بقلم الكاتب والباحث السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي...
لابد أن نقتنع ونسلم أن أغلب جماعة الإخوان المسلمين الذين هربوا خارج مصر بعد الإطاحة بالرئيس (محمد مرسي) وتحديدا قيادات الصف الأول وأعضاء التنظيم الدولي للإخوان، ليسوا سوى " دمى تتراقص في تناسلها وفنائها على مسرح العبث أو اللامعنى". ومنذ تأسيس الجماعة في مصر عام 1928 على يد (حسن البنا) ومعه قيادات الرعيل الأول للجماعة ومنظري الفكر والأيديولوجية الإخوانية، تعاني من التخبط والضياع والهوس الفكري على مستوى تحدي قواعد اللعبة العقلانية، إضافة إلى بعض الأمور التي قد تكون غير معروفة للقارئ مثل اعتراف (حسن البنا) صراحة وبكل ثقة أنه استلم مبالغ مالية من سكرتير وزير المستعمرات البريطانية في محافظة الإسماعيلية بمصر في بدايات الدعوة ، وقد ذكر البنا ذلك في كتابه (مذكرات الدعوة والداعية). في الحقيقة هذه ليست اتهامات أو افتراءات ضد الإخوان، وإنما بشهادات أقرب المقربين للجماعة، وأبرزها شهادة الشيخ (محمد الغزالي) وهو أحد دعاة الفكر الإسلاميّ في العصر الحديث وصديق حسن البنا، وكان من ضمن جماعة الإخوان المسلمين، وكاتب بارز في مجلة الإخوان المسلمين حينها، إذ يقول في كتابه (معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث، ص264)" إن شباب الجماعة كانوا مدربين على القتال، كان الغرض من إعدادهم مقاتلة المحتلين الإنكليز واليهود. وقد كان هؤلاء الشبان شرًّا على الجماعة، فقد قتل بعضُهم بعضاً، وتحولوا إلى أداة تخريب وإرهاب في يد من لا فقه لهم في الإسلام".
وعليه، فإن جماعة الإخوان المسلمين عبارة عن خناجر مسمومة تطعن ظهر الأسلام وتقطع الأحشاء من داخل جسد كيانه، هذا هو الاسلام السياسي بلحمه وشحمه، أجندة مشاريع خبيثة موازية للمشروع الصهيوني بشقيها الإخواني والخميني وذيولهما القاعدة وحزب الشيطان اللبناني، بتوجيه وتخطيط من أسيادهم في طهران وأنقرة
وبما أن المخططات التركيّة قد تهاوت خاصة بعد فشل حكم الإخوان المسلمين في مصر، ولم يستطيع أردوغان تحويل تنظيم الإخوان إلى القوة الجديدة التي تحكم العالم الإسلاميّ، فأنه فتح الطريق على مصراعيه أمام مايسمى عبثا (بالجهاد الإسلاميّ) بديلا عن حكم الإخوان الذي تهاوى في مصر. أما الدعم القطريّ لجماعة الإخوان المسلمين فكان وما يزال واضحاً وعلناً، بل صاحب ذلك الدعم توظيف المؤسسات الدينيّة بطريقة براغماتية، فأنشأت قطر في عام 2004م (الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين) بصفته مؤسسة أيديولوجية يقف على رأسها منظّر الجماعة والأب الروحي لهم، يوسف القرضاويّ، حيث كان الهدف المعلن لهذا الاتحاد تقديم (نسخة عصرية للدين الإسلاميّ) أكثر اعتدالاً وتسامحاً مذهبيًّا لفهم مدلولات النصّ الدينيّ ومقاصد الشريعة. لكنه عبارة عن مؤامرة إخوانية هدفها في الأساس هو ضرب شرعية مؤسسة رابطة العالم الإسلاميّ في المملكة العربية السعودية. تلك المؤسسة التي هي عبارة عن منظمة إسلامية عالمية جامعة مقرها مكة المكرمة مهمتها هي تبليغ رسالة الإسلام ونشرها في جميع أنحاء العالم، وشرح مبادى الإسلام وتعاليمه، والأهم دحض المفتريات والشبهات عن الإسلام، ودعم وخدمة قضايا العالم الإسلامي.
الجدير بالذكر أن قطر استقبلت أغلب قيادات جماعة الإخوان المسلمين بعد سقوط حكم الإخوان في مصر، أبرزهم عمرو دراج وزير التخطيط المصريّ السابق والقياديّ بحزب الحرية والعدالة، ومحمود حسين أمين عام جماعة الإخوان المسلمين، وجمال عبد الستار القياديّ بالجماعة، ومن ثَم انتقل هؤلاء إلى تركيا، كما استقبلت قطر أيضاً كلًّا من عاصم عبد الماجد، وطارق الزمر، وهما أبرز أعضاء الجماعة الإسلاميّة وتحديداً طارق الزمر أحد أهم العناصر الذي اشترك في عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات في حادثة المنصة الشهيرة.
السؤال: في أية بقعة من بقاع العالم سيختبئ أحفاد حسن البنا بعد أسطنبول؟ وهل ستتوقف ماكينتهم الإعلامية المأجورة والفاسدة في بث سمومها ضد مصر ودول الخليج؟ بعد أن رفع أردوغان رايته البيضاء وأنصاع لمصر ودول الخليج تحديدا المملكة العربية السعودية والإمارات.
لماذا كابول؟
إن الباحث في نشأة التنظيمات التكفيريّة المعاصرة يرى أن قسماً كبيراً من قادتها قد خرج من رحم جماعة الإخوان المسلمين، والقسم الآخر حمل أفكارها. وفي هذا الصدد يقول علي عشماوي، آخر قادة التنظيم الخاصّ في جماعة الإخوان المسلمين في كتابه (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين) " إنني أعدُّ أن جماعة الإخوان كانت أم التنظيمات الإسلاميّة في العالم العربيّ، لأنها أقدمها، وهي التي فرخت بقية التنظيمات بعد ذلك، وبداية الانحرافات جاءت من داخل الإخوان أنفسهم". ونتيجةً لذلك بدأ الفكر الإخوانيّ في التغلغل في صفوف تنظيم القاعدة بأفغانستان حيث وصلت أفكار جماعة الإخوان المسلمين ومعتقداتهم إلى أفراد تنظيم القاعدة عن طريق الرجل الثاني في التنظيم (أيمن الظواهريّ) الذي حمل كل قواعد العنف، واستطاع أن ينقل هذا الفكر إلى الجهاديّين في أفغانستان ليكون السبب في ممارسات العنف والاغتيالات والتفجيرات المنافية لكل قيم الدين. ومن هذا المنطلق لم تكن جماعة الإخوان السلميّن الرافد الأساسيّ لكل الأفكار والمعتقدات المتطرفة للجماعات الجهاديّة فحسب، وإنما كانت السبب الرئيس في تصدير رجال خرجوا من عباءة التنظيم، ومن ثم أصبحوا قادة في تلك التنظيمات الجهاديّة.
لماذا طهران؟
أيّدت جماعة الإخوان المسلمين في مصر نجاح الثورة الإيرانيّة عام 1979م، ووصول الخمينيّ إلى السلطة في طهران، إذ أعلن ذلك رسميًّا من مكتب التنظيم الدوليّ للإخوان المسلمين، وقد أصدرت الحركة الإسلاميّة المتمثلة لجماعة الإخوان المسلمين في بعض من دول العالم تأييدها وتضامنها مع الخمينيّ، وهم كلٌّ من، حزب السلامة التركيّ بزعامة نجم الدين أربكان، والجماعة الإسلاميّة في باكستان بزعامة أبي الأعلى المودوديّ حيث أكدت هذه الفصائل أنها ستظل على عهدها في خدمة الثورة الإسلاميّة في إيران، وخدمة الخميني. وفي شهادة لـ (يوسف ندا) مفوّض العَلاقات الدوليّة في جماعة الإخوان المسلمين يوضح أن عَلاقة الإخوان المسلمين مع الخمينيّ كانت أبعد من بداية الثورة، وأنها تعود إلى ما قبل ذلك مع آية الله بهشتي الذي أصبح من كبار المسؤولين في نظام ما بعد الثورة الإيرانيّة.
وتأسيساً لما تقدم فإن الموقف السياسيّ الذي اتخذته جماعة الإخوان المسلمين مع الثورة الإيرانيّة كان حصيلة تلاقيات فكرية مع اتجاه الخمينيّ الذي يُمثل نوعاً من الحركة الإسلاميّة التي أتت من مجتمع يغلب عليه المذهب الشيعيّ مثل المجتمع الإيرانيّ، وبالتالي فإن هذه التوافقات الفكريّة أدت إلى توافقات سياسيّة. وتجدر الإشارة إلى أن راشد الغنوشيّ زعيم حزب النهضة التونسيّ التابع لجماعة الإخوان المسلمين كان ومازال من المؤيدين والداعميين للخميني وولاية الفقيه.
ووَفقاً لهذه الرؤية الإخوانيّة تجاه الحركة الخمينيّة فقد دفعت المرشد العام للجماعة (عمر التلمسانيّ) عام 1985م أن يدعو عبر مجلة الدعوة التابعة للإخوان المسلمين للتقارب ما بين الشيعة والسُنة، إذ وصف التلمسانيّ الثورة الإيرانيّة بأنها (أعظم ثورة) في التاريخ الحديث بفعالياتها ونتائجها الإيجابية وآثارها التي أعادت الحسابات وغيرت الموازين بحسب رأيه. لكن العالم بأسره يجمع على أن كل مصائب أمتنا وكوارثها كانت وماتزال بسبب الإسلام السياسي بشقيه الإخواني وولاية الفقيه.
الخلاصة، بالرغم من مرور أكثر من تسعين عاما على تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين، ورغم كل المحاولات في مد جذورهم في أعماق المجتمع العربي والإسلامي بغية تغيير وتشويه القيمة الثقافية والتاريخية والدينية، إلا أنهم فشلوا وبكل جدارة في مشروعهم هذا.
0 تعليقات