نواف شاذل طاقة
يعيد إلى الاذهان قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب بسحب العديد من قواته من العراق، والتلويح بغلق سفارته في بغداد، قرارات ذات طبيعة مشابهة اتخذها الرئيس الامريكي الاسبق جورج دبليو بوش عندما قرر سحب قواته من العراق سنة 2008، ومن بعده قرار الرئيس السابق باراك اوباما بسحب آخر جندي امريكي من العراق مطلع سنة 2012. لقد أعلن اوباما في حينه من دون اية مواربة انه لا يريد بقاء قواته في العراق يوما اضافيا، وتفاصيل قرار اوباما في حينه معروفة. إلى ذلك، يرى جون بولتون، المستشار السابق للرئيس دونالد ترامب لشؤون الأمن القومي، في كتابه الذي صدر مؤخرا في الولايات المتحدة تحت عنوان “الغرفة التي وقع فيها الحدث”، أن الرئيس ترامب لم يحاول اخفاء رغبته بالانسحاب ليس من العراق فحسب، بل من المنطقة برمتها، والابتعاد عن دائرة “الحروب الرهيبة في منطقة الشرق الاوسط”، على حد وصفه. يلفت بولتون في كتابه المذكور إلى أن مستشاري الرئيس الامريكي كانوا منقسمين حيال طول فترة التواجد الامريكي في المنطقة، غير أن ترامب، والكلام دائما على لسان بولتون، لم يرغب ببقاء قواته في المنطقة إطلاقا، اذ ينقل عن رئيسه قوله في الصفحة 198: “لا أفهم لماذا نقاتل داعش في سوريا. لماذا لا تفعل روسيا وايران ذلك؟ لقد مارستُ هذه اللعبة لمدة طويلة جداً. لماذا نقاتل داعش نيابة عن روسيا وايران، والعراق، الذي تسيطر عليه إيران؟ “. لقد توصل الرئيس ترامب، حسب بولتون، الى قناعة مفادها بأن بلاده “تحارب تنظيم داعش نيابة عن دول هي في حقيقتها عدوّة للولايات المتحدة”. إلى ذلك، يروي بولتون في صفحات كتابه تفاصيل اجتماعات عاصفة عقدت في واشنطن بحضور ترامب وكبار مساعديه، انتهت باستقالة بعضهم، كما في حالة وزير الدفاع السابق ماتيس، بعدما طالبهم الرئيس ترامب بتحديد موعد مبكر لإعلان انسحاب القوات الامريكية من افغانستان. حاول كل من وزير الدفاع، وبولتون، وحتى بومبيو، تقديم المبررات التي تحول دون الانسحاب المبكر، لكن ترامب كان يواجه الجميع باعتراضات غاضبة متسائلا دائما “ما الذي نفعله هناك”، ولماذا تنفق الولايات المتحدة مليارات الدولارات خارج حدودها من دون مقابل. يضيف بولتون بأن ترامب كان في معظم الجلسات يبحث عن الذرائع لسحب قواته من المنطقة، بما في ذلك العراق، وحتى الانسحاب من كردستان العراق، قائلا في الصفحة 40 من كتابه: “أنا لا أحب الأكراد… إنهم يفرّون أمام العراقيين، ويفرّون أمام الأتراك، والحالة الوحيدة التي لا يفرّون فيها هي عندما نقصف ما حولهم بطائراتنا المقاتلة.” خلاصة الموقف الامريكي، حسب ما يعرضه بولتون في الصفحة 168 من الكتاب، هي ان ترامب لم يؤمن بان “الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين” يشنون حربًا تستهدف الولايات المتحدة. لهذا السبب، عارض ترامب التورط بما كان يصفه “حروب لا نهاية لها” في ذلك الجزء من العالم، وينقل عن ترامب انه كان غالبا ما يصرخ قائلا إن منطقة الشرق الأوسط بعيدة، “تبعد عنا آلاف الاميال”. لكن بولتون رأى في كتابه ان الرئيس ترامب لم يمتلك خطة متماسكة لما يتعين فعله بعد انسحاب القوات الامريكية من المنطقة، معتبرا ان انسحاب القوات الامريكية يعني من الناحية الفعلية التخلي عن حلفاء إقليميين. الخلاصة هي أن فشل المغامرة الامريكية في العراق عام 2003 دفع الزعماء الامريكان الثلاثة الذين حكموا البيت الابيض منذ ذلك التاريخ على الاجماع على ضرورة الانسحاب من العراق وتركه للمجهول!
0 تعليقات