خالد محفوظ
التنافس بين السياسة والأقتصاد هو في اساسه تنافس بين السلطة والسياسة ، ليس من الصعب أن نستنتج أن تهديد الثورة يحفز الأغنياء نحو اتباع الديمقراطية باستمرار، وتتوافق هذه النظرية مع طروحات اكاديمية حديثة في اكثر من جامعة أورپية ، تشير إلى أن الحكومة في بلد ما قد تستجيب للمواطنين أو لا بناءً على العائد الذي تتحصل عليه منهم ، في الوقت الذي يتاح فيه للمواطنين بالخروج من البلد (الهجرة إلى بلدان أخرى) أو بالبقاء فيه وموالاة الحكومة ولهم الحق في ابداء مخاوفهم عن طريق الاحتجاج السلمي ، هذا بحد ذاته يعتبر احتواء سياسي للأبعاد الأقتصادية التي تكون المسبب الأساسي للكثير من القلاقل .
بالنظر إلى العوامل المؤدية إلى الأنظمة الديمقراطية مقارنة بالنظم الديكتاتورية، فإن البحث عن سبب فشل الأمم يبين لنا كيف تؤدي المؤسسات السياسية الشاملة إلى نمو اقتصادي فعّال. ونوقشت هذه الفرضية في السابق بنحوٍ رسمي في كثير من المنتديات والتجمعات عالية المستوى والتي عادة مايكون ضيوفها من كبار الساسة على مستوى العالم .
تحدد المؤسسات السياسية (مثل الدستور) التوزيع القانوني للسلطة السياسية، في حين أن توزيع الموارد الاقتصادية يحدد التوزيع الفعلي للسلطة السياسية، ويؤثر توزيع السلطة السياسية -بحكم القانون- على المؤسسات الاقتصادية في كيفية تنفيذ الإنتاج، فضلاً عن كيفية تشكيل المؤسسات السياسية في المدة المقبلة، وتحدد المؤسسات الاقتصادية توزيع الموارد للمدة المقبلة أيضاً .
ولذلك فإن هذا الإطار يعتمد على عمل المؤسسات حسب المدة الزمنية، إذ إن مؤسساتنا في هذا الوقت تحدد النمو الاقتصادي وشكل المؤسسات في المستقبل .
لكن هذا ينطبق على الدول المستقرة ذات الثوابت السياسية والنظم الأقتصادية التي تعمل كالساعة السويسرية وتعطي للمسار السياسي والمنظومة الأقتصادية كل ماتحتاجه لتستمر في السير للأمام.
اذاً ماذا عن الدول غير الناجحة او بالأصح الفاشلة سياسياً واقتصادياً مثل العراق !!!
كيف يمكن لدولة ينخرها الفساد وتنهشها الطائفية وتتسلط عليها الميلشيات وتفتقد للأستقلالية السياسية ولو بحدها الأدنى وتتراجع الى الوراء بأستمرار منذ خمسة عشر عاماً ان تكون جزء من هكذا منظومة تضمن النجاح ؟
الخطوة الأولى وببساطة تحتاج الى ساسة حقيقيين يستطيعون تطويع الأقتصاد العراقي الغني بديهياً والذي نخرت الصبيانية في ادارة الدولة والفساد مفاصله فحولته الى اقتصاد عاجز اعرج لايستطيع الأيفاء بأساسيات البلد ، مما تسبب في عدم دفع رواتب الموظفين تارة وتدهور البنى التحتية تارة اخرى وهي كارثة حقيقة في دولة هي من أكبر بلدان العالم النفطية .
ان العلاقة بين النمو الأقتصادي والنجاح السياسي واضحة جداً ولاتحتاج لأمثلة فمجرد نظرة للدول المستريحة في المنطقة او بعيداً عنها ، سنجد ان هناك علاقة وطيدة بين السلطة والسياسة وزواج كاثوليكي بين الأقتصاد والسياسة بل ان الأقتصاد يهيمن على السياسة في هذا الزواج ويوجهها في الطريق الذي يحقق مصالح الدولة اي شعبها وهنا بالتحديد مربط الفرس والسوأل المرير ، ماهي مصلحة الشعب العراقي من كل الذي جرى في العقد والنصف الأخير ؟
رغم الكنوز الأقتصادية غير النفطية التي تنتشر في البلاد فأن احداً لم يفكر في فتح ابواب تطوير المجتمع من خلالها مع وجود استثناءات بسيطة مثل مول هنا ومطعم هناك وهذه المشاريع الصغيرة تبقى قطرة في بحر مايمكن ان يجنيه البلد لو ان هناك برنامج اقتصادي حقيقي .
للمرة الألف نقول وقد قالها غيرنا الكثير ، العراق يحتاج الى تغيير المنهج وليس تغيير الأشخاص وماعدا ذلك فأنه سيبقى مجرد ابار نفط يشفطها السراق ، نعم ابار نفط وليس دولة او بلد او اي شيء اخر .
لكن النافذ السياسي في العراق هو ايران وهي المستفيدة أقتصادياً من كل ماجرى لأنها استطاعت ان تخفف عن نفسها اعباء العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها سابقاً والتي سيعود بعضها قريباً من خلال الهيمنة على السوق العراقية وتحويلها الى حديقة خلفية للأقتصاد الأيراني ، هل ستسمح لبغداد بألتقاط انفاسها او على الأقل محاولة لعق جراحها العميقة ؟
طهران بعد انسحاب امريكا من الاتفاق النووي تحتاج وبشدة للعراق اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وامنياً وليس العكس كما يظن البعض ، هذا يدفعنا للقول هل هناك ارادة سياسية عراقية لخلع العباءة الايرانية ورميها بوجه اصحابها ، يبقى هذا كلاماً افتراضياً وربما حالماً او نوع من الأمنيات التي تصطدم بحقائق معاكسة كثيرة على الأرض ، لكن في عالم السياسة كل شيء ممكن .
0 تعليقات