لا ريبَ أنَّ الغربةَ ذو طَعمٍ علقم، ذُقتُهُ -خلال دراستي- وما حوى من بلغم، لذلك، وجبَ عليَّ إلتماسَ العذر لإخوةِ دراسةٍ أو مهنة، هجروني نحو ديار الغرب إلتالف الخَرم، جرّاء تهديدٍ بمسدسٍ للصوتِ كَتم، أو إزاءَ إذلالٍ في مهنةٍ بإستهجان أو لَجم، أو فاقةٍ في عيشٍ ذي عسرةٍ وذي هضم، وأزواجٍ وأزواج من جور ومن ألم، لكنّ صديقاً طلبَ منّي تهنئتهُ بإتصالٍ هاتفيّ ناشز النغم، فقال مانصّهُ: (قد رميت بجنسيةِ "العراقِ" جنسيةِ الذلِّ والوهم، في سلة مهملاتٍ، وأتهاتف وإياكَ الآن من ساحل ميامي الساحر الحُلُم، ف(الوطنَ يا أُخيَّ هو حيثما يكون المرءُ بخيرٍ، بلا همٍّ ولا صداع ولا وجم). ويحهُ! آلوطنُ فندقٌ هُو! وهل تستحقُ هويتنا العراقية، وكلّ جنسيةٍ عربية قبراً في حاويات "ميامي" البغية. هوَ مهندسٍ أوفِدَ في بعثةِ هندسةٍ غنيةٍ هنية، وإذ بلدُهُ في غمار حرب فريّة، وكان آنئذٍ على جيشه فيها ان يختار: أمّا غازٍ أو غزية، أوفده لدراسة هندسة نادرٌ تخصصها وحفيّة؟ فما هكذا يا صاح تورد الأبل، وما هكذا تُرَدُّ -يا أنتَ- الهدية وما هكذا تُحسَم القضية! وسأدعْ معك أمرَ العقيدة جانباً لهنيهةٍ - وإنَّ العقيدةَ لنقيةٌ من كل عنصرية - ولنتحدثُ عن عشيرتنا: "القومية العَربية"، مع كامل إعتزازاتي الوفية الأخوية، لأخوتي إخوة الوطن من قوميات ومن مذاهب اخرى لها شأنها وبهية.
انا هيمان بالعروبة، وعاشق لها رغم أنها الان مشتتةٌ بين قافيةِ الموتِ وقافلةِ الرحيلِ، وإنّي لأسألُ اللهَ المقتدر الجليل، أن يهديَ أمَّةَ الضّادِ سواءَ السبيل، وأن يُعيدَ الفوت من تأريخٍ أصيل، ويزيدَ الصوت من بأس الصهيل. ويعلم الله أن خَيطَ جلبابٍ هزيلٍ، لصعيديّ من "مصرَ" أصيل، كَشَفَ عن ساقيهِ مُتناسياً رَفعُهُ وخَفضُهُ، أو قرَويٍّ في ريف" صنعاءَ " نحيل، تراه ذا وَجهٍ حاسمٍ في بَيعَتِهِ، وبَاسمٍ هو رفضُهُ، أو شاميٍّ في هضابِ "حلب" كحيل، بِسَمَرٍ عَفَويٍّ غُنَّتُهُ ولَفظُهُ، أو بَدويٍّ خلفَ كثبان "ذي قار" نزيل، يُحِيطُه دَجاجٌ وخَريرُ ماءٍ، ولِتغريدِ الطّيرِ منها حَظُّهُ. خيطَ جلباب أحدِهم ليعدل عندي "برلين" وخَرجَها الجزيل، و"باريس" وبرجها الجديل، و"لندن" ومرجها الجميل. ولقد علمتَ -يا صاح- أني لبثتُ في ديار الغربِ عُمُراً ماهو بقليل، وعلى علمٍ بحضارةِ (كونكرايت) عندهم مرجفة زائفة رذيل، وأعلمُ بعمق ما يمكرون من سوءٍ وتضليل.
عاشق للعروبة أنا، عاشق؟! كلا، بل متطرفٌ حتى النخاع، وأتساءلُ أحياناً بصوتٍ هزيل: لو كان أبي"بورمياً" وجبةُ غذائهِ: كبابُ مشوي من فخذ كلبٍ يلتقمه بلا إرتياع، أو كان عمّي "مكسيكيّاً" بقبعةٍ نصف قطرها سبعون باع، أو كان خالي "دنماركياً" دُبُرُهُ يرفض الحشمة قائماً أو قاعداً أو في إضطجاع، فأنّى يتأتّى ليَ أن أستنشق نسيماً يرافقني لا يفارقني طرفةَ عينٍ من نسائم...
قصي بن كلاب والوليد وعتبة وعبدالمطلب السَّخي، ثمّ الصدّيق الأبيّ، والفاروق القويّ، وذي النورين البهيّ، وقاضي القضاة عليّ، ثمّ سعد خال النبيّ، وطلحة العّفويّ، والزبير الحواريّ، وخبّاب وأويس القرني، ثمَّ المثنى بن حارثة الشيبانيّ، وهارون الرشيد الهنيّ، والمأمون النديّ، والحسن البصريّ التقيّ، وإبن الجوزية الورِع الزكيّ، وعبق القرطبيّ السويّ، وألقِ الفخر الرازيّ، ثمَّ ومن قبلُ النابغة الذبيانيّ، وطرفة بن العبد الشجيّ، وجزل الخنساء الحفيّ، وهجاء الفرزدق الدويّ، وبحور الفراهيديّ، وصروف إبن جنيّ النحويّ، وابي تمام الجليّ، وابي فراس الحمدانيّ، وابي الــعتاهــ.... مهلاً، كأني بكَ يا فلان تتمتم الآن؛ أني سلحفةٌ أو سرجُ حصان!
كلا، ما أنا بسلحفةٍ متحجرةٍ في رمالِ ماضٍ فان، بل مثلكَ أنا حلوٌ وجميل الكيان، وجهي كغصن البان، ثم أنا خبيرٌ ب(إتكيت) فتح الشمبانيا، وللصبايا إحتضان، (الشمبانيا يا سادة هي أسمٌ لخمورٍ، وليس صنفاً لقردةٍ، أو مردةَ جان، ورغم ان القردة تأبى ما فيها من صنان، لكننا رتعنا بها حتى الثمالة تحت عباءةِ تحضرٍ لبسناها وكان، أن ذاب في هواها الفكرُ وماع، وهزَّ وسطهُ في ليالٍ حمراء وغنّى "ماعٍ ماع"، ولولا رحمة من الرحمن لطارَ الفكرُ مع (فلّينتِها) وضاع. ثمّ أومأتُ للنادل بجودة صنفِ القارورة، ليملأَ الكأس والقماع، وإذ بمطربة السهرة قد تركت جوقتها والإنارة والإجتماع، لتغني بين يديَّ بلغةٍ عربية متكسرة وبإلتياع، وأنا منتفخُ الأوداج متغطرسٌ حين الإستماع، أغنية داليدا الفرنسية: (يا مصطفى يا مصطفى، أنا بهبك يامصطفى ومافي وداع..).
أحيانا، أكاد أن أجزم ان رَنّةَ "الشمبانيا"، ونبرة "داليدا" وحفنة الأفلام، هُمُ سبب هجرة ثُلثي أهلينا وليس اضطهاد الحكام! فلمَ لم نرَ هجرةً نحو اليابان والكوريتين وجنوب آسيا المتطورة بإنتظام؟ والعجبُ أنّ المضطهدين ماكثون في أوطانهم رغم إضطهاد وإلتحام، والمترفين وبعض أهلِ (فكرٍ) مترف هم مَن فَرَّ من الاوطان ل (عدم الإنسجام)، تحت راية (الوطن هو حيثما يكون المرء بخير وبإحترام)! وكأنّ الوطن فندقٌ ومنتجعٌ لإستجمام! أفأيقنتَ الان يافلان أنى لستُ سلحفاة، بل مثلك وفي سنام ال (تحضر)؟ وهل هدأت نفسك الأن من التبَطّر والتنظر؟ كلا، انا أدني منك بدرجة في سُلّمِ التفكّر، لأنك تجيد تجرّع كأس (كونياك)صغير دفعةً واحدةً وبتهوّر، وهو ما فشلتُ أنا فيه رغم ما عندي من (تطوّر)، ثم إنك تجيد نزع..
(لا تفزع!) أقصدُ نزع سترة الآنسة رفيقتك هوناً بلا توتّر، وتتناوش منها قبعتها ذي ريشة الطاووس المتبختر، قبيل دخولِكما صالة المسرح لسماع سمفونية "فيردي" المتحضر- وفردي هذا يا سادة ليس كلبُ سيدة الريشة المتنمر، بل إسم لموسيقار ايطالي يأتي تسلسله في ثالثا بعد بتهوفن وموزارت المتضجِّر. أنا أهوى الثلاثة، لكني أفضلُ سمفونية: "دشداشة صبغ النيل" على "زواج فيغارو "). إن عشيرتي -يا صاح- عشيرةَ العرب نبيلٌ بنانها أصيلٌ بيانها ظليلٌ حنانها، ولذيذٌ طعامها، نقيض شطيرة "الهامبرغر" المُعَقَّد كيانها، فمرقة "الباميا" ألذُّ مع رغيف بائتٍ منقوع، إذ ينازعني على الماعون صغيري ذو شعرٍ منفوشٍ وحاجبٍ أيمنٍ مرفوع، فيدخلُ كلانا في صراع تغميسٍ وتلويصٍ هو عند ربة بيتنا مُقزِّزٌ ممنوع.
تحية لأنفاس كل عربي من خليجٍ متنعمٍ الى محيطٍ مُقفرٍ قنوع، وكلِّ عربيٍّ مغتربٍ مفجوع، بظلم حاكمٍ جربوع، كلِّهم أجمعين، مؤمنهم وفاسقهم - نعم فاسقهم الضاحك دوماً بين الجموع! فلربما صباح غدٍ ينقلب المؤمنُ ضاحكاً، والضاحكُ مؤمناً بالتسبيحِ منقوع. وتحية لألحان صحاري العروبة- نعم فإنّ لصحارى العُرب تردّدٌ تحت الصوتي غير مسموع، لا يسمعه إلّا عربيٌّ أصيل، غيرُ مهجنٍ وغيرُ لافٍ نزيل موضوع.
نتمنى على كلِّ ذي قلمٍ غيور، وفكرٍ جسور، وجذرٍ بالعروبةِ فخور الألتفات والمرور، لصد غزوٍ غربيّ فكريٍّ جامح مسعور، لقتلِ كل إرثٍ عربي عزيز طهور، تحت ذريعةٍ مسمومة:
" كفى إجتراراً وتغنٍ بأمجاد ماضٍ مقبور، وإنطلق لعملٍ مثمرٍ عامرٍ معمور"! وَيْ خَيّو! وشو يمنع إنّو نحنا نفعل التنتين سوا سوا؟ وليش ما بتخلّي كلامك تشخيصاً ودوا:
" كفى صمتاً عن الظلمِ والجور، وإنطلق من إرث ماضيك لبناء حُلمك ببهجة وحبور"؟ ليش! لأنه أنت يا ذا قلمٍ "خفيفَ الوجدِ " وإذ تقطنُ أرضنا أو تستوطنُ "باريسَ" أو قابع في شقة في برلين، ونراك تقذفنا كل ساعة بمقالات ذمٍّ للأصالة (ولا أقول القومية) والانفتاح على "العولمة" رغم ان صانعي "العولمة" هم أكثر الناس اعتزازاً بقومياتهم، مع انها قوميات خاوية بئيسة. انت ومَن هم على شاكلتك من حكام ومن (مفكرين) خدّجٍ سذّج في حاضناتِ الفكر الغربي، أنتم الذين نثرتم بذور "البطالة" في أرضنا، ثمّ أراكم تُبَرّرونَ- بمكرٍ مُبَيَّتٍ- تخلفنا بسبب إجترار الماضي. وماذا عسانا أن نجترَّ غير ماضينا، وقد مَحَوتم حاضرنا محواً جليّاً، فقتلتمونا بتكميمكم أفواهنا، وبدهاءٍ دمّرتم في أنفسنا نفخة ماضينا، لفحة حاضرنا، ونفحة مستقبلنا، وذلك هو بعينه عنوان مسرحية:
[القتلُ على نارٍ هادئة]
انا هيمان بالعروبة، وعاشق لها رغم أنها الان مشتتةٌ بين قافيةِ الموتِ وقافلةِ الرحيلِ، وإنّي لأسألُ اللهَ المقتدر الجليل، أن يهديَ أمَّةَ الضّادِ سواءَ السبيل، وأن يُعيدَ الفوت من تأريخٍ أصيل، ويزيدَ الصوت من بأس الصهيل. ويعلم الله أن خَيطَ جلبابٍ هزيلٍ، لصعيديّ من "مصرَ" أصيل، كَشَفَ عن ساقيهِ مُتناسياً رَفعُهُ وخَفضُهُ، أو قرَويٍّ في ريف" صنعاءَ " نحيل، تراه ذا وَجهٍ حاسمٍ في بَيعَتِهِ، وبَاسمٍ هو رفضُهُ، أو شاميٍّ في هضابِ "حلب" كحيل، بِسَمَرٍ عَفَويٍّ غُنَّتُهُ ولَفظُهُ، أو بَدويٍّ خلفَ كثبان "ذي قار" نزيل، يُحِيطُه دَجاجٌ وخَريرُ ماءٍ، ولِتغريدِ الطّيرِ منها حَظُّهُ. خيطَ جلباب أحدِهم ليعدل عندي "برلين" وخَرجَها الجزيل، و"باريس" وبرجها الجديل، و"لندن" ومرجها الجميل. ولقد علمتَ -يا صاح- أني لبثتُ في ديار الغربِ عُمُراً ماهو بقليل، وعلى علمٍ بحضارةِ (كونكرايت) عندهم مرجفة زائفة رذيل، وأعلمُ بعمق ما يمكرون من سوءٍ وتضليل.
عاشق للعروبة أنا، عاشق؟! كلا، بل متطرفٌ حتى النخاع، وأتساءلُ أحياناً بصوتٍ هزيل: لو كان أبي"بورمياً" وجبةُ غذائهِ: كبابُ مشوي من فخذ كلبٍ يلتقمه بلا إرتياع، أو كان عمّي "مكسيكيّاً" بقبعةٍ نصف قطرها سبعون باع، أو كان خالي "دنماركياً" دُبُرُهُ يرفض الحشمة قائماً أو قاعداً أو في إضطجاع، فأنّى يتأتّى ليَ أن أستنشق نسيماً يرافقني لا يفارقني طرفةَ عينٍ من نسائم...
قصي بن كلاب والوليد وعتبة وعبدالمطلب السَّخي، ثمّ الصدّيق الأبيّ، والفاروق القويّ، وذي النورين البهيّ، وقاضي القضاة عليّ، ثمّ سعد خال النبيّ، وطلحة العّفويّ، والزبير الحواريّ، وخبّاب وأويس القرني، ثمَّ المثنى بن حارثة الشيبانيّ، وهارون الرشيد الهنيّ، والمأمون النديّ، والحسن البصريّ التقيّ، وإبن الجوزية الورِع الزكيّ، وعبق القرطبيّ السويّ، وألقِ الفخر الرازيّ، ثمَّ ومن قبلُ النابغة الذبيانيّ، وطرفة بن العبد الشجيّ، وجزل الخنساء الحفيّ، وهجاء الفرزدق الدويّ، وبحور الفراهيديّ، وصروف إبن جنيّ النحويّ، وابي تمام الجليّ، وابي فراس الحمدانيّ، وابي الــعتاهــ.... مهلاً، كأني بكَ يا فلان تتمتم الآن؛ أني سلحفةٌ أو سرجُ حصان!
كلا، ما أنا بسلحفةٍ متحجرةٍ في رمالِ ماضٍ فان، بل مثلكَ أنا حلوٌ وجميل الكيان، وجهي كغصن البان، ثم أنا خبيرٌ ب(إتكيت) فتح الشمبانيا، وللصبايا إحتضان، (الشمبانيا يا سادة هي أسمٌ لخمورٍ، وليس صنفاً لقردةٍ، أو مردةَ جان، ورغم ان القردة تأبى ما فيها من صنان، لكننا رتعنا بها حتى الثمالة تحت عباءةِ تحضرٍ لبسناها وكان، أن ذاب في هواها الفكرُ وماع، وهزَّ وسطهُ في ليالٍ حمراء وغنّى "ماعٍ ماع"، ولولا رحمة من الرحمن لطارَ الفكرُ مع (فلّينتِها) وضاع. ثمّ أومأتُ للنادل بجودة صنفِ القارورة، ليملأَ الكأس والقماع، وإذ بمطربة السهرة قد تركت جوقتها والإنارة والإجتماع، لتغني بين يديَّ بلغةٍ عربية متكسرة وبإلتياع، وأنا منتفخُ الأوداج متغطرسٌ حين الإستماع، أغنية داليدا الفرنسية: (يا مصطفى يا مصطفى، أنا بهبك يامصطفى ومافي وداع..).
أحيانا، أكاد أن أجزم ان رَنّةَ "الشمبانيا"، ونبرة "داليدا" وحفنة الأفلام، هُمُ سبب هجرة ثُلثي أهلينا وليس اضطهاد الحكام! فلمَ لم نرَ هجرةً نحو اليابان والكوريتين وجنوب آسيا المتطورة بإنتظام؟ والعجبُ أنّ المضطهدين ماكثون في أوطانهم رغم إضطهاد وإلتحام، والمترفين وبعض أهلِ (فكرٍ) مترف هم مَن فَرَّ من الاوطان ل (عدم الإنسجام)، تحت راية (الوطن هو حيثما يكون المرء بخير وبإحترام)! وكأنّ الوطن فندقٌ ومنتجعٌ لإستجمام! أفأيقنتَ الان يافلان أنى لستُ سلحفاة، بل مثلك وفي سنام ال (تحضر)؟ وهل هدأت نفسك الأن من التبَطّر والتنظر؟ كلا، انا أدني منك بدرجة في سُلّمِ التفكّر، لأنك تجيد تجرّع كأس (كونياك)صغير دفعةً واحدةً وبتهوّر، وهو ما فشلتُ أنا فيه رغم ما عندي من (تطوّر)، ثم إنك تجيد نزع..
(لا تفزع!) أقصدُ نزع سترة الآنسة رفيقتك هوناً بلا توتّر، وتتناوش منها قبعتها ذي ريشة الطاووس المتبختر، قبيل دخولِكما صالة المسرح لسماع سمفونية "فيردي" المتحضر- وفردي هذا يا سادة ليس كلبُ سيدة الريشة المتنمر، بل إسم لموسيقار ايطالي يأتي تسلسله في ثالثا بعد بتهوفن وموزارت المتضجِّر. أنا أهوى الثلاثة، لكني أفضلُ سمفونية: "دشداشة صبغ النيل" على "زواج فيغارو "). إن عشيرتي -يا صاح- عشيرةَ العرب نبيلٌ بنانها أصيلٌ بيانها ظليلٌ حنانها، ولذيذٌ طعامها، نقيض شطيرة "الهامبرغر" المُعَقَّد كيانها، فمرقة "الباميا" ألذُّ مع رغيف بائتٍ منقوع، إذ ينازعني على الماعون صغيري ذو شعرٍ منفوشٍ وحاجبٍ أيمنٍ مرفوع، فيدخلُ كلانا في صراع تغميسٍ وتلويصٍ هو عند ربة بيتنا مُقزِّزٌ ممنوع.
تحية لأنفاس كل عربي من خليجٍ متنعمٍ الى محيطٍ مُقفرٍ قنوع، وكلِّ عربيٍّ مغتربٍ مفجوع، بظلم حاكمٍ جربوع، كلِّهم أجمعين، مؤمنهم وفاسقهم - نعم فاسقهم الضاحك دوماً بين الجموع! فلربما صباح غدٍ ينقلب المؤمنُ ضاحكاً، والضاحكُ مؤمناً بالتسبيحِ منقوع. وتحية لألحان صحاري العروبة- نعم فإنّ لصحارى العُرب تردّدٌ تحت الصوتي غير مسموع، لا يسمعه إلّا عربيٌّ أصيل، غيرُ مهجنٍ وغيرُ لافٍ نزيل موضوع.
نتمنى على كلِّ ذي قلمٍ غيور، وفكرٍ جسور، وجذرٍ بالعروبةِ فخور الألتفات والمرور، لصد غزوٍ غربيّ فكريٍّ جامح مسعور، لقتلِ كل إرثٍ عربي عزيز طهور، تحت ذريعةٍ مسمومة:
" كفى إجتراراً وتغنٍ بأمجاد ماضٍ مقبور، وإنطلق لعملٍ مثمرٍ عامرٍ معمور"! وَيْ خَيّو! وشو يمنع إنّو نحنا نفعل التنتين سوا سوا؟ وليش ما بتخلّي كلامك تشخيصاً ودوا:
" كفى صمتاً عن الظلمِ والجور، وإنطلق من إرث ماضيك لبناء حُلمك ببهجة وحبور"؟ ليش! لأنه أنت يا ذا قلمٍ "خفيفَ الوجدِ " وإذ تقطنُ أرضنا أو تستوطنُ "باريسَ" أو قابع في شقة في برلين، ونراك تقذفنا كل ساعة بمقالات ذمٍّ للأصالة (ولا أقول القومية) والانفتاح على "العولمة" رغم ان صانعي "العولمة" هم أكثر الناس اعتزازاً بقومياتهم، مع انها قوميات خاوية بئيسة. انت ومَن هم على شاكلتك من حكام ومن (مفكرين) خدّجٍ سذّج في حاضناتِ الفكر الغربي، أنتم الذين نثرتم بذور "البطالة" في أرضنا، ثمّ أراكم تُبَرّرونَ- بمكرٍ مُبَيَّتٍ- تخلفنا بسبب إجترار الماضي. وماذا عسانا أن نجترَّ غير ماضينا، وقد مَحَوتم حاضرنا محواً جليّاً، فقتلتمونا بتكميمكم أفواهنا، وبدهاءٍ دمّرتم في أنفسنا نفخة ماضينا، لفحة حاضرنا، ونفحة مستقبلنا، وذلك هو بعينه عنوان مسرحية:
[القتلُ على نارٍ هادئة]
0 تعليقات