إبراهيم الزبيدي
إلى أي مدى يمكن أن تذهب قطر من أجل المصالحة وهل ستقبل أن تنزع أنيابها الإيرانية والتركية وتتوقف عن مد جماعات الذبح الحلال بالمال والسلاح في سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن؟
إلى أي مدى يمكن أن تذهب قطر من أجل المصالحة؟
في 5 يونيو 2017 قررت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ثم تبعها الأردن بخفض تمثيله الدبلوماسي معها وإلغاء ترخيص قناة الجزيرة.
وذلك لأن قطر، رغم صغرها وقلة عدد سكانها، تمكنت بأموالها الطائلة من أن تكون، في السنوات العشر الأخيرة، شوكة مؤلمة في خاصرة شعوب المنطقة، قبل حكوماتها، وعاملا فاعلا في تقوية سواعد أعدائها الطامعين الحاقدين، وتشجيعهم على المزيد من تخريب حياة الملايين من الأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة.
وبسبب ذلك أصبح الحديث المستجد عن مصالحة تعيد الأمور إلى سابق عهدها بين قطر ومقاطعيها نفحةَ تفاؤل لدى الغالبية العظمى من الخليجيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين والمصريين واليمنيين والليبيين والسودانيين والفلسطينيين الذين يتمنون، مخلصين، أن يكون الحاكم القطري قد آمن، أخيرا، بأن حزام الأمان الدائم والحقيقي لقطر، شعبا وحكومة، هم أهلها. أما الإيرانيون والأتراك والإخوان المسلمون فلن يكونوا ذلك الحزام في غد متقلب مجهول لا يعرف أحدٌ ماذا سيحمل من خبايا ومفاجآت.
أما الذي يعتقد بغير ذلك فهو يراهن على سراب، إلا إذا كان مأمورا مكلفا، من قبل الولايات المتحدة أو غيرها، بالانغماس في كهوف المجاهدين، بوظيفة ساعي بريد.
إذ ليس معقولا أن تكون قطر، وهي الدولة الصغيرة المرتبطة عمليا وواقعيا مع أميركا بأكثر من رباط، وبأكثر من دليل، قد اختارت، بإرادتها الحرة وحدها، الاصطفاف مع أعداء أميركا الهاتفين دائما، وعلنا، بأنهم يريدون اغتيال رجالها، وضرب قواعدها بالصواريخ، ونسف مصفحاتها بالمفخخات.
ولو صدقت النوايا ونجحت الوساطات المحلية والدولية وتحققت المصالحة فإن ذلك سيعني عودة الحياة في دول المنطقة إلى وضعها الطبيعي القديم، لا غالب ولا مغلوب، ولا قاتل ولا مقتول، ولا ناهب ولا منهوب.
ولكي يتحقق هذا النصر المبين لا بد من قطع حبل السرة القائم حاليا بين الأموال القطرية وبين إيران خامنئي وتركيا أردوغان والإخوان وباقي شلل الإرهابيين الآخرين.
وهذا ما سيجعل النظام الإيراني أضعف، وأقل توحشا في تدخلاته التخريبية في المنطقة، وهو المحاصر بالعقوبات الأميركية وبجائحة كورونا. وأول النتائج وأسرعُها تقلص وجود الحرس الثوري والميليشيات العراقية واللبنانية في سوريا، وانتهاء الحرب في اليمن، أو اقترابها من النهاية تمهيدا لعودة اليمن إلى وحدته وسلامه. كما أن من المتوقع، أيضا، أن تضعف القبضة الإيرانية في العراق ولبنان وفلسطين، ويصبح في مقدور العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين تقرير مصيرهم بحرية ودون وصاية من أحد.
وعلى الجانب الآخر التركي سيعجل ذلك بدخول تركيا أردوغان في موسم انكماشها العسكري والاقتصادي، الأمر الذي سيخلص ليبيا من عساكرها ومرتزقتها، كما سيوقف حروبها في سوريا والعراق، أو يخفف أحزانها إلى حد بعيد.
بعبارة أخرى، إن الحياة، من المحيط إلى الخليج، ستصبح أحلى وأجمل، وستصدح موسيقى الأفراح والابتهاج في الشوارع والساحات والميادين بعد أن مُلئت رصاصا ودخانا ومآتم.
ولعل أهم وأكبر المنافع من تلك المصالحة أنها ستعيد فتح أبواب الدنيا كلها أمام المواطنين القطريين، وخصوصا منهم رجال الأعمال.
من غير المتوقع أن تقبل السعودية المصالحة مع قطر بوضعها العادي الذي استدعى المقاطعة. كما أنها لن تقبل أيضا بمصالحة ثنائية بين الحكومتين وتترك حلفاءها الإماراتيين والبحارنة والمصريين هدفا لتدخلات الحكومة القطرية ومؤامراتها
إضافة إلى أن الأموال الهائلة الضائعة التي تنفقها حكومة قطر على القتل والحرق والتآمر وشراء العصابات، وعلى الإعلام السيء، وعلى حماية من الإيرانيين والأتراك والإخوان المسلمين وباقي الإرهابيين الآخرين سيمكن إنفاقها في مشاريع استثمارية مربحة في الخليج ومصر والدول العربية الأخرى الأحوج من غيرها إلى الاستثمار الخيّر النافع لشعوبها وللمستثمرين.
ولكن ذلك لن يتحقق بسهولة وبجرة قلم. فلكي يمكن للوسطاء أن يجمعوا الجمر مع الثلج في كف واحدة، والصيف، والشتاء على سطح واحد، لا بد من أن تكون النوايا للمحاسبة دقيقة وصريحة وعادلة، ولا بد من أن تكون القوى الدولية الفاعلة راغبة، فعلا، في إجراء مثل هذه الجراحة العميقة في موازين القوى والنفوذ في المنطقة.
فلا الظروف الإقليمية والدولية، ولا قطر نفسها ولا السعودية في وضع يسمح بحدوث مثل هذا الانقلاب الاستراتيجي دون ضمانات أكيدة ثابتة ودائمة، ومراجعات عميقة ودقيقة، وتعب شديد وطويل.
فمن غير المتوقع أن تقبل السعودية المصالحة مع قطر بوضعها العادي الذي استدعى المقاطعة. كما أنها لن تقبل أيضا بمصالحة ثنائية بين الحكومتين وتترك حلفاءها الإماراتيين والبحارنة والمصريين هدفا لتدخلات الحكومة القطرية ومؤامراتها.
وهنا يبرز سؤال. إلى أي مدى يمكن أن تذهب قطر من أجل تلك المصالحة؟ وهل ستقبل، بسهولة، أن تنزع أنيابها الإيرانية والتركية والإخوانية، وتتوقف عن مدّ جماعات الذبح الحلال بالمال والسلاح في سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن، وتطرد قادة الإخوان من ملاذهم الآمن على أراضيها؟
ولأن قطر، برغم صغر حجمها وقلة سكانها، كانت أكبر مصادر الألم والضرر لشعوب المنطقة، أكثر من حكوماتها، فليس ببساطة، بعد كل ذلك التاريخ المعمَّد بدماء الملايين من الأبرياء، أن يتسامح ذوو القتلى والمغيبين والمهجرين والمتضررين بالمال القطري ويطووا صفحات الماضي الأليم دون اعتراف بالخطأ.
ومؤكد أن الحكومة السعودية ومصر، بشكل خاص، واضعتان ذلك في حساباتهما، وستطلبان من الحكومة القطرية أن تتوجه لتلك الملايين وتعترف بذنوبها الكثيرة، وتعتذر، وتتعهد بتعويض المتضررين. فهل ستفعل الحكومة القطرية ذلك في يوم من الأيام؟
والآن وقد ذهب ترامب مع وعوده بإعادة إيران، طائعة مستسلمة، إلى طاولة المفاوضات، وقابلة بشروط وزير الخارجية مايكل بومبيو، وجاء غريمه الذي لا يعرف أحدٌ، لحدّ الآن، هل سيبارك سياسات سلفه ترامب الإيرانية والتركية والإخوانية فيجدد طلب المصالحة بين قطر وخصومها، أم سيقرر غير ذلك، فيأمر الشيخ تميم بن حمد بأن يبقى في برزخه الإيراني الأردوغاني الإخواني ليهش به على غنمه في المنطقة والعالم، ومن أجل مآربه الأخرى؟
الخبر اليوم بفلوس وغدا ببلاش.
كاتب عراقي
0 تعليقات