د. فاتح عبدالسلام
الملف الاكثر اهمية، والاعمق اتصالاً بحقوق الانسان “ من صدق وليس قشمرة” هو ملف الاخفاء القسري في العراق. كنّا نتوقع أن يكون هذا الملف في مقدمة اهتمامات الحكومة الجديدة، وليس الدوران في فلك مهمة تنظيم الانتخابات المبكرة كهدف أقصى، فالحكومة تبقى، بحسب المفهوم السياسي والاعتباري، حكومةً وواجهةَ السلطة الفعلية للبلد، وليست هي لجنة تصريف أعمال أو هيئة سكرتارية لتصريف شؤون ضيقة فحسب، وهنا أرى أنّ الانتخابات، على الرغم من عظم عناوينها وجسامة مهمتها، لا تساوي شيئاً امام قيمة العراقيين الذين جرى اختطافهم وغيّبوا في أماكن مجهولة، بالرغم من انّ عمليات اختطافهم كانت شبه علنية وتحت حراب البنادق المعنونة المعروفة من دون أن يتحرك ضمير أحد. الانتخابات قد يزحف موعدها للامام او للوراء، لكن حياة البشر ومستقبل اطفالهم وعوائلهم، مسألة لا تحتمل التأجيل والتسويف. لتظهر الحقائق، وليعرف الناس مَن هو المدان ومضن هو البريء ؟ وحتى المدان لايحق لأحد اخفاءه.
ملف الاخفاء القسري قديم بحسب ما طالعناه في تقرير المنظمة الحقوقية الدولية اليوم، هيومن رايتس ووتش، يرجع الى سنوات بعيدة لاسيما في أعقاب تحرير ثلاث محافظات من سيطرة تنظيم داعش، حيث جرى اعتقال آلاف من دون أن تظهر أسماؤهم في أي سجن رسمي أو أمام أية هيئة حقوقية وعدلية عراقية. أمّا شباب انتفاضة تشرين المختطفون فذلك ملف لم يحرز في متابعته أحد أي تقدم، وكان لابدّ للحكومة من انجاز في هذا المضمار، قد يكون كفيلاً لبعض وجوهها في العودة للمشهد السياسي عبر الانتخابات. بالرغم من ان العمل والتفاني من أجل اظهار الحقائق في تحقيقات الاخفاء القسري هو من صلب الواجبات الوطنية التي ليس لها تعريف آخر ، وانّ العراقيين كانوا ينتظرون أن يسمعوا من الحكومة تفاصيل ما عملت في هذا الملف، لأنَّ حقوق الانسان يجب أن لا تخضع لاعتبارات سياسية مهما كانت محرجة.
هل تقبل الحكومة أو الأحزاب اختطاف خمسة الاف أو خمسة عشر ألفاً من عناصرها واعضائها وشبابها وأجهزتها، والتستر على الموضوع طوعاً أو كرهاً أو تقاعساً لأسباب مختلفة بينها السياسة مثلا؟.
إنّ من المعيب اعتبار الحديث عن المختطفين المغيبين قسراً، أمراً سياسياً، لأنّ هذا الاعتقاد بحد ذاته، هو تكريس للإخفاء القسري للبشر .. والحقائق.
0 تعليقات