) باعتبارهم ثلاثة من أهم أعضاء الناتو لاسيما أنهم أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي ويتمتعون بحق الفيتو إضافة إلى أنهم رسميا دول حائزة للأسلحة النووية. بمعنى أن تكون هذه الدول الثلاثة جديرة بالثقة في الدفاع عن شركائها. من هنا بات واضحا قد وصلت التوجهات الأيديولوجية والعسكرية إلى قيادة إدارة العالم من خلال مفهوم (سياسات التحالفات) وبأن الحقائق الموجودة على واقع الأرض على سبيل المثال لا الحصر، الأزمة الروسية الأوكرانية، وطلب انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، تلك الحقائق وغيرها وتداعياتها على مستقبل العلاقات الدولية، هي غير النظريات الديمقراطية الميتافيزيقية التي كان ومازال الأمريكيون والأوروبيون ينادون بها. لأن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لديهم مشكلة قديمة وهي مشكلة العداء العسكري والقومي مع الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الاتحادية اليوم، والتي هي في مفهومهم لا تنفصل عن فكرة الثورة البلشيفية، فالبلاشفة بالنسبة للأمريكان والأوروبيين حكم الحزب الواحد والدكتاتورية.
بالعودة إلى القرن الثامن عشر والتاسع عشر سنرى تغييرات كبيرة على خارطة التحالفات الأوروبية، وتحديدا بعد اندلاع الثورة الفرنسية، ولا ننسى بأن خارطة أوروبا الحالية أنتجتها الحرب العالمية الثانية وفقا لمعادلة موازين القوى، بيد أن هذه المعادلة فقدت كل مقوماتها وتأثيرها الدولي. بالرغم من إن ثقل موازين الدول يقاس بمقدار قوتها العسكريّة والاقتصادية، لكن هذا المعيار يبقى معلولا لعوامل أخرى تتبع السياسة والنظام. ربما من خلال رؤيا التحليل التي يفرضها منطق الأحداث أن أوربا ستشهد تغييرات كبيرة في المرحلة القادمة، وأن تفكك الاتحاد الأوروبي وتعويضه بحلف شمال الأطلسي بات أمرا حتميا، لكن الموضوع معقد يبقى رهينة التطورات السياسية وربما الصفقات السرية.
بالعودة أيضا إلى عام 2018 وتحديدا في يوم 1 مارس/ آذار، هذا التاريخ سيكتب بدء انقسام دول العالم الى معسكرين متناحرين تقف بينهما دول أخرى على الحياد. في هذا اليوم ترجّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا استعراضيا يمكن اعتباره بداية انطلاقة جديدة في سياسة واستراتيجية الاتحاد الروسي، بشيء من كاريزما القوّة ودعم مصوّر لسلسلة عروض جيل جديد من الصواريخ النووية فائقة التطوّر مع أسلحة فتاكة أخرى، حيث كان بوتين يشفر رسائل متعددة للعالم وهو ينعش الشعب الروسي بنشوة العظمة. مما قاله بوتين "على العالم أن يسمع روسيا اليوم ولا يصمّ البعض أذنيّه كما فعل سابقا، ثم أضاف بأن روسيا لا تهدد أحد بالأسلحة النووية وبأن ما يستعرضه ضمن الدفاع عن روسيا وحلفائها وحماية مصالحها ومصالح الدول الأخرى معتمدا بذلك على القوانين الدولية". مع العرض البعض يرى أن خطاب بوتين وتصريحاته تعكس أفكار ثورية ذات أهدف لايمكن تحقيقها.
ويمكن القول إن طلب فنلندا والسويد للانضمام إلى حلف الناتو ينطلق من اعتبارين، الأول، الاعتبار الأيديولوجي (النهج الايديولوجي) وهو ما يعكس السياسات التي تتخذها السويد وفنلندا تجاه الحلف من جهة، واتجاه الحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى، أما الاعتبار الثاني فهو يتمثل في التقاليد التاريخية للدولتين، وموقعهما الجيوسياسي بالنسبة لروسيا، وكذلك أهداف الأمن القومي الأوروبي.
وتأسيسا لما تقدم هناك ثلاثة مدلولات يمكن مناقشتها بصدد الموضوع:
المدلول الأول: هو مفهوم ميزان القوى ومكانة كل من فنلندا والسويد كدول محورية في النظام العالمي، أم أنهما دول تمثل جزء من محور معين (الاتحاد الأوروبي)، بمعنى هل انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو سيحقق توازن دولي، وهذا التوزان سيكون مرغوب به من جهة وفي الوقت نفسه غير مرغوب فيه من جهة أخرى؟ من هذا المنطلق تبرز إشكالية استجلاء الصورة الحقيقية للمكانة الدولية لكلا البلدين والمقومات والفواعل في إطار سياسات التحالفات في محاور مضادة لأخرى قائمة.
المدلول الثاني: هو المفهوم النمطي لميزان السياسة الداخلية لكل دولة (فنلندا والسويد) ورؤيتهما في الانغماس في الشؤون الدولية أو الانكفاء على الذات؟
المدلول الثالث: هو المحور أو المفهوم الأيديولوجي، من الملاحظ تاريخيا أن السويد تحديدا تتخذ الأيديولوجيا سندا كفكرة للعمل على تحقيق ميزان القوة، في تحقيق أهدافها ومصالحها الوطنية، على سبيل المثال، الاتحاد السويدي النرويجي الذي تأسس عام 1814 وانتهى عام 1905، وانطلاقا من المدلول الايديولوجي التحقت السويد بالاتحاد الأوروبي في عام 1995، واليوم تعمل السويد على تبرير سعيها للانضمام لحلف الناتو بذريعة العمل على إنماء قواها، والبقاء على ميزان القوى بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لكنه أيضا في سياق أيديولوجي.
وبما أن الدنمارك والنرويج من ضمن الدول الاسكندنافية (السويد، فنلندا، الدنمارك، النرويج) وهما أعضاء في حلف الناتو، إذن تسعى الكتلة الاسكندنافية بعد انضمام السويد وفنلندا للحلف أن تكون قوة جيوبولوتيكية ضمن الدول، ولتثبيت وجودهما داخليا وخارجيا، من ثم تفرض قوتها السياسية والعسكرية في ميزان القوى الدولية.
في المقابل ستحاول روسيا تهديد الدول المجاورة لها خصوصا الدول المنضوية تحت عباءة الاتحاد الأوروبي والتي على حدود السويد وفنلندا، بمعنى ستكون هذه الدول تحت مضلة الدفاعات الروسية ومشلولة القدرة العسكرية. بالتالي سوف لن تلتزم هذه الدول بوجوب سياسة الحياد حفاظا على مصيرها ووجودها وستبتعد عن سياسة الحياد والنأي بالنفس عن كل سجلات التصعيد والصراع.
أما المملكة المتحدة البريطانية، فلا يوجد خيار استراتيجي لها سوى أن تكون مركز قيادة للتحالف الغربي الأمريكي إلا في حالة استثنائية مع التحفظ على أي قوة أوروبية تتشكل مستقبلا تحاول أن تفرض نفسها كقطب ثالث بمعزل عن السجال الروسي الأمريكي. بيد أن هذا القطب الأوروبي الجديد يتطلب اجراءات معقدة جدا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجيّة. المرجح أن كثير من دول العالم ستختار سياسة عدم الحياد والانسياق خلف القطبين الروسي والأمريكي.
0 تعليقات