هيثم الزبيدي
لا أعرف إن كانت عودة هذه الباقات إلى التداول تسدّ الثغرات في الإنتاج أم ترمم ذائقة المشاهد. النتيجة إيجابية على كل حال.
تحفة درامية
خلال الأشهر القليلة الماضية من وباء كورونا، أثّر الحجر والتحديدات الإنتاجية على مستوى البرامج التلفزيونية بالعموم، وخصوصا الإنتاج الدرامي والسينمائي. الدراما العالمية، ومنها العربية، كانت تشهد ازدهارا ملحوظا بسبب المال الذي وفره البث التدفقي. سوق صاعدة ومركزة. نتفليكس أولا، ثم التحق العملاق أمازون وبعده سكاي وديزني. محطات التلفزيون صارت تعاني، واضطرت الكبريات منها إلى الاعتماد على إنتاجها الخاص. الفضائيات العربية تحاول اللحاق عبر شراء دراما تعوض الثغرات التي صارت محسوسة. البث التدفقي في عالمنا العربي صار له حيّز معتبر، لكن التوقيت ليس لصالحه، على الأقل في هذه الفترة الصعبة على الجميع.
المحطات التلفزيونية ستتردد في إعادة بث قديمها. يمكن أن تمر الأفلام، لكن دراما من عشرين أو ثلاثين حلقة، ستكون صعبة الهضم. في فضائياتنا العربية المهمة، تبدو مستحيلة، لأن المسلسلات أصلا دارت كل الفضائيات عرضا أولا وثانيا وعاشرا. البث التدفقي اختياري.
الآن تعيد منصات البث التدفقي العالمية إحياء الكثير من الأفلام والمسلسلات الدرامية وتعيد وضعها في باقاتها. المشاهد يختار. ثمة جيل لم يشاهد العديد منها. هناك إنتاج تلفزيوني مثلا بين عامي 2000 و2010 تم بمواصفات رقمية عالية لا يحتاج إلى إعادة اشتغال عليه، لكي يصبح مناسبا للعرض على شاشاتنا العملاقة والبث الرقمي عالي الدقة. هذه ثروة درامية حقيقية حان أوان إعادة تأهيلها في زمن مخنوق بمحددات الإنتاج التي أتى بها الفايروس.
ثم هناك نحن ممن شاهدوا تلك المسلسلات بمزاج وزمن آخر. عندما كنت تشاهد دراما، تنتظر موعدها. حين تفوتك حلقة هنا وحلقة هناك، تحسب بأن شيئا قد ضاع. هذا لا يحدث كثيرا في الفضائيات العربية لأن الإعادة هي العرف (بإفادة أو من دونها). لكن إذا تابعت برامج على التلفزيونات الغربية، فانس الإعادة: اللي ضاع ضاع. هذا من الناحية العملية. أمّا أن تشاهد مسلسلا كوميديا أو دراما اجتماعية عميقة ثم تعود إلى مشاهدتها بعد عقد من الزمان، فستكون الدراما كما هي وأنت تغيرت. ستجد متعة استكشاف جديدة ومختلفة تستحق أن تجرب.
هذا ما أفعله الآن. أعيد استكشاف السينما والدراما بفضل البث التدفقي. لا أتحدث هنا عند مسلسلات “الزمن الجميل” العربية كما يحلو للبعض تسميتها، بل عن السينما والدراما بل وحتى الوثائقيات الغربية. فرصة استعادة في ليل طويل لا يمر سريعا مع أسر كورونا. أعيد مشاهدة مسلسل “الطبيب هاوس”. تحفة درامية من التناقضات التي ننكرها يوميا في حياتنا اليومية. مسلسل من ثمانية مواسم. كم ستتذكر وكم نسيت. ستشاهده مثل سمكة في حوض، كلما دارت تعود إلى مكان تعتقد أنها لم تشاهده من قبل وتفرح به. الأسماك ذاكرتها ضعيفة. تذكرني بحالي. أشاهد أفلاما من التسعينات. أعرف كل الحكاية، ولكن ماذا تفعل وأنت تشاهد فيلما بمستوى “المشبوهون إياهم” إلا أن تندهش وكأنك تشاهده لأول مرة. شاهد أفلام الحروب مرة أخرى على شاشات رقمية دقيقة وكبيرة، وسترى أنها أفلام أخرى كأنك لم تشاهدها على الشاشات الكاثودية بحجم 28 عقدة. ما هذه الروعة في مشاهدة أفلام أسود وأبيض من الأربعينات والخمسينات، حين كان كل شيء يتم من دون مؤثرات وبتقنيات بسيطة لكن بنتائج مذهلة.
لا أعرف إن كانت عودة هذه الباقات إلى التداول تسدّ الثغرات في الإنتاج أم ترمم ذائقة المشاهد. النتيجة إيجابية على كل حال.
كاتب من العراق مقيم في لندن
0 تعليقات