بطل الحيطان الجريحة

مشاهدات



د. عبد الرزاق لعوج


تحاول التقرب منهم، كما لو تتودد إلى "جلنار " التي نهب تاجها وذهبت صولتها, يشرعون للرتابة وينفذون صكوك التباث والترحال في نفس الدائرة المغلقة لا، تحكمها لوحةالمسار .

كنت كلما دخلت الشارع المعلوم خلسة، لأشتري حليبا اوخبزا  أو ربطة نعناع أوعلبة سجائر،الفيهم في جنبات الحيطان، منسقين، كاكسسوارت فنية، تنضاف لخشاراته المرصودة، يتخاطفون النظر العابس فيما بينهم، وفي وجوه العابرين،فلا مجال لعد الساعات والدقائق، ما ثمن منها ومارخص،فالوقت ببياضه وسواده، كله ملك لهم، يغتالونه في تلك الساحة  المهجورة عرقا  بعرق .

فهذا " عبدالرزاق" بكثافة شعره الأسود الداكن اللون، الذي  صبغته غبارات النهار، وفتلته ضبابات الليل، لم ينعم قط، بطعم المرطبات ونفحات كحولية في غسق الليل، ولا مداعبة المشط. وقماشه الجاف الذي يغشي كسدته النكرةالممتلئة حكايات لاتنتهي. يجر نعله البائس من زاوية إلى زاوية،  يطارد خيوط الدخان في اتجاه حي السعادة وهو يتغيى السعادة، كأنه في ساحة عجت بالثأر من النفس وكأنه يرجو زيادة الزيت على نار كانت هادئة  ،وهذا " هيثم نصرالدين" يقتعد الصخرة العجوز، بآخر فقرة في عموده الفقري ،ذاك الفتى الذي افتقد كل رشاقته الطفولية، يضم يديه على ركبتيه و يحرك رقبته بين الفينة والفينة، حينما تستفز غيبته، قفشات التمليذات الرائحات ببذلاتهن البيضاء الى إلى المدرسة الإبتدائية بمعهد النور بحي السلام ؛ التي توجد في الطرف الآخر من مدينة الجديدة،فتنطق عيناه النائمتان بشمتة الخسارة ،فلا زال بذاكرته لمحات من زمن بطولة شاخت في ملاعب المدرسة حين كان صدى تصفيقاتهم يسخن همته و يثلج صدره .

،أقف كعادتي أمام الدكان،أطلب بضاعتي، حينها، يقفز أحد صغارهم التائهين في حماة الفراغ القاتل، وصوته لا ينفك عن طلب "وريقات" بيضاء شفافة،لكتابة سيرة رحلة مع عالم الدوخة والتيهان في نفس المكان والزمان  يحسبها لحظة ممتعة تطير ببراءته  ،يناوله الدكاني سلعته الساحرة ،قبل أن يلبي طلبي،كرما منه لوقفتي المفاجئة،وخجلا من رؤيتي الغبية لفعل صار، ورهن ولدانا، ابتلعهم طاغوت الشارع،لايجرؤ على الحكي لأنه يدري جيدا، أنني من أبناء الحي،ادرك كل تفاصيل الحكاية ،يمدني بحاجياتي مهمهما بغصة لا مفهومة :" أطلب لك العفو أيها المدير الجهوي المحترم".

ألوي العنق تعبيرا عن الأسف،واقفل راجعا من خطي المرسوم والشهية تفر من خاطري،

لاسبيل لتغيير المسار،أحاول إقناع النفس بما ترى من فوضى الفصام وارتهان الولدان لتفاصيله لا ترويها سوى الحيطان المجروحة وأدركت أن أن حي السعادة لا يخلق السعادة .


إرسال تعليق

0 تعليقات