الدكتور مهند مجيد العبيدي
المتأمل لاستعمالات الناس للأسماء والكنى والألقاب يجد أن هناك فوضى عارمة في هذا الميدان ، تبدأ الفوضى من الخلط بين الاسم والكنية واللقب ،إذ ينقسم العلم على ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب والمراد بالاسم هنا ما ليس بكنية ولا لقب كزيد وعمرو فالاسم عند النحاة الذي يعين مسماه مطلقاً ، وبالكنية ما كان في أوله أب أو أم كأبي عبد الله وأم الخير وباللقب ما أشعر بمدح كزين العابدين أو ذم كأنف الناقة ،هذا التقسيم غير مطبق في الاستعمال إذ نرى من يستعمل الكنية مكان اللقب أو اللقب مكان الكنية ، وقديماً قال الشاعر العربي القديم :
أكنيه حين أناديه لأكرمه … ولا ألقّبه والسوأة اللقبا
فالكنية تستعمل عندما نريد تعظيم أو توقير شخص ما كأن يكون شخصاً كبيراً في السن ،أمَّا اللقب فيدل على المدح والذم ولكنه أكثر ما يستعمل في العربية للذم ولذلك نهى القرآن الكريم عن التنابز بالألقاب ، قَالَ الْحَسَنُ: " كَانَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ، فَيُلَقَّبُ فَيُقَالُ لَهُ: يَا يَهُودِيُّ، يَا نَصْرَانِيُّ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ " وقال الطبري بعد أن عرض أقوال المفسرين في تفسير الآية : "وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ: هُوَ دُعَاءُ الْمَرْءِ صَاحِبَهُ بِمَا يَكْرَهُهُ مِنَ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ، وَعَمَّ اللَّهُ بِنَهْيِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضَ الْأَلْقَابِ دُونَ بَعْضٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبُزَ أَخَاهُ بِاسْمٍ يَكْرَهُهُ أَوْ صِفَةٍ يَكْرَهُهَا"
ومن صور الخلط أيضاً : أن تسمي أحدهم بكنية أو لقب ، مثل أبو بكر أبو عبيدة وغيرهما من الكنى وذلك ليس بصحيح ، فسيدنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- اسمه عبدالله بن عثمان ويكنى بأبي بكر ويلقب بالصديق ، وسيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – يلقب بالفاروق، وسيدنا عثمان بن عفَّان يلقب بذي النورين، وسيدنا علي بن أبي طالب اسمه علي وسمته أمه فاطمة بنت أسد ( حيدرة )
وقد ذكر ذلك – كرَّم الله وجهه – بقوله:
أنا الَّذي سمَّتني أُمّي حَيدَرَه
كَليثِ غَابَاتٍ شديد قسوره
أكيلكم بالسيف كليل السَّندَرَه
وكناه النبي الأكرم – صلى الله عليه وسلم – بأبي تراب
ومن مظاهر الخلط إطلاق أسماء وألقاب وكنى على كثير من الناس بدون أدنى استحقاق ،فقد كثر في أيامنا من يدعي الشيخة من المتشيخين المصابين بداء الشيخة وكثر الزعماء والقادة وما يندرج تحتها من مسميات ما أنزل الله بها من سلطان وكأن شاعرنا الكبير علي الشرقي كان يقصدهم حين قال :
قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل؟!
والظاهر لنا أن الأمم والشعوب عندما تمر بحالات الضعف والانكسار والهزيمة تسود فيها المظاهر الكذابة والأسماء والألقاب الرنانة بلا استحقاق ،لأن أهل الأعمال والإنجازات لا يحبون أن يُمدحوا بما لم يفعلوا أو أن تطلق عليهم ألقاب ومسميات أكبر منهم ، وهذه الحالة ليست جديدة وقد شخَّصها أحد شعراء الأندلس فقال وأحسن القول :
ممّا يُزّهدني في أرضِ أندلسٍ تلقيب معتمد فيها ومعتضدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
0 تعليقات