العملات الرديئة تطرد العملات الجيدة

مشاهدات



الاستاذ الدكتور عبد الرزاق الدليمي


سألني احد الزملاء التدريسين عن مفهومي لمقولة العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة وذكرت له ان هناك (قانون كريشام ( Gresham's Law)‏، وهو قانون علمي اقتصادي مشهور كان له دوره في النظم النقدية عرف باسم قـائله السير توماس غريشام مستشار ملكة إنكلترا، وقد سبقه المؤرخ المقريزي (1364-1442م) إلى اكتشاف هذا القانون بنحو قرنٍ ونصف القرن وتحدث عنه في رسالته "إغاثة الأمة في كشف الغمة". ويتلخص هذا القانون في العبارة الشهيرة (النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق)، ذلك أنه حيث يجري تداول نوعين من النقود القانونية أحدهما رديء والآخر جيد فإن الرديء يطرد الجيد من التداول بين الناس. لاحظ جريشام في إنكلترا أنه كلما ضربت نقود جديدة لتحل محل نقودٍ قديمةٍ ، فإن النقود الجديدة لاتلبث أن تختفي من التداول، ويعود السبب إلى أنه طالما كان لنوعي النقود القوة الشرائية نفسها بحيث يكون للشخص مطلق الخيار بينهما في أداء ما عليه من ديونٍ أو التزاماتٍ نقدية فإنه يعمل على تسديدها بالعملة الرديئة محتفظاً بالعملة الجديدة لديه بعيداً عن التداول في السوق، ولايستعمل سوى العملة الرديئة في مدفوعاته، ويكون الدائن ملزماً بقبولها لأن لهما القوة الشرائية ذاتها، ولو رفض الدائنون ذلك وطلبوا العملة الجديدة لعمل القانون بشكل عكسي، بحيث تصبح العملة الجديدة هي التي تطرد العملة الرديئة).

وعندما انتهيت من الشرح سألته عن سر اهتمامه بهذه المقولة الاقتصادية بشكل مفاجئ لاسيما بعد ان تم اجباره على ترك عمله من الجامعة؟! التي طالما قدم لها سنوات طويلة من عمره وعطائه العلمي الثر ناهيك عن ان له ثقله في مجال اختصاصه ولديه ليس تميز بالبحوث بل حتى في براءات الاختراع وهذا امر تتفاخر به الجامعات في العالم ...أجابني ان هذه المقوله تعتمد الان بشكل مقلوب حيث العمله الجديدة المتواضعة تطرد العملة الثمينة القديمة كون ان بعض المؤسسات ولغايات لاعلاقة لها بالكفائة تقدم الجديد محدود الخبرة على القديم المكتنز بالخبرة واجاب نعم هذا كلام سليم ولكن من يعنيهم الامر لم يفرقوا بين الاثنين لاسيما وان الجديد رغم محدودية خبراته وتجاربه وعلمه الا انه لايكلف هذه المؤسسات رواتب كبيرة وكثير منهم (قد) لايهتم كثيرا الى حجم الراتب لان لديه مصادر اخرى للدخل والمهم لديه انه يضع في تعريفه الشخصي انه يعمل في هذا المجال وفي هذه المؤسسات باعتبار العمل فيها نوع راق من (البرستيج والمباهات الاجتماعية).وهذا ما يربط الظاهرة التي تحدثنا بمبررات وعوامل النجاح والفشل في تلك المؤسسات.

معروف ان الفشل ظاهرة تثير تحفظات أي انسان... بينما النجاح جانب محبب للناس كما ان اغلب مايعنية النجاح واضح للكثيرين في حين ان الفشل عنوان واحد يبرز من خلال مخالفة النتائج للأهداف وفي استقراء حياة المدراء الفاشلين وهي تتجلّى بوضوح في بعض المظاهر السلبية التي يعود الفشل إليها في أغلب الحالات. ومعروف أنّ النجاح لا ينشأ من المهارات والعلوم والإمكانيات المتاحة للإداريين دائماً وإنما ينشأ في كثير من الأحيان من البرمجة المدروسة والتنظيم والمتابعة المستمرة. قد يصعب على بعض المدراء تحديد أهدافهم بوضوح ودقة لذلك ينتهي بهم المطاف إلى الفشل لأنّ تشوّش الفكرة وغموض الغاية يجر إلى ضياع جهود كثيرة يبذلونها في العمل على الرغم من حماسهم وتفانيهم. لذا فإنّ أول خطوة باتجاه نجاح الإدارة هو أن يعرف المدير ما هو المطلوب منه بالضبط؟ وبهذه الطريقة تصبح عنده الطرق سالكة أمامه والإدارة سهلة لأنه سيعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي؟! وبالتالي أي طريق أقرب وأسلم في الوصول إلى الغاية. إن تحديد الهدف ورسمه بشكل واضح وصريح ليس فقط يوفر النجاح للمؤسسات بل يعود على نفوس الإداريين بالحماس المتدفق والروح الوثّابة التي لا تعرف الملل ولا الفتور لأنّهم دائماً يعرفون ما ذا يريدون ويقومون بما يعتقدون به. وبهذا يغلقون الباب أمام الارتجال ويمنعون القدر من التلاعب بهم وبقراراتهم.. إنّ من الغريب حقاً أن نجد بعض المدراء يستصعبون طرح الأسئلة على أنفسهم أو على مشاركيهم لتحديد الأهداف وتشخيص الرؤية بل والأغرب من هذا نجد أنّ بعض المدراء يعد مشاورة الآخرين في الخطط والبرامج نوعاً من العجز أو الضعف والبعض الآخر يعدّه نوعاً من الغباء لذلك يتردّدون في الاستفهام عن المطلوب ويكتفون بما عندهم من أفكار وآراء وقرارات ويستغنون عن الآخرين وهذا أمر من شأنه إرجاع المؤسسة إلى الوراء وإظهار الإدارة بوجه فاشل إلا إذا كان المدير يصّر على أنه معصوم.

إذاً كيف يمكن أن يتوقع المدير أن يعرف الآخرون أهدافه ويتعاونون معه في تحقيقها في حين هو نفسه يجهلها أو يجهل حدودها وعليه فانّ المدير الناجح ليس الذي ينكفئ على نفسه وينطوي في قراراته وأفكاره بل هو الذي ينفتح على الآخرين ويبادلهم الرؤى والأفكار ويشاركهم في اتخاذ القرارات فإنّ في طرح الأسئلة على الآخرين وخوض المحاورات معهم يكشف له الطريقة الأنسب لتأدية الأعمال فضلاً عن بلورة الرؤية في الهدف المطلوب. كما ان بعض المدراء يقومون بأعمال كثيرة ويشغلون أيامهم ليلاً ونهاراً في العمل الدائم الدؤوب ولكن لا يحصدون منها النتائج المطلوبة بل على الرغم من تحمّل المشاق الكثيرة يشعرون بأنّ العاملين معهم يصابون بتراجع وفتور في الحماس والاندفاع.

إرسال تعليق

0 تعليقات