عدلي صادق
حزبيو وأصوليو الدين، أظهروا حيال الفنون، بغضاء لا تخفى، وبالكاد تحملوا بعض الأناشيد وبعض الشعر، وأهملوا الشعراء القامات من شعوبهم!
أم كلثوم غنت من أشعار شيوخ أزهريين
يصعب على الأصولي المُتحزب، أن يُظهر شيئا من الود أو استعداده لأن يتقبل فنون الغناء المصحوب حتما بالموسيقى، ولا حتى القصائد الرصينة، التي وضع الفنانون ألحانها، على النحو الإبداعي الذي يُطابق بين الكلام وإيقاعات العزف!
انقرض الزمن الذي كان فيه الفقهاء الأفذاذ، حفظة القرآن الكريم، لا يتحرجون من الاستمتاع بالموسيقى، ويبادر بعضهم إلى َنظُمُ الشعر، أو إلى العزف على آلة العود، فينثر على مسرح الحياة حبورا مع تجليات اعتزاز عال، بثقافة أمته وفنونها!
حزبيو وأصوليو الدين، أظهروا حيال الفنون، بغضاء لا تخفى، وبالكاد تحملوا بعض الأناشيد وبعض الشعر، وأهملوا الشعراء القامات من شعوبهم!
في الحث على الجفاء، لم تكن مشكلتهم مع الفنون، وإنما مع المجتمع والناس. فقد ضللوا أجيالا من الناشئة، حتى عاش ومات الملايين، دون أن يتذوقوا طوال حياتهم قصيدة تُغنى، مشفوعة بلحن يحاكي أبياتها. ذلك لأن هؤلاء، رأوا في الفنون التي هي ـ مع الدين ـ أقدم تعبيرات الإنسان عن وعيه الاجتماعي؛ نوعا من خفة الإيمان وضحالة الورع. استبدلوا الجمود والتجهم، بالفرح والتفاؤل ومساحات التأمل والتفاعل الإنساني. وطرحوا مسألة الدين، باعتبارها قضية صراع أفقي بين الناس والناس، وصراع عمودي بين من يزعمون أنهم مفوضون بالحكم من رب العالمين، والسلطة الزمنية التي لها مزاعم تفويض مضاد!
هذا المنحى القاتم، الذي يجافي الطبائع الإنسانية، ويقيد الذائقة أو يسجنها بين جدران سوداء صمّاء، ليس إلا بدعة مستحدثة، لم يعرفها الفقهاء الراشدون الأولون، ولا المجددون المصلحون، ولا حتى ـ في بلادنا ـ مؤسس مشروع “الإخوان” الذي لم يكن فقيها وإنما محض معلم مدرسة ابتدائية. فالمؤسس الحقيقي لصاحب مشروع الصراع الأفقي مع الصراع العمودي، هو سيد قطب، الذي لم يتلق تعليما شرعيا، لكنه جرّب العديد من أصناف الكتابة دون أن يتميز في واحد منها، ثم اهتدى إلى فكرة التنميط الصارم لفكرة الإيمان ولطموحات المؤمن، لكي ينشأ الصراع بين جماعة تقتنع به، وأخرى مدعوة إلى الاقتناع تحت طائلة التكفير والتخوين.
تلك هي المنهجية المعتمدة في المحافل الماسونية، أي أن يكون هناك صفوة، يمثلها أناس مترفون، بلغوا منازل السمو الاجتماعي، وآخرون دهماء. وكان “سيّد” المحرر الصحافي الرئيس، للمجلة الصادرة عن أكبرها في الوطن العربي.
الرحمة لروح الشيخ الأزهري عبدالله الشبراوي، صاحب “وحقك أنت المُنى والطلب” التي غنتها أم كلثوم في منتصف العشرينات، مع دعاء وثناء، لروح الشيخ “أبوالعلا ماضي” الذي لحن لها في ذلك الزمن “الصّبُ تفضحه عيونه” و”كم بعثنا مع النسيم سلاما”!
0 تعليقات