بقلم/ سارة السهيل
يمثل العنف سلوكا حادا في كل المجتمعات وهو بوابة للانحراف والضلوع في ارتكاب الجرائم، ولكن مع انتشار العنف في كل دول العالم، ودولنا العربية الا ان نسب اقترافه وتاثيره من حيث القوة والضعف يتباين من مجتمع الريف إلى مجتمع الحضر حيث تتعدد مشكلاته وتتشابك بما بقود للانحراف والجريمة والعنف بأشكاله المتعددة كالانتحار، السرقة، البغاء، القتل، الضرب، الاغتصاب، ومعدلات أعلى في إدمان الخمور وتعاطي المخدرات والانتحار وغيرها .
وان كان مجتمع الريف يعاني من ظاهرة العنف فان تأثيره السلبي يقع على المرأة بشكل أكبر من الرجل ، بينما تكاد تتساوى نسب العنف الواقعة في المدينة بين فئات المجتمع رجل وامرأة وطفل .
والملاحظ للسلوك البشري سلما او عنفا يجد انه يتأثر بعوامل عديدة تمثل دوافع رئيسة لسلوكه ومنها محيطه البيئي الطبيعي الذي يعيش في كنفه ويؤثر في تشكيل مزاجه وهويته .
تأثير البيئة
ذهبت بعض النظريات الاجتماعية إلى تأكيد التأثير البيئي على سلوك الانسان ، حيث اكتشف علماء الاجتماع أن سكان البادية والمناطق الجبلية يتأثرون بقسوة الطبيعة وخشونة الطعام مما يكسبهم قسوة في الطباع وخشونة وجلدا وشدة لا يتصف به سكان الحضر الذين يميلون غالبا إلى النعومة والدعة والرقة واللين تبعا لتأثير المكان والمسكن والمأكل ، في المقابل رصدوا سهولة طباع أهل السهول والمناطق الساحلية وتفاعلهم مع الغريب في لين بعيدا عن الشدة والعنف. بينما غلفت الطبيعة الجبلية لسكانها حرارة طبع.
وحقق استقرار الفلاحين على ارضهم توازنا في السلوك مثل الريف المصري و الاردني و العراقي ، بينما اكتسب سكان جبل لبنان جبل كوردستان طبائع القوة و تحمل القسوة.
وفيما يغلب الطقس الحار على سكان الخليج فان مزاجهم يميل للعصبية ، فان الطقس البارد كما في أيسلندا أو السويد أو النرويج وغيرها من الاصقاع الباردة فانه نادرا ما يميل السكان للاستثار والغضب الانفعالي
واستعاد علماء الاجتماع مقولة لأرسطو التي يذكر فيها ( أن الناس الذين يعيشون فى مناطق المناخ البارد يكونون أكثر شجاعة ولكنهم ضعفاء برغم ذلك) ..
بينما الناس الذين يعيشون فى مناطق المناخ الدافئ يكونون أكثر عمقاً فى التفكير ولكن بدون نشاط أو حيوية .
كما المؤرخ العربى إبن خلدون بين بلادة الحس ونقص الحيوية فى سكان مناطق المناخ البارد والطبيعة الإنفعالية والاستعداد للاستسلام لمشيئة الطبيعة التى يتميز بها سكان المناطق الدافئة .
مقارنات
ويرجع علماء الاجتماع انتشار العنف والجريمة في المدينة الي ضعف العلاقات والروابط الاسرية والاجتماعية ، والى ضعف صلات القربي الذي يتيح للفرد الانتقال من الحياة الجماعية إلى الحياة الفردية .
وفي المقابل ،فان الحياة في المجتمع الريفي اكثر تماسكا وترابطا اسريا بما يقلل من حدة العنف والجريمة نسبيا مقارنة بالمدينة ، وهو ما ذهب اليه عالم الاجتماع دوركايم في ذلك : "المجتمع الريفي يتسم بعلاقة التماسك حيث يتعامل أفراده بطريقة بسيطة تلقائية و يستجيبون لبعضهم ميكانيكيا عكس المدينة ، فالعلاقة فيها هي ذات طابع عضوي" .
ويربط علماء الاجتماع بين العنف والوسط الحضري ، حيث أن ظاهرة العنف أو الانحراف بمختلف أشكاله ترتبط بالوسط الحضري أكثر من ارتباطها بالوسط الريفي ، بل إن عدد الانحرافات والجرائم يتضاعف كلما انتقلنا من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية من جهة وكلما زاد حجم المدينة من جهة ثانية وباختلاف الأحياء في نفس المدينة من جهة ثالثة، حيث يرتفع عدد الجرائم في الأحياء التي ترتفع فيها نسبة من حالات اجتماعية معينة حياة الأفراد بمعزل عن عائلاتهم ، الولادات غير الشرعية،الحراك الاجتماعي الذي يصاحبه حالات عدم الاندماج الاجتماعي .
كما يري العلماء ان العنف والانحراف في الوسط الحضري يتربط بمؤسسة الأسرة التي تفتقر للترابط فيما بينها كما يغيب الاب بحثا عن المال والسلطة كما يغيب عن دوره الرقابي وغيره من الادوار .
وعموما فان العنف في مجتمع المدينة يبدو متباينا من فئة لاخرى ، فهناك عنف تجار المخدرات ومستهلكيها، وجرائم القتل وتفجير القناب، و اعتداء الأزواج على زوجاتهن وعنف الشاب نتيجة البطالة و تعبيرا عن أوضاعه الاقتصادية ، واعتداء التلاميذ على أستاذتهم أو مدرائهم، اعتداء الأبناء على اخوتهم ،واعتداء التلاميذ على بعضهم البعض، بجانب عنف الأساتذة على تلاميذهم.
فيما يأخذ العنف أشكالا متعددة مثل ،القتل، السرقة، الضرب، الاغتصاب، تعاطي المخدرات، و تعاطي المحضور، و الانتحار.
عوامل العنف:
ويرصد الباحثون المتخصصون العديد من الاسباب المحفزة للعنف منها :
ضمور و ضياع علاقات القربى و المودة في الحياة الاجتماعية على مستوى الأشخاص والتي كان بإمكانها أن تساهم في تثقيف الفرد الثقافة المضادة للعنف.
وضمور الرعاية الأبوية ، في مقابل ضعف دور المرأة أو الأم كأفضل وسيط بين الطفل ، الشاب، الشابة، والمجتمع.و استعمال أساليب تربوية تعتمد على الضرب أو العقاب البدني. واستعمال أساليب تربوية تعتمد على التسلط والتلقين والتحيز لرأي أحادي.
كما أكدت الدراسات أن العنف تزيد نسبته عند الانتقال من الريف إلى المدينة، حيث يتميز سكان الريف بأنهم أكثر تجانسا أي تماثلا وتشابها وذلك في السمات العنصرية أو السيكولوجية أو الاجتماعية مثل: اللغة، المعتقدات، الآراء،أنماط السلوك.كما ان مجتمع الريف لا يعاني من مفهوم الطبقية بينما يظهر بوضوح في المناطق الحضرية.
وبينما يتصف الريف بقلة تنقل سكانه ماعدا الهجرة من الريف إلى المدينة بسبب الكوارث الطبيعية التي تحدث الأزمات الاقتصادية بينما تتميز المدينة بالتنقل الاجتماعي الكثيف لسكانها.
تكون التفاعلات في الريف على مستوى ضيق ولكن بدرجة ملحوظة ،واضحة وعميقة، بحيث يتميز بالبساطة والمودة و الإخلاص فالتفاعل يحدث من الزاوية الإنسانية أساس
أما في المجتمع الحضري ، فيتميز بكثرة الاتصالات و لكن مع ذلك تسود المدينة العلاقات الشخصية التي تتسم بالسطحية و القصيرة المدى و التعقيد والشكلية والنفعية، فالإنسان يتفاعل في المدينة كرقم وكعنوان.
بينما يمتاز المجتمع الحضري بضعف علاقات القرابة و انهيار الأهمية الاجتماعية للأسرة و اختفاء علاقات الجيرة، كما تتجه معظم النساء إلى العمل ويميل الناس إلى تأجيل الزواج وتتميز الأسرة بأنها أصغر حجما من الأسرة في الريف ويميل الإنسان الحضري إلى الارتباط بالأشخاص ممن لهم مصالح مشتركة.
يسود في المدينة الضبط الاجتماعي الرسمي المتمثل في القانون و أجهزته مثل الشرطة،الدرك ومختلف أنواع الأمن بينما يسود في الريف الضبط الاجتماعي غير الرسمي الذي يتمثل في العادات و التقاليد و العرف وتلعب الشائعات دورا مهما في الرقابة على سلوكات وتصرفات الأفراد.
الانحراف
يرتبط الوسط الحضري بأشكال عديدة للانحراف ، كما يشير "هالبواشHalbwachs مؤكدا أن الحياة الحضرية تفوق الحياة الريفية في نسبة الانحراف وتتمثل عادة في الضعف ،كما أن عدد الجرائم يزيد كلما زاد حجم المدينة. حيث يتلقي في الريف قيم احترام العمل، تقدير الأسرة ، السعي إلى الارتقاء بها و بقائها، ويكافح في الأرض و المحصول لتأمين احتاجاتها،و يجد سعادته في الحياة الهادئة واتحاده مع أسرته وفي استجابته للتقاليد المتعارف عليها فينعدم الحافز إلى الانحراف إلا إذا وجد ما يهدد استقراره مثل: إتلاف المحصول.
ويمتاز رب الأسرة في الريف بأنه أكثر رعاية لأسرته و أولاده بينما سكان المدن يختلفون اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا .
اما السلوك الأبوي في المدينة يقود بالضرورة للعنف ، نتيجة نقص التربية الدينية ، ونقص الرقابة الأبوية أو عدم انتظامها ، استعمال الضرب كطريقة تربوية مع فئة المراهقين أو الشباب أو الأطفال دون العاشرة يؤدي إلى انحراف أو جنوح أو عنف الشباب أو الأبناء.
ووجد العلماء علاقة ارتباط عضوية بين أمية الوالدين بجنوح الأبناء كان أقوى في المناطق الحضرية منه في المناطق الريفية ، فالآباء الأميون و خاصة في المناطق الحضرية حيث الحياة معقدة في علاقاتها و طريقة حياة الشباب متغيرة لا يستطيعون في كل الحالات فهم احتياجات أبنائهم ومطالبهم النفسية و الشعورية ،و بالتالي فالوسائل التربية التأديبية المستعملة تجاههم يمكن أن تكون غير ملائمة في جعلهم مواطنين صالحين
العنف ضد الأنثي
ولكن العنف ضد الانثي في الريف يعد الاعلى والزواج في سن صغير بنسبة كبيرة مقارنة بالحضر ، ويبدأ العنف ضد الانثى بالاجبار على الزواج ، بل ان العنف ضد الانثي يبدأ وهي طفلة من خلال ظاهرة الختان المنتشر في الريف المصري و السوداني بالعادات والتقاليد الموروثة ، بل أن مصر مازالت هى الأعلى عالميا فى حالات ختان الاناث، على الرغم من اعلان الامم المتحده فى 6 فبراير 2005 اليوم العالمى لمناهضة ختان الاناث وصدور قانون 2008 فى مصر لتجريم عملية الختان إلا ان هذا القانون فتح المجال ان تتم عملية الختان فى سريه بعيدا عن أعين القانون وتتم عن طريق الدايه أو الممرضه واحيانا حلاق الصحه.
و بالرغم من كل الجهود المبذوله وتغليظ العقوبه فى القانون المصرى وتحويلها من جنحه الى جنايه فإن القضية مازالت فى حاجه الى زيادة حملات التوعيه والتثقيف الجنسى والصحى للمرأة فى الريف والحضر سواء، وعلى كل منظمات المجتمع المدنى التكاتف والتعاون للحروج من هذا المنعطف الخطير الذى يعد اول خطوات تدمير الانثى نفسيا وخلق مرأة ضعيفه محطمه.
العنف في البادية
كانت المرأة في البادية قديما اكثر الفئات اجتماعية تعرضا للعنف الاجتماعي مما كان يودي بها الى الوأد، ولكن مع التطور الزمني والثقافي ، فان النظرة الدونية للمرأة البدوية قد تقلصت الي حد بعيد ، وصارت المرأة البدوية الاقل تعرضا للعنف مقارنة بنساء الريف والمدينة .
وقد ابرز هذا التطور الاجتماعي بحث ميداني في المجتمع المغربي عام 2011 حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء وجاءت النتائج لتعلن زوال الصورة النمطية للإنسان البدوي الذي ارتبطت به ممارسة العنف كتقليد وثقافة وقيمة ، ولتصحح ، في الوقت نفسه ، نظرة المجتمع والباحثين إلى هذه الفئة المرتبطة بالنشاط الفلاحي والرعوي .
فالنتائج التي أسفر عنها البحث تؤكد أن المرأة تتعرض للعنف في الوسط الحضري بمعدل يزيد ب 7،12 في المائة عن المرأة في العالم القروي في ما يخص العنف الجسدي في الحياة الزوجية، وبـ` 4،35 في المائة في ما يخص العنف الجنسي وب` 8،7 في المائة في ما يخص العنف النفسي.
بينما جاء اللجوء للعنف ضد النساء في البادية أقل بكثير مقارنة مع المدينة ، وهو تطور ثقافي واجتماعي يستحق التقدير والدراسة لنبني عليه وتستفيد من نتائجه كل المجتمعات في الريف والحضر علي حد سواء و كوني ابنة قبيلة و اعايش بشكل مباشر ظروف العنف في القبائل فاني ارى ان العنف في البادية بعيد كل البعد عّن المراة التي يتم تكريمها و احترامها و غزل القصائد و التكني بصفاتها انما يتمحور العنف في البادية في مسائل الثأر و الغزوات و الغارات بين القبائل و المعارك المتمحورة على النفوذ و فرض السطوة و السلطة و الانتفاع من الماء و الارض و تطورت هذه الاسباب مع الزمن لعنف هدفه التمثيل السياسي و السلطة في الدولة مع قيام دول القانون في المنطقة العربية .
0 تعليقات