إيقاد نار الفتنة.. في بلد لايملك سوى الحطب ..

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


هل سيشتد التصعيد في التوتر والتأزيم بين بغداد وكردستان وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي بعد حرق مقرهم في العاصمة بغداد ورفع علم الحشد .

بعد مرور أكثر من ١٧ عشر عام  على سقوط النظام السابق  لايزال العنف والتوتر بين السنة والشيعة والأكراد يهدد استقرار العراق وديمقراطيته الهشة. فقد فشلت النخبة السياسية العراقية في تطوير نظام للحكم شامل للجميع، وتعززت الانقسامات الداخلية بسبب التداعيات، وخاصة بعد تشكيل مئات الاحزاب الدينية وتعزيز الطائفية العابرة للحدود الوطنية. وللحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم أو ظهور نظام استبدادي جديد، يحتاج العراق إلى ميثاق سياسي يقوم على المواطنين الأفراد أكثر منه على الهويات الطائفية..

بعد أكثر من ثمانين عاماً على قيام الدولة العراقية الحديثة، وتطور الحس الوطني العراقي لدى الغالبية العظمى من السكان العرب في البلاد لم تصل وتيرة الحقد بين الاكراد والعرب الى ماوصلت اليه في يومنا هذا .

أن فكرة الجماعة الوطنية المجردة لم تكن كافية لتوحيد البلاد  والتي لاتزال تفتقر إلى سرديّة وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية. إذ إن لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات وسرديّات تاريخية مختلفة حول ماهيّة العراق أو ماينبغي أن يكون عليه. كما أن فشل القيادة في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل يعزّز الانقسامات الطائفية والحدود بين الطوائف.

تاريخيا كانت الخلافات حول القضايا السياسية واللاهوتية والعقائدية هي السبب في الانقسام بين ابناء الشعب سنة وشيعة واكراد ، بيد أن التنافس على السلطة والموارد والمكانة هو الدافع وراء مظاهرها وتجلياتها الحديثة. وشيئاً فشيئاً، هيمنت فكرة التمثيل الطائفي والقومي على العلاقات السياسية بدلاً من تمثيل المواطنين، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الانقسامات القائمة بدل تخفيفها.

فالطائفية مستحكمة في القواعد والممارسات الخاصة بالعملية السياسية. 

ولكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد، فإن العراقيين بحاجة إلى إجراء مراجعة جوهريّة للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد. يجب أن يتحوّل التركيز إلى المواطنين بعيداً عن القونية والدين والطائفية  فالتغيير الحقيقي يتطلّب إجراء تعديلات كبيرة على الدستور والنظام الانتخابي العراقي إضافة إلى سنّ قوانين جديدة بشأن الأحزاب السياسية وإدارة الموارد. ويتعين أن تصبح السلطة أقل نخبوية وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس.

 اليوم ينظر إلى العراق الآن باعتباره مجتمعاً يتكون من جماعات عرقية وطائفيةوقوميات واديان متعددة ومختلفة  وهو مايجعل فكرة الهوية العراقية في موضع شك. ففي ظل الاحتلال الأميركي، الذي بدأ في العام 2003، جرى تطوير المؤسسات لإدارة الفترة الانتقالية بين النظام السابق  وبين تشكيل حكومة جديدة. غير أن محاولات تشكيل الدولة واجهت العديد من التحديات فقد برز صراع حول أي مجموعة سيكون لها النصيب الأكبر من السلطة، وأي طائفة ستكون مهيمنة، وأي سردية وطنية ستكون لها الغلبة.

العراقيون جميعا كان لهم تضحيات كبيرة وعظيمة ومن منا لم يفقد ابنا او والدا او حبيب بسبب الحروب التي شهدها الوطن على مر الازمنة ولاخواننا الكرد كان لهم نصيب كبير في هذا الفقد .

لايهم أن نذكر هنا التضحيات التاريخية للكرد من أجل الحفاظ على العلاقات الكرديةالعربية و التمسك بها في إطار الرابطة الحضارية و الدينية التي تربط الأمتين العريقتين في المنطقة. هذا أمر يعرفه المؤرخون العرب و الكرد جيداً و كذلك الأجيال الواعية المتعلمة و حتى كل عربي و كردي بسيط و منفتح، أو غير المبتلي بخداع الآيديولوجيات القوموية المتطرفة، التي لاتحسن الفعل أبداً سوى خلق الفتن بين القوميات و الأمم كآليات متهافتة و مُتلاعبة بعقول الشعوب إضفاءاً منها للشرعية على أجنداتها و ممارساتها الشوفينية المقيتة .

من المهم إدراك نقطة جوهرية أن الإشكالية الموجودة بين العرب والكرد لا تستمد جذورها من التاريخ القديم مثل باقي العداوات أو المشاكل الدامية بين الكثير من الجماعات مثل الخلاف الشيعي السني بل هي مشكلة حديثة النشأة تعود جذورها إلى نهاية الدولة العثمانية وبداية نشوء الدول القومية عن طريق تقسيم المنطقة بصورة عبثية في سبيل تشكيل دول غير مستقرة من الممكن إدخال النزاعات والصراعات فيها بشكل سهل في المستقبل في سبيل تجنب تشكيل كيان موحد يهدد وجود الاستعمار في هذه المنطقة الغنية بالثروات والاستراتيجية من الناحية السياسية.

ولكرد العراق مشكلة سياسية مؤرقة عاشت معهم على مدى السنوات الممتدة منذ ما قبل إنشاء الدولة العراقية عام 1921 حتى انهيارها على يد الاحتلال الأميركي عام 2003، هذه المشكلة يمكن وضعها تحت عنوان الصراع من أجل إقامة دولة كردية مستقلة.

تلك الصورة الرائقة التي سبق الحديث عنها على المستوى الفردي والإنساني تنقلب بنسبة مائة وثمانين درجة إذا نظرنا إليها من زاوية العلاقات الرسمية، ونعني بكلمة الرسمية هنا تلك العلاقة التي تشكلت بين الكيانات والزعامات السياسية الكردية والنظام العراقي في بغداد أيا كان .

هذه العلاقة شابها الكثير من التوترات والتقلبات وانعدام الثقة واتخذت ما تتخذه عادة أي علاقة للصراع السياسي بين طرفين يود كل منهما فرض هيمنته وسيطرته تحت غطاء من الدعوات الأيديولوجية أو القومية، والتي يؤمن كل طرف بأنها الحق المطلق. وكان من مظاهر هذا التوتر أن شنت عليهم الحكومات العراقية حملات عسكرية بدعوى المحافظة على وحدة التراب العراقي. وأما الكرد فيحاربون معتقدين أن هذا قدرهم لتحقيق حلمهم بإقامة دولة كردية.

هذه الصورة حاليا تشهد ومنذ انهيار الدولية العراقية عام 2003 تغييرا جوهريا، فأحد طرفي المعادلة سقط من الحساب، ونعني به الحكومة المركزية، وحلت محله كيانات سياسية أخرى تأسست على قاعدة طائفية ومذهبية، فتغيرت تبعا لذلك مراكز القوى، فأصبح رئيس الجمهورية كرديا ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية كرديين، وظلت قوات البشمركة المقاتلون الكرد قائمة لم يمسسها سوء، ونسبتهم في البرلمان وصلت إلى 21%، وأصبحت أربيل والسليمانية مزارا لعقد التحالفات المؤثرة في مسيرة الأوضاع السياسية العراقية.. غير أن كل هذا  لا يعني أن اللحظة التاريخية الحاسمة في مصير كرد العراق قد باتت وشيكة، فلا تزال الخيوط متداخلة ومتشابكة داخليا وإقليميا ودوليا، ولا تزال أبواب الصراع السياسي مشرعة على كل الاحتمالات. 

باختصار وعلى صعيد المستوى الفردي والإنساني كان الكرد دوما متفاعلين مع محيطهم وفاعلين ومؤثرين فيه على مختلف المجالات. فماذا عن علاقتهم مع الدولة العراقية على مستوى النخب السياسية

فالكرد تناسبوا وتزاوجوا مع غيرهم، وامتد نشاطهم الاقتصادي في كل أرجاء العراق، وهم متواجدون كذلك في كل مؤسساته العسكرية منها والمدنية، والأهم من كل ذلك أن الحضارة العراقية بل والعربية والإسلامية على امتدادها الزمني واتساعها الجغرافي تشهد لرموز كثيرة من أصول كردية بالتميز والتفرد.

وهناك  أكثر من مليوني نازح عربي ذهبوا إلى كردستان العراق وأغلبهم قرر الاستقرار هناك لأنه لم يشعر بظلم قومي أو حالات عنصرية بل شعروا بأنهم يعيشون مع أهلهم وهذا كان بسبب النظرة الإيجابية للكردي الذي لم يحاسب العرب على جرائم لم يرتكبونه بل أصبح يفكر بالأمور المشتركة وطوي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة للمضي نحو المستقبل.

نحن كعراقيين  عرب وكرد  علينا أن نعي إن السماح بل التسويق إعلامياً للتفسيرات القومية و العنصرية تجاه بعض الإحداث و مجرياتها أو بعض الظواهر النادرة الحصول هنا أو هناك، أو الحالات الفردية التي لا تعبر عن مواقف الأمم يمثل في وجه آخر من وجوهه، جوهر المخطط الذي كان يسعى اليه بعض القيادات الاحزاب العراقية.وردع كل اللذين يريدون زرع بذر الفتن بين ابناء الشعب في وطن تصان فيها حرية وكرامة المواطن وحقوق الإنسان، بعيداً عن العسف والتمييز بسبب الدين والمذهب أو القومية والمعتقد.

أذكر هذه المسلمات هنا لأشير الى خطورة إشتغال أية قوى سياسية متطرفة من القوميتين على إشتعال نار الفتنة بين القوميتين الكردية و العربية في العراق خصوصاً أن هذا الأمر مدعي للقلق أحياناً لدى الشعبين في المناطق الكردستانية الواقعة في البلدين و المناطق التي تحت سيطرة الحكومات المركزية أو نفوذ القوى السياسية  و لاجدال هنا في أن أي فتنة من هذا القبيل مرفوضة  رفضاً قاطعاً بل تشكل لدى الكرد و قادتهم السياسيين و المثقفين  و لانتصور في المقابل أي يكون ثمة عربي مسلم أو منفتح فكريا وسياسياً يشاطر الفتن و المزيد من الحروب أو يتشبث بها خصوصاً أن هذه الفتن أو غيرها بين المسلمين هي في نهاية الأمر، ليست من مصلحة أحد سوى اللذين يستهدفون تدمير الراوابط الحضارية والدينية بين الشعوب الإسلامية و الذي يمثل أساساً الغاية الضمنية لأعداء الإسلام و شعوبه و يراد ترجمتها عبر المزيد من الحروب الأهلية و الأقتتال بين الشعوب المسلمة التي ربما تختلف عن البعض نسبياً على الصعيد العرقي و الثقافي و المذهبي ولكنها متقاربة مع البعض كثيراً على مستوى الحضارة و الدين و العديد من العادات و القيم الثقافية ذات الجذور الروحية و الدينية و الإجتماعية.

 والعامل المبرر للوقوف على هذا الموضوع هو ملاحظة المرء لوصول هذا المستجد للأسف الى حد نوع من التوجه و التفَكُّر حينما نرى، من هنا أو هناك، شعارات و خطابات قوموية عنصرية تطلق من قبل بعض الأصوات العربية و الكردية التي فشلت و تفشل دائماً في قراءة مجرى الأحداث نتيجة لضيق الأفق و قصر النظر و كذلك طغيان منطق تعميم الحالات و التعتيم على الحقائق. و لامراء من أن خطب هذه الأصوات الشاذة و توجهاتهم السياسية المتطرفة والتي  لاتصب إلا في خانة سياسة زرع الفتن و خلق العداء بين الشعوب، خصوصا حينما تمهد لهم بعض الفضائيات العربية و أحياناً الكُردية، الأرضية و المنبر لبث هذه الثقافة العدوانية الباغضة تجاه القوميتين بذريعة الوقوف على الأحداث و التطورات الجارية في حاليا  أو التغطية الإعلامية للمسارات المفترضة لتلك الأحداث.

 ورغم هذه الحملات إلا أن العلاقات الاجتماعية في العراق على سبيل المثال لم تتأثر كثيرا وخاصة عندما ننظر إلى مدن مثل كركوك والسليمانية وبغداد نرى أن هناك فيها اندماج ثقافي ونموذج للتعايش والتآخي بالرغم من الممارسات الخاطئة للنظام العراقي السابق إلا أن الأغلبية العربية والكردية لم تسمح لهذه الممارسات بأن تفسد عمق العلاقات الاجتماعية الموجودة وحافظت عليها وحاولت دائما أن تزيد الروابط بينها.

وفي سبيل زيادة التقارب والتعاون بين الطرفين من الضروري التخلص من النظرة الدونية الموجودة عند بعض الأطياف تجاه المكون الكردي الذي يعتبر نظرة خاطئة ولا يخدم محاولات التقريب والتقارب بين الطرفين ومنها: البعض ينظر إلى القضية الكردية بمنظور عنصري خاطئ ويجهل تاريخ نشوء القضية الكردية ويعتبر الكرد أقلية وهذا ما يزيد الشرخ ويتسبب في توجه الكردي لكيان مستقل حتى يثبت وجوده وقوته ويتخلص من تسمية الأقلية وبالتالي نقع في دوامة من الفعل وردة الفعل بسبب هذا الخطاب العنصري الموجود عند البعض وخاصة عندما يتبناه بعض وسائل الإعلام.

وأيضا من الخطأ الشنيع التعميم ومحاسبة العنصر الكردي على تصرفات فردية أو حزبية وتخوين القومية الكردية بالكامل والحكم على القضية بأنها باطلة، فالقضية الكردية أقدم من هذه الأنظمة والأحزاب الكردية الموجودة حاليا على الساحة وبالتالي من الضروري إعادة النظر في هذه النظرة وتصحيحها في سبيل إزالة كامل العقبات أمام التكامل والتقارب بين القوميتين في المستقبل القريب.

ومن المهم أن نذكر أن الكثيرين يحترمون القومية الكردية ولكن بشرط أن لا تتحدث عن موضوع الدولة الكردية ولا تفكر في هذا الحلم، رغم أننا نرى أن هذا المشروع تقدم كثيرا وخاصة في كردستان العراق وأن هناك إقليم يتمتع بإدارة ذاتية وموارد اقتصادية وجميع المؤسسات الرسمية والشرعية وتمثيل دولي وإقليمي، ويتطور يوما بعد يوم.

الخلافات السياسية خلافات عابرة ولكن للأسف تؤثر على العلاقات الاجتماعية، ولكن من الضروري أن ندرك أن الطرفان لديهم أمور كثيرة مشتركة ومصير مشترك وعليهم أن يعملوا بكل الطرق لإحداث تقارب أكثر ومنع إحداث الشرخ والفتنة فيما بينهم وخاصة بوجود أطراف تتبنى زرع الفتنة والتصعيد وتستفيد من وجود حالات الكراهية والتفرقة بين الشعوب.

و إذا أردنا اليوم حقاً، بعد معرفة كل هذه المخاطر المحيطة بنا، إجهاض تلك النوايا الخبيثة، التي ترمي، بكل وضوح، الى إخفاق مساعي التكاتف و التلاحم بين قوى المعارضة و الى زرع الفتن بين الكُرد و العرب و خدمة المشاريع الجهنمية التي تفتت الشعوب المسلمة، فعلينا إذن التصدي و الصمود فكرياً و سياسياً و دينياً، و أن نعمل سوية على تجنب شعوبنا المسلمة من هذه النعرات المدمرة، و نواجه معاً و بشتى الوسائل المتاحة كل تلك الخطابات و الإتجاهات القوموية المتخلفة التي صارت تسوق لها أيضاً فضائيات و منابر إعلامية و مواقع مشبوهة على شبكات التواصل الإجتماعي، و يجب أن تكون هذه المواجهة عبر المؤتمرات و الندوات التثقيفية أيضاً و بمشاركة العقول العربية و الكُردية النيرة و بما يغذي القناعة و التسليم تجاه حقائق الأحداث، أي بمنطق العقل أو حكم التاريخ، أو بفكر الإسلام المتسامح، أو مبدأ الإختلاف و الديمقراطية، أو أي سبل أخرى تُبعِدنا من شرور الفتن و مذاق المحن، التي دمرت حاضرنا و مستقبلنا جميعاً ولا يمكن تحملها أكثر مما نحن عليه الآن من مآسي و آلام و جراح.

واخيرا لايمكن حل الخلافات الطائفية والقومية الا بالاعتماد على لغة الحوار الصادق والصريح البناء والمكاشفة الحقيقية، في طرح القضايا والامور الاشكالية على بساط التحاور المثمر، في وجوب التوصل الى حلول دائمية ونهائية، وتحييد دور الاعلام المغرض في عرقلة او تفريغ المكتسبات المتحققة من مضمونها الوطني، ودور الاجندات الخارجية، والقوى المعادية للعملية السياسية الديمقراطية التخريبية . واهم امور نجاح الحوار هو عدم التفكير بمنطق الربح والخسارة، بل من منطلق تحقيق الطرفين لمصالح الشعب العراقي والكردي منه في قلب مكوناته، ومسألة تقديم تنازلات متكافئة ومتبادلة من الطرفين، كفيل ان تكون جميع الحوارات ناجحة ومثمرة.وانه لا تأجيل للمسائل الخلافية في ترحيلها.

إرسال تعليق

0 تعليقات