العقيد الركن عمر خلف حسن العكاب الجبوري
لقد كانت هناك دروس كثيرة وكبيرة تستحق التنظير والدراسة ويمكن ان نجملها بما يلي
1. كان لانتخاب ميدان المعركة امر مهم وحيوي حيث وصل المشركين ميدان المعركة قبل المسلمين ، ورغم ذلك كان انتخاب معسكر المسلمين في غاية الدقة لابل المثالية في ذلك وتم في نفس الوقت انتخاب طرق تقربية مكنت جيش المسلمين من الوصول الى ذلك المعسكر من دون ان يتعرضوا الى اي تهديد من قبل جيش المشركين ،فقد سلك رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق تقربي كما اشار اليه ابا خيثمة عندما طلب رسول الله ان يخرج احدا بالجيش الى طريق لايمر بالمشركين لكون معسكرهم اصبح بين المدينة وجبل احد،وفعلا تم سلوك طريق يمر بحرة بني حارثة وبساتينهم وهو طريق قريب وغير مكشوف حيث الاستفادة من طبيعة الارض والبساتين التي من خلالها استطاع ان يخفي تحركات جيشه ،وهذا بحد ذاته قرار صائب وذو بعد وسبق نظر سليم لايمكن اتخاذه الا من قبل قيادة تمتلك عقلية فذة ذات مهارة عالية، وكيف لا وان قائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2. بعد وصول جيش المسلمين معسكره الذي اتخذه بعدما احتل المشركين معسكرهم، ورغم ذلك ايضا كان توزيع المسؤوليات لجيش المسلمين امر في غاية الاهمية ، حيث تم انتخاب معسكر جيش المسلمين بعناية ومهارة حيث تم استناد ظهر المعسكر وجناحه الايمن على افضل مانع طبيعي ضمن المنطقة وهو جبل احد وبقيت ثغرة الجناح الغربي ليتم سدها من خلال وضع قوة من الرماة الماهرين تقدر بخمسون راميا، وأمَّر عليهم آمرا وهو عبد الله بن جبيرلتفرز لذلك الواجب وتتمركز على جبل عيين والذي سمي بعدها بجبل الرماة، واصدر لهم الاوامر بعدم ترك اماكنهم مهما كانت الاسباب الا باوامر جديدة من قيادة الجيش ، وكذلك قسم الجيش الى ثلاث كتائب كتيبة المهاجرين وكتيبة الأوس من الانصار وكتيبة الخزرج من الانصار،وأمَّر على كل منها آمر ، وجعل على الميمنة المنذر بن عمر وعلى الميسرة الزبير بن العوام يسانده المقداد بن الاسود ووكّل الى الزبير مهمة الصمود امم فرسان خالد بن الوليد، ورتب جيشه صفوفا للقتال وجعل في مقدمة الصفوف نخبة ممتازة من شجعان المسلمين ورجالاتهم المشهورين بالبسالة والنجدة.
وبهذه الخطة الحكيمة تم توزيع القوات والاماكن والمسؤوليات والواجبات من خلالها ، والتي اجبرت من خلالها جيش المشركين على القتال جبهويا وحرمته من اي مناورة ناجحة سواء مناورة من خلالها يتم ضرب الجناح أو الاحاطة بالجيش الاسلامي ،لكونه كما اسلفنا استند موضعه الى مانع طبيع وهو جبل احد من الجناح الايمن والخلف وجبل عيين والذي تم اشغاله من قبل الرماة والكائن على الجناح الايسر للمعسكر ، حتى ان المشركين حاولوا اكثر من مرة الالتفاف بقيادة خالد بن الوليد ولكنها في كل مرة يكتب لها الفشل لتواجد قوة كافية من الرماة على جبل عيين تمنعهم من القيام بذلك ،مما اضطرهم على القبول بالهجوم الجبهوي بمناطق ضيقةوالذي لم يعطِ ميزة للمشركين لكثرة أعدادهم او الاستفادة من فرسانهم التي تمتلك قابلية حركة لعمل مناورة على الاجنحة ،وهكذا تم اجبارالمشركين على اتخاذ موقف بغير صالحهم ، وهذا فن من فنون الحرب بحيث ان تجبر عدوك على اتخاذ موقف أوتجبره على اتخاذ قرار في غير صالحه وهذا الذي حصل في بداية المعركة.
3. ان القائد الناجح هوالذي لديه سبق نظر للامور، وهو الذي يتصور مجريات المعركة قبل حدوثها ،ولايمكن ان يحدث هذا الا عندما يكون القائد ماهرا ويتقن فنون القتال ومتطلبات الاعداد للحرب، وان يفكر بشكل منطقي ماهي مجريات الاحداث المتوقعة من خلال دراسة الموقف والخطط والاساليب المتبعة من وجهة نظر العدو، بحيث يعرف ماذا يفكر العدو لانجاح مهمته ، ومن خلال ذلك يتم الاعداد لمواجهتها ، وهذه اعلى درجات سبق النظر لاتخاذ الخطط الكافية لمواجهته بحيث لا نتفاجئ من اي اسلوب قتالي يقوم به العدو، لكون تم اكمال كافة الاستعدادات لمعالجة خططه التي توقعنا ان تسير الاحداث بموجبها، وهذاالذي حصل في ميدان المعركة فرسول اللله صلى الله عليه وسلم كان يتوقع محاولة قيام العدو بمهاجمة الجناح الايسر ولهذا كانت الاوامر واضحة لقوة الرماة التي تم وضعها على جبل عيين بان لايتركوا اماكنهم وان العدو سيستهدف ذلك الجناح لما له اهمية كبيرة في حسم المعركة. فسبق النظر وتصور مجرى الاحداث واتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة الامور قبل حدوثها كانت حاضرة في التخطيط من قبل قيادة الجيش الاسلامي متمثلة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم القائد وصاحب النظرة الاستراتيجية لما يجري من احداث...
#يتبع...
0 تعليقات