الكاتب والباحث السياسي
أنمار نزار الدروبي
منذ طفولتنا تربينا على أن الإسرائيليين قد اغتصبوا الأراضي الفلسطينية، ومن ثم تربينا ونحن نهتف فلسطين عربية فلتسقط الصهيونية، وأصبحت قضية المقاومة الفلسطينية عقيدة راسخة لدى كل أبناء الشعب العربي. بل أن المقاومة بمعناها العام، هي الخيار الاستراتيجي ضد أي استعمار أجنبي، وأن الشعوب والأحزاب والمنظمات في العالم تفتخر بمقاومة الاحتلال، لأنها حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر. بيد إن التاريخ النضالي للشعوب يعلمنا أنه لا يمكن لأي إنسان يعتز بإنسانيته ويحب عائلته وبيته وقريته وأرضه أن يصمت إزاء الاستعمار، وبهذا فإن كل احتلال يؤدي إلى المقاومة وكلما ازدادت وحشية الاحتلال كلما ازدادت المقاومة شدة واتساع.
فهل كانت حركات المقاومة في العالم جميعها ذات طابع ديني، وتحديدا هل كل حركات المقاومة في الدول العربية هي (مقاومة إسلامية) بمعنى أنها تستمد شرعيتها من الدين نفسه؟
وهل كانت ثروة الحجارة، ثورة إسلامية؟
وعلى سبيل المثال لا الحصر: هل أن الشعوب الاوروبية التي شكلت حركات مقاومة لطرد الاحتلال الالماني النازي أيام هتلر وتشكلت منظمات المقاومة في جميع البلدان الاوروبية المحتلة، كانت من الأصولية المسيحية، أي من الجماعات الدينية المسيحية؟
إذن لماذا تقاومون باسم الإسلام فتجعلون أعداء الإسلام يلصقون التهم بهذا الدين العظيم؟
بلا شك هذا تخبط وخلط للأوراق، لكن في الجانب الآخر هناك موروث عظيم يرفض هذا الهوس الفكري الى مستوى تحدي قواعد اللعبة ويفتح لنا ثغرة في جدار الجمود المادي، بالتحديد نتحدث هنا عن النبوّة، وبشكل خاص أعني الأنبياء الثوّار الذين أحدثوا تغيّرا في الواقع الإنساني ابتداء من السلطان العظيم آدم مرورا بنوح الذي صنع سفينة البقاء الى إبراهيم الذي هشّم أصنام النمرود ثمّ موسى في عصاه التي ابتلعت أفعى الطغيان وشقت البحر الأحمر ومرورا بمملكة داوود وسليمان حتى المسيح عيسى بن مريم الذي محق العجل الذي عكفت عليه اليهود ومهّد الطريق لثورة النبيّ الأمي المهدي محمد بن عبد الله في جزيرة العرب.
إذن وبنظرة مبسطة سنرى كل الأنبياء كانوا يسخطون على واقعهم ويدعون الى تغيره وجلهم كان عالما مصلحا، والبعض منهم كانوا زعماء لحركات إصلاحية وثوريّة وتشكلت أحزابا من خلال دعوتهم وخاضوا حروبا وأسسوا دول وأنظمة، فكان موسى نبيّا وقائدا لبني إسرائيل وكان داوود نبيّ محارب ورجل دولة، وكذلك سليمان في مملكته وإنجازاته العمرانية وحكمته السياسية، والنبيّ العربي مُحمد الذي قلب كيان جزيرة العرب وأسس لنظام دولة عظمى امتدت حدودها من جنوب فرنسا غربا الى الصين شرقا. جدليّا أحاول قطع الطريق على استغلال الطبقة الدينية الكهنوتية المتطفلة على استغفال عقول البشر، وللعلم تعتبر هذه الطبقة من ألد أعداء الأنبياء ولا تتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم حفاظا على مصالحها ومكتسباتها من الدين.
بالعودة الى الهويّة التي تجسّد وجودنا وكياننا الإنساني فقد لاحظنا أن أكثر الذين قاوموا الاحتلال واستشهدوا في سبيل الله كانوا أناسا غير متدينين وبعضهم كان ممن يجترح المخالفات الشرعية؟ وهذا لا يُستغرب أبدا لأن الله في قلب هؤلاء لا يتقيد بجدران المسجد أو عمامة ولحية رجل الدين الطقوسي. الله في ذات الانسان المضحي بحياته من أجله هو الحياة كلها، وهو الكيان العظيم الذي تتلاشى قيمة الروح أمام عظمته، وهو الشرف والأخلاق التي تجسّد ذاته الإنسانية.
وبالتالي فإطلاق مفهوم (المقاومة الإسلامية) يصلح لتفسير كل أنواع الاشتباك مع المحيط الوطني والمحيط الإقليمي والدولي. وهنا تبرز أهميّة تشكيل أحزاب دينيّة طائفية في مجتمعات متعايشة ومنسجمة تاريخيّا لا يتجاوز انتمائها الديني حدود التشريع المدني وطقوس المناسك والعبادات. عند هذه المسألة يكمن الخبث الاستعماري، عند حشر العقائد الدينية في أيديولوجية حزبية ستحمل معها قدسيتها الراسخة في عقول المؤمنين، تلك القدسيّة لا تسمح بالنقاش أو النقد ولا تقبل أي إضافة أو اجتهاد على حساب ثوابت الدين، باختصار هي منغلقة على نفسها ولا تنسجم مع فكر الآخر إلا من باب النفاق والتقيّة. الأخطر في إقحام الدين أيديولوجيا بالسياسة هو أنه سينزع قدسيّة التعايش الاجتماعي فيسحق كل من يعارض أفكاره ومعتقداته الحزبية بفرض قدسيتها الدينيّة التي لا تقبل الشراكة.
وأخيرا أن تحرير الوطن يعني خروج المستعمر منه، والحصول على الاستقلال، ليس بجهد جماعات بعينها ولكن بكفاح الشعوب، هذا فيما إذا كان هناك احتلال أصلا.
عضو الهيئة الاستشارية في مركز صقر للدراسات الاستراتيجية...أبو ظبي
0 تعليقات