ملامحه تدل على انه جاوز التسعين من عمره، لشدة ملامحه القاسية التي فعل بها الزمن مافعل واخذت شقوق التعب تعبث بجسده النحيل ،الا ان الواقع انه قد تجاوز السبعين.. فأكبر اولاده تعدى الثلاثين بقليل،حل هذا النزيل ضيفا على احدى ردهات المشفى وعلى احدى اسرة المرضى بعد ان ودعت امراة قبله المشفى بيوم راحلة الى عالم آخر عشنا معها لحظات وداع قاسية، تجمهر الاهل والاولاد والاحفاد حوله والألم يعتصرهم قبل أن يعتصره ،أصيب بمرض عضال نال منه مانال، ولشدة حبهم له رفضوا ان يكون علاجه تلك الجرع الكيمياوية التي تنخر الروح قبل الجسد كوحش كاسر لتنال منه ماتنال، أقسموا جميعا ان لا يدعوا ذلك الوحش ان يقتات أجمل الملامح ليزيل الشعر ويغير اللون وينهك الجسد ، لكن المرض استفحل في رئتيه المتهالكة ولم يعد بامكانه التنفس الا بعد معاناة مع جهاز الاوكسجين وجهود الأطباء والممرضين،وبالكاد أن يسحب أنفاسه التي أسمع أنينها في أذنيَّ الى الآن، مرت الليلة الاولى على وتيرة من الخوف والهلع والوجع ، وبين دعاء وعويل زعلى مضض انتقلنا الى الليلة الثانية التي كانت أشد ايلاما من سابقتها ،اذ وصل بهم الحال الى الدعاء له بالموت من قساوة المشهد في أقصى صور الوجع؟؟ كيف لنا ان نبتهل الى الله لمن نحب بالموت؟؟ وأنا اتابع معهم على وجل من هول الموقف وقساوته، اراه يدعو لنفسه بالرحمة تارة وتارة أخرى يعاتب الله على ماهو عليه ، وبين هذا وذاك قضينا تلك الليلة وبين ارتفاع الوجع وشدته أجدني أصبرهم في كل ذلك وقد تناسيت ما أنا فيه وأحدثهم بأن القادم افضل ، بدأ الصباح يلقي بأشعته الذهبية على أجساد المرضى قبل ردهات المشفى معلنا عن يوم جديد يملؤه التفاؤل والأمل، آخر ماقلته له قبل مغادرتي ذلك المكان: أراك اليوم بأفضل حال؟؟ ألم أقل لك أن القادم أفضل ؟؟ثم تابعت ممازحة له: عد الى سابق عهدك وسنقوم جميعا بايجاد عروسا لك إن قبلت الحجية؟؟ ثم أجابت قائلة: سأقبل إن عادت صحته كسابق عهدها.. لكنه بادرني بقوله: أم فلان لم تقصر معي في شيء فهي معي على الحلوة والمرة هيهات هيهات أن أضايقها..ضحكنا جميعا بعد أن تحول الألم الى فرحة تكاد تحتل المكان..ودعتهم ثم عدت أدراجي الى منزلي مع مريضي الذي بدأ يتماثل للشفاء ، في اليوم الثاني وأنا أمسك جوالي كعادتي أتصفح الاخبارعلى مواقع التواصل أقرأ خبر..
انتقل الى رحمة الله تعالى فلان الفلاني..
انتقل الى رحمة الله تعالى فلان الفلاني..
0 تعليقات