علي الصراف
السلاح النووي هو الحاجز الوحيد الذي يمكنه أن يحول دون سقوط النظام الإيراني، ليس لأن إيران تواجه تهديدا عسكريا من الخارج بل لأنها لا تستطيع أن تواصل مشروعها التخريبي من دونه.
استعراض إسرائيلي
اغتيال المهندس النووي محسن فخري زادة لم يكن أكثر من عمل استعراضي من جانب إسرائيل. الكل يعرف، والتجارب السابقة تثبت، أن اغتيال علماء لا يوقف أي برنامج حكومي، فما بالك ببرنامج نووي يضم تحت أجنحته الكثير من مؤسسات الإنتاج والتطوير والبحث التي تخدم أغراضا مدنية، أو تخدم الغرضين معا.
إيران ماضية في هذا السبيل ولن تتوقف. حتى الضربات الجزئية المحتملة لن تثمر أي نتيجة فعلية. لقد سبق لإسرائيل أن قصفت مفاعل تموز العراقي في العام 1981، إلا أن العراق كان على وشك أن ينتج قنبلته النووية بعد نحو 10 سنوات من ذلك.
إسرائيل لن تقصف أي موقع في إيران. هذه كذبة كبيرة يحسن بالعاقل أن يضعها خارج الحساب. وإيران لن تقصف إسرائيل لأي سبب. كل ما يريده الطرفان هو أن يعثرا على سبيل للتعايش.
ومثلما تمارس إسرائيل الخداع لتبيعنا انطباعات معادية للنظام الإيراني، فإن إيران تفعل الشيء نفسه، بأن تبيعنا شعارات معادية لإسرائيل.
بيع الخداع مفيد لإستراتيجية الطرفين، ولتبرير المضي بها قدما. فهناك “بيع جانبي” آخر هو الهدف الحقيقي من بيع المخادعات المعلنة.
المواجهة الوحيدة بين إيران وإسرائيل كانت في لبنان بين عامي 1982 و2006. وهذه المواجهة كانت الأهداف التوسعية الإسرائيلية هي سببها. حيث أرادت إسرائيل أن تتمدد إلى جنوب نهر الليطاني، وتقيم دويلة خاضعة لها هناك. المشروع الطائفي الإيراني في لبنان بدأ من ذلك التاريخ، وكان صراعا على “الحصة” وليس صراع وجود.
لا إسرائيل كانت تريد أن تقضي على لبنان، بل مجرد أن تأخذ منه ما أخذت من سوريا، ولا حركة أمل وحزب الله اللذين نهبا المقاومة وحولاها إلى مشروع طائفي خاضع لإيران، كانا يريدان أن يدمرا إسرائيل، بل مجرد أن يأخذا حصتهما الخاصة في جنوب لبنان، ليقيما دويلة خاضعة للولي الفقيه.
ما صار يُعرف في ما بعد بـ”الثنائي الشيعي” حارب الأطراف الوطنية التي نهضت بالمقاومة ضد الاحتلال أكثر مما حارب الاحتلال نفسه. ومن الناحية الفعلية فقد تم “تطهير” الجنوب من كل أثر أو دور لحزب وطني لبناني مقاوم، لكي تصبح دويلة الولي الفقيه حصة خالصة له وحده. وهذا ما حصل بالفعل. وانتهى الصراع بقبول التعايش بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب، وترسيم الحدود بعد حرب العام 2006.
اللعبة هناك انتهت، بالتوافق على الحصص، بحيث لا تشكل دويلة الولي الفقيه في جنوب لبنان تهديدا لإسرائيل، ولا تشكل إسرائيل تهديدا لدويلة الولي الفقيه.
كل الحقائق السياسية التالية، إلى يومنا هذا، تثبت أن التعايش هو القاعدة. أما الشعارات والعنتريات الفارغة، فقد ظلت مفيدة لأغراض الخداع و”البيع الجانبي” فقط.
إسرائيل تريد أن تكرر الصفقة نفسها مع إيران. اغتيال أربعة مهندسين نوويين قبل زادة لم يمنع من ظهور الخامس. واغتيال الخامس لن يمنع من ظهور السادس والسابع والعاشر.
إسرائيل تريد للمشروع النووي أن يمضي قدما. إنها تتمنى، على عكس الاعتقاد الساذج السائد، أن تتحول إيران إلى قوة نووية. وها هي توفر لإيران الحافز.
إيران تقول إنها سوف ترفع عن نفسها القيود، وإنها سوف ترفع نسب تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، ولكن، بوجود أجهزة تخصيب حديثة، وبانتشار هذه الأجهزة في مواقع متعددة تحت الأرض، وبالنظر إلى تاريخ طويل من الخداع، حتى من قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في العام 2018، فإن ذلك يعني، أن إيران سوف ترفع نسب التخصيب إلى الحد الذي يكفي لإنتاج قنبلة نووية.
حتى في ظل أقصى العقوبات، فإن إيران تملك من الموارد المادية ما يكفي لتمويل التحول إلى قوة نووية. لديها نحو 80 مليار دولار من الاحتياطات. وهذه تكفي لسنتين على الأقل. وسنتان مدة كافية تماما. وفي الأساس، فإن المشروع النووي ما كان ليقوم، سرا، لو لم تتوفر له المخصصات المالية الكافية. كما أنه لم يكن ليقوم لو لم يكن هناك قرار مسبق بالمضي فيه إلى نهايته.
إيران لا تملك خيارا آخر للدفاع عن نفسها. السلاح النووي هو الحاجز الوحيد الذي يمكنه أن يحول دون سقوط النظام أو إضعافه. وهذا السلاح ضروري ليس لأن إيران تواجه تهديدا عسكريا من الخارج، بل لأنها لا تستطيع أن تواصل مشروعها التخريبي في المنطقة من دونه.
وبينما لا تستطيع إيران أن تتخلى عن أدوارها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، لأنه جزء من طبيعة نظامها، فإنها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها من دون غطاء نووي. هذان الأمران أصبحا متلازمين إلى أقصى حد ولا يمكن الفصل بينهما.
لن تتحول مواجهة هذا المشروع إلى حرب تؤدي إلى إسقاط النظام الإيراني. هذا لن يحصل. ولا يحق لعاقل بأن ينخدع بافتراض غبي مثل القول إن إسرائيل ستحارب إيران أو أن إيران ستحارب إسرائيل في صراع يهدد أيا منهما تهديدا نهائيا.
إسرائيل تريد لإيران أن تصبح قوة نووية، لكي تبيع علينا إنها هي قوة التوازن الإستراتيجي مع إيران، وأنها هي التي تحمي دول المنطقة، وهي التي توفر لها الغطاء الدفاعي الكافي.
إيران يمكن أن تبقى فقيرة ومحاصرة وفي ضائقة دائمة. شيء يشبه كوريا الشمالية. ولكن تحولها إلى قوة نووية يعني في المقابل أن نظامها السياسي مستقر ولا يمكن تهديده بالقوة العسكرية.
الشعوب تستطيع أن تتعايش مع الفقر والجوع. يمكن لهذا الأمر أن يستمر إلى 100 سنة أو أكثر. فقدرات البشر على التكيف لا حدود لها. ووجود رادع نووي، هو بالأحرى رادع داخلي أيضا ضد التغيير. لأن القوة النووية هي في الواقع مشروع إعمار داخلي شديد السعة، ويشمل مؤسسات إنتاج وتطوير وأبحاث يمكنها أن تحتوي الجزء الأكثر فاعلية من المجتمع.
فقر إيران وحصارها يمكن أن يستمرا إلى ما لا نهاية، طالما أن تحولها إلى قوة نووية سيوفر لنظامها الضمانة الكافية للاستقرار والبقاء.
ولا حرب ستندلع من بعد ذلك. سوف ينشأ وضع إستراتيجي آخر في المنطقة تتحول فيه إسرائيل إلى “حامي الحمى”، بينما تهنأ إيران بنظامها وبمشروعها التخريبي.
“البيع الجانبي” سوف يوفر لإيران أن تحمي حصتها وأن تتوسع، كما أنه سوف يوفر لإسرائيل الشيء نفسه.
إيران نووية وإسرائيل نووية يعني أنهما تستطيعان التعايش، وذلك مثلما نجح التعايش بين دويلة الولي الفقيه في جنوب لبنان وبين إسرائيل بأن أخذ كل منهما ما يريد، وظلت العنتريات المتبادلة قائمة.
صانعو الاستراتيجيات في المنطقة يجب أن يحددوا الهدف. وما لم يكن هذا الهدف هو إسقاط النظام الإيراني، فإن كل عمل آخر هو كلام فارغ، وخداع يفترض ألا ينطلي.
0 تعليقات