خيرالله خيرالله
باستثناء الرغبة في المحافظة على النظام والسيطرة على الساحل السوري، ماذا تريد موسكو في المدى الطويل؟ هذا السؤال فات بشّار الأسد الذي لا يدرك أن الدبّ الروسي ليس ضيفا خفيف الظلّ.
سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة
من المفارقات المضحكة المبكية في الوقت ذاته أن يتحدث بشار الأسد، من زاوية ضيقّة إلى أبعد حدود، إلى وسائل إعلام روسية عن مراحل ومحطّات مرّت فيها الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، وهي حرب تدخل بعد أقل من ستة أشهر سنتها العاشرة، نعم العاشرة.
اختار الكلام إلى وسائل الإعلام الروسية في الذكرى السنويّة الخامسة للتدخل الروسي، الذي كان، عمليا، مشاركة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري.
تطرّق بشّار الأسد إلى “نقاط تحوّل”. تجاهل كلّيا نقطة التحوّل الأهمّ التي تتمثّل في أن سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة وأن السبب الرئيس لذلك هو النظام نفسه الذي لم يستطع تطوير نفسه كي يصبح مقبولا من السوريين.
قال رئيس النظام السوري بالحرف الواحد “مضت حتى الآن عشر سنوات تقريباً منذ بداية الحرب، ولذلك فإن هناك العديد من نقاط التحوّل التي يمكنني ذكرها، وليس نقطة واحدة. كانت نقطة التحوّل الأولى في العام 2013، عندما بدأنا بتحرير العديد من المناطق، خصوصاً في وسط سوريا، من جبهة النصرة. ثم في عام 2014، نقطة التحول كانت في الاتجاه الآخر، عندما ظهر داعش فجأة، وبدعم أميركي، واحتل جزءاً مهماً جداً من سوريا والعراق في الوقت نفسه. وهنا بدأ الإرهابيون باحتلال مناطق أخرى، لأن داعش تمكن من تشتيت انتباه الجيش السوري عن تحقيق مهمته في تحرير الجزء الغربي من سوريا”.
وأضاف “نقطة التحوّل الأخرى كانت عندما جاء الروس إلى سوريا عام 2015، وبدأنا معاً بتحرير العديد من المناطق، في تلك المرحلة بعد قدوم الروس لدعم الجيش السوري، تمثلت نقطة التحوّل في تحرير الجزء الشرقي من حلب. وهنا بدأ تحرير مناطق أخرى من سوريا ابتداء من هذه النقطة. وقد كان ذلك مهماً بالنظر إلى أهمية حلب، ولأن تلك كانت بداية التحرير واسع النطاق الذي استمر لاحقاً وصولاً إلى دمشق، وإلى باقي مناطق حلب مؤخراً، ومن ثم مناطق أخرى في الجزء الشرقي من سوريا وفي الجزء الجنوبي. إذاً، كانت هذه نقاط التحوّل الرئيسية، وإذا جمعتها معاً فستجد أن جميعها نقاط تحول استراتيجية، وجميعها غيرت مسار هذه الحرب”.
كان يمكن إدراج مثل هذا الكلام في سياق حملة دعاية للنظام والترويج له، لولا أن سوريا بعد عشر سنوات من الحرب الداخلية التي أسّس لها النظام صارت تحت خمسة احتلالات، هناك الاحتلال الإيراني والاحتلال التركي والاحتلال الروسي والاحتلال الأميركي… والاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ حزيران – يونيو من العام 1967.
ليس أسهل من أن ينكر بشّار الأسد ذلك ويتوقف عند محطة 2013. ماذا حصل عمليا في تلك المحطّة التي يسمّيها بشّار “نقطة تحوّل”؟ كلّ ما في الأمر أن النظام استخدم السلاح الكيميائي في حربه على شعبه، خصوصا في غوطة دمشق.
سوريا بعد عشر سنوات من الحرب الداخلية التي أسّس لها النظام صارت تحت خمسة احتلالات، هناك الاحتلال الإيراني والاحتلال التركي والاحتلال الروسي والاحتلال الأميركي… والاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ حزيران 1967
نسي رئيس النظام أن ما مهّد لذلك كان التدخل الإيراني المباشر وغير المباشر، أي عن طريق ميليشيات مذهبية تابعة لإيران مثل “حزب الله” من أجل إبقاء النظام في دمشق. لم يكن النظام قادرا، بعد التدخّل الإيراني، على استخدام السلاح الكيميائي لولا وجود إدارة أميركية على رأسها باراك أوباما تراجعت عن تعهداتها بالنسبة إلى السوريين. كان همّ تلك الإدارة محصورا باسترضاء إيران ولا شيء آخر غير ذلك. لم يكن وقف الحرب على الشعب السوري يهمّها ما دامت المفاوضات السرّية مع إيران في شأن ملفّها النووي دائرة في سلطنة عُمان. انتهى الأمر بتناسي باراك أوباما أنّه كان رسم “خطا أحمر” لبشّار الأسد. استخدم رئيس النظام السلاح الكيميائي وصار أوباما يرى كلّ الألوان باستثناء الأحمر!
بالنسبة إلى محطة “داعش”، يعتقد بشّار الأسد أن في استطاعته الضحك على الناس بسهولة، على طريقة ضحكه عليهم عندما ادّعى نظامه أن لا علاقة له باغتيال رفيق الحريري في العام 2005. من أوجد “داعش” هو النظام السوري. فعل ذلك عن طريق إطلاق متطرفين إسلاميين كانوا في سجونه فجأة… والادعاء بعد ذلك أنّه في حرب مع الإرهاب، في حين أنّه في حرب مع الشعب السوري.
بالنسبة إلى المحطة الثالثة، أي نقطة التحوّل الثالثة، التي يركّز عليها بشّار وهي الدخول الروسي المباشر على خط الحرب السورية في خريف العام 2015، فإنّ كل ما يمكن قوله إن روسيا حققت حلما قديما. يتمثّل هذا الحلم في إيجاد موطئ قدم دائم في المياه الدافئة، أي في المتوسط.
باستثناء الرغبة في المحافظة على النظام والسيطرة على الساحل السوري، ماذا تريد موسكو في المدى الطويل؟ هذا السؤال فات بشّار الأسد الذي لا يدرك أن الدبّ الروسي ليس ضيفا خفيف الظلّ، بل لديه حساباته التي قد لا تتلاءم مع حسابات النظام الأقلّوي الذي يظنّ أن روسيا لا يمكن أن تتخلّى عنه يوما.
في الحصيلة، أن المأزق الروسي في سوريا يتعمّق يوما بعد يوم، خصوصا أنّه لم يجد من يدخل مع موسكو، خصوصا في واشنطن، في مساومات على رأس بشّار الأسد. هناك رأي أميركي ثابت يقول: أين المشكلة عندما تغرق روسيا أكثر فأكثر في الوحول السورية؟
لا تبدو أميركا مستعجلة على شيء في سوريا ما دامت وضعت يدها على القسم الأكبر من النفط والغاز السوريين وما دامت تركيا التي دخلت في تفاهمات مع روسيا وأميركا، في آن، تعمل بهدوء على البقاء، إلى ما لانهاية، في مناطق معيّنة من الشمال السوري.
لو كان بشّار الأسد يستطيع أن يكون صادقا مع نفسه، لكان نظر إلى الوضع السوري بطريقة مختلفة. النجاح الوحيد في سوريا حاليا، هو نجاح إسرائيلي. صار احتلال الجولان أمرا واقعا. الأهمّ من ذلك كلّه، أن إسرائيل راغبة في تفتيت سوريا. وهذا ما يحصل بالفعل. أهمّ من ينفّذ لها مآربها هو النظام السوري الذي قام في العام 1970 والذي أسّس عمليا لقيامه سقوط الجولان في يد الاحتلال في العام 1967، أيّام كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع.
تحدّث بشّار الأسد إلى وسائل الإعلام الروسية. كلامه لا علاقة له لا بالحقيقة ولا بالواقع. سوريا تهترئ وتنهار من داخل. المحطّة، أو “نقطة التحوّل”، الحقيقية التي فاتته لم تتحقّق بعد. “نقطة التحوّل” المقبلة أن شعبا تحكمه أقلّية باسم حزب البعث أحيانا والشعارات الطنانة في أحيان أخرى لا يمكن إلّا أن يستعيد ما فقده منذ نصف قرن. ما فقده هو بعض من كرامة. وهذا ما يبحث عنه الشعب السوري منذ عشر سنوات.
0 تعليقات