علي الجنابي- بغداد
إنَّكُمُ هَيا جُلّاسِي شِلَّةٌ مِن حُثَالَة، ومَا أنَا بِهَاوٍ لإحتَرافٍ في جَلدِكُمُ، ولا لضَربٍ مِن مِثَالِه، بَل نَاوٍ لإعتَرافٍ لشِلّتِكُمْ أنّها مِلَّةٌ مِن حُثالَة، وَيَالها مِن حُثَالَة! رغمَ أنَّها ثُلَّةٌ حَوَتِ في حناياها (مفَكِّرَاً) ذا رَبطةِ عُنُقٍ وبِنطالَه، وزَوَت في خباياها (وَجِيهاً) ذا خَلطَةِ طُرُقٍ بإستِمالَةٍ وإشتِمالِه، وطَوَت في ثناياها (فقيهاً) ذا خَبطَةِ (رزقٍ) بإحتيالِه، وضَوَت إليها أزواجٌ من مثلِ ذلكمُ، وأزواجٌ من مِثالِه.
مَابالكُمُ تُقَهْقِهُونَ عليَّ -أجُلّاسِي- عَالِياً وكأنّي مُهَرِّجٌ يَهذي بأقوالِه؟ أوَرَاقَكُمُ أنَّ أوراقَكُمُ مِن عجينةٍ من حُثَالَة، أم لعلَّكُم تُنَهْنِهُون لأفتِراسِي بِعُجَالَة؛
- " وكيفَ ذَاكَ يا (سديدَ) الرأيِ أنتَ، ويا صنديدَ الرِّسالة! أوَلسنا نَحنُ فُرسانُ الحَقِّ وبينَ النَّاسِ تِمثَالَه"!
- كلّا، بل أنتُمُ ثُلَّةٌ من حُثالَة، وأيُّ حُثَالَة! فلا تَفزَعُوا مِن تَبيانِ الأمرِ لكُمُ ولا تَجزَعُوا مِن مَآلَه، ذاكَ أنَّ المَرءَ مِنكُمُ...
يَقولُ مَا لا يَفعلُ، قَوْلاً عَن نِفاقٍ لا عَن جَهالَة، ولِسانُهُ في الخَوْضِ طامِسٌ، ومُتَبَحِّرٌ في رِحَالِه.
ويُحِبُّ أن يُحمَدَ بِما لا يَفعَلُ رغمَ أنَّهُ قِرْبَة من نَذَالَة، وكِيَانُهُ في الذُّلِ غامِسٌ، ومَتَذَمِّرٌ بِذَلالَة.
ويُحِبُّ حَقَّاً مُنسَجِماً مَعَ هَواهُ، أجلْ يَعشَقُهُ بإمَالِة، ومُغرَمٌ بإستِمالَةٍ لأموَالِه، وآذانُهُ للتَزَلَّفِ حَابِسٌ، ومُتَشَوِّقٌ لإستِهالَة.
ويَنتَهِكُ المَحارِمَ إن خَلَى بِها في نَفحِ وادٍ، أو على سَفحٍ مِن تِلالِه، وعَنانُهُ في الفُحشِ رَاكِسٌ، ومَتَخَمِّرٌ في خِلالِه.
ولا يَحفَلُ بشَطْرِ آيٍ (إِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ) في مَجالِه، ويَأفَلُ عَن إرتِجالِه، ويتفُلُ على سِجالِه، ولا يَكفُلُ أحداً من رِجالِه، بَل يَجفلُ مِن رِجَالِه.
أعلمُ يقيناً، أنَّكم تعلمونَ، أنّكُمُ مِلَّةُ مِن حُثالَة، وإنَّ أحَدَكُمُ ...
بينما يَقصُفُ بِتَخَرُّصٍ أعدَاءَهُ وكلَّ ضَلالَة، يَنصِفُ بِتَرَخُّصٍ إستِمناءَهُ في حَرامٍ أو في حَلالِه.
وبينما يَعَضُّ الحَرفَ على رئيسِهِ ويَصِفُهُ بالجُعالَة، تَرَاهُ يَغُضُّ الطَّرفَ بأنَّهُ هوَ كِيسٌ مِن زِبالَة، وإنَّما (الجُعالَةُ لا تَجثُمُ إلا على زِبالَة)، وعَفَنُ كِيسِها مَنُهُ وفيِهِ رغمَ شَدّهِ بِحِبالِه.
وبينما يَتَلاوَمُ ويَتَلافَتُ بِبَذيءِ هِتافٍ على الزَّعيمِ مِن جَرَّاءِ جُورِ البِطالَة بِإطالَة، يُساوِمُ ويَتَهافَتُ على دنيءِ قِطافٍ من ضَرَّاءِ بُورِ العَمَالَة، ويَخفُتُ لسانُهُ بِقُبَيصَةِ دراهمٍ مِن إِعالَة.
وبينما يَتَبَجَّحُ ضُحىً بِدفاعٍ عن الوَطَنِ بِبَسالَة، ولِعابُهُ لِلجَسارَةِ سَالَ، ولغَيرِهِ أغوَى وأَسَالَ، يَتَرَنَّحُ عَشيِّاً بالخُمُورِ حتّى الثَّمَالَة، وكِعَابُهُ عَن الطَّريقِ مَالَ، ولِسَيرِهِ لوَى وإستمَالَ.
أوَمَازِلتُمُ أيَا جُلّاسِي غيرَ مُصَدِّقِيَّ أنَّكُمُ جُلاسٌ مِن حُثالَة؟
ولكِن ما مِن بدٍّ ليَ في مجالسةِ مجلسٍ أَطَّ بأوحالِه، فَنَطَّ بإختيالِه، فَحَطَّ في سَفالَة! فلا بَديلَ عنكُمُ مؤنسٌ ليَ إذ العصرُ يَغشانا بجَمالِهِ وكَمالِه.
مَالكُم تُقهقِهونَ عليَّ بإِزْدَرَاءٍ وبنَذالَة! أفَتَظنُّونَ أنَّيَ بَليدُكُمُ، وأنّي في خَبَلٍ وفي خَبالة؟ ألَمْ تَرَوا أنَّ المرءَ مِنكُمُ..
حينَ يتَبَجَّحُ ضُحىً ويَزأرُ ذَوْدَاً عن أرضٍ وعِرضٍ، وجُذورِ من أصَالَة، يتَرَنَّحُ عَشيِّاً ويَجأرُ عَوْدَاً الى خَوضٍ وقَرْضٍ، وخُمورٍ من مَصَالَة، ويَتَنَحنَحُ بها حتّى الثَّمَالَة.
وَحينَ يرَأى أحدُكُمُ الزَّعيمَ مُقبِلاً هَروَلَ، وحَمَاهُ بالرُّوحِ، وفَدَاهُ برِجالِه، وَلَئِن وَلّى مُدبِراً وَلوَلَ، ورَماهُ باللَّوحِ، وعَدَاهُ بِنِعالِه. وحينَ يقاومُهُ كَذباً لأجلِ إنصافٍ وعَدالَة، يساومُهُ جَذباً لأجلِ مَنصبٍ بَدَا لَهُ، أو دنيارٍ بِدَالَه. وَحينَ يَتَبَنَّى في صِياحهِ بِناءَ جامِعاتِ جِدٍّ زَاخراتٍ بكثيرِ عِلمٍ بِجَزالَة، يَتَرَنَّى في صَباحِهِ سَناءَ لامِعاتِ خَدٍّ زاهراتٍ بِأثيرِ(فَهمٍ) ونِزالَه.
إنَّكُمُ جُلّاسِيَ حُثالة، وأيُّ حُثالة! حُثالةٌ...
أَنْفُها لا يُديمُ حَزَنَاً عَدَا فَرْجَها، وما دونُهُ يَكنسُه بالإزَالَة.
أَنَفُها لا يُقيمُ وَزَنَاً خَلا خَرْجَها، ولن يبغيَ إستِقالَة.
وَلَوْ أَنَّ جُلّاسِي (فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)، ولكنَّ ذلكَ الوَعظُ عليهُمُ يَبدو؛ بعيدَ المَنالِ وإستحالة.
0 تعليقات